مقدمة
حمدا لله ، وصلاة وسلاما على نبيه وآله وصحبه ومن والاه
، وعلى كل من اهتدى بهداه .
أما بعد : فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة
وإخراجها للناس لأول مرة ، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد
الرحمن الباني ، فإنه - جزاه الله خيرا - اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه ،
ففعلت ، ثم قام هو بطبعها على نفقته ، ووزعها مجانا في حفلة زفافه ، مكان ما جرى
الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها ، مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه ،
فكان ذلك منه سنة حسنة ، من حسناته الكثيرة - إن شاء الله - ما أحوج المسلمين إلى
الاقتداء به فيها ، والسير على منوالها
.
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى ، وكان من تمام
2
صفحة رقم -6-
الاستفادة منها ، تعميم نشرها على الناس في مختلف
الأقطار والأمصار ، رأى كثيرون إعادة طبعها ، وألحوا علي بالطلب ، فاستجبت لذلك ،
وتفرغت له بعض الوقت ، فأضفت إليها زيادات كثيرة ، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى
بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها .
وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي
أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله ، فبينت - ما استطعت - خطأهم فيها ، وبعدهم عن
الصواب فيما قالوه حولها ، وذلك بالحجة والبرهان ، ليكون القارئ الكريم على بينة
من أمره ، وبصيرة من دينه ، فلا يتأثر بشبهات الشاكين ، وجدال المبطلين ، وقلة
السالكين ، في زمن أصبح المتمسك فيه بالسنة غريبا في بني دينه المحاولين التمسك به
، فكيف هو في المخالفين له ، الصادين عنه ؟
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين
قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم
:
" إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ "
3.ص 7
صفحة رقم -7-
فطوبى للغرباء ( 1 ) .
وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة
الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى ، لما فيها
من فوائد ومواعظ ، وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما
جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه ، بل ولم يسمعن به من قبل ، فاللهم أرنا الحق حقا
وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، إنك سميع مجيب .
دمشق في 25/10/1376 ه .
( 1 ) رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ، انظر
" مختصر صحيح مسلم " للإمام المنذري ( رقم 72 ) بتحقيقي ، طبع المكتب
الإسلامي .
ص 9
صفحة رقم -9-
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا رب لهم غيره ، ولا يطاع في
السر والعلن سواه ، وصلى الله على معلم الناس الخير محمد هادي الإنسانية إلى سنة الحق
، وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال
يلهيهم ما يلهي الأطفال ، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال
من ألاعيب وتوافه وأوهام ، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال ، وهدايته في
التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات ، وحينئذ
ص 10.
صفحة رقم -10-
يرجعون إلى ربهم ، فيحفظ لهم عقولهم ، ويبارك لهم في
أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم ، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم ، فيستعملونها فيما
ينفعهم ، ويكون به عزهم ، ويعلو به سلطانهم .
وتحري سنة الإسلام في الاعتدال ، والانتفاع بهدايته في التحرر
من السفاسف التي صار المسلمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة ، يتوقف على أمرين :
أحدهما : إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن
دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام .
والثاني :
ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك
البيان العلمي بالعمل به ، حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس
والتعلم .
وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي
تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم
ص 11.
صفحة رقم -11-
الناس الخير صلى الله عليه وسلم ، في حفلات الزفاف
وآدابه وولائمه ، وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام ،
حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت - في هذه الناحية - بفطرة العروبة
وتحررها من بذخ المترفين ، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة
بالطبقة التي سبقتها إلى النار ، حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس
، فكادوا ينصرفون عنه - وهو في نفسه من سنة الإسلام - لأنهم انصرفوا فيه عن سنن
الإسلام ، فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية .
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها
، تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها ، وهو أخونا
بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني ، فوضع بين أيدي
المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب
الزفاف ، وحبذا لو كان قد اتسع له الوقت وواتته الأسباب ، فاستقصى كل ماورد من ذلك
في الحياة الزوجية ، وآداب البيت ، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية .
ولكن ظهور الهلال في
ص 12.
صفحة رقم -12-
ليلته الأولى ، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر
حتى يكون بدرا كاملا .
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه ،
تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين
في الاعتدال والتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات ، عندما استخارا
الله ، فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر ، والأسرة الإسلامية المتحررة من
تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا ، والطارئة علينا . فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد
أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته ، حتى
يحقق له آماله ، ملتزما سنة الإسلام في ذلك ما استطاع .
وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلا
من تاريخ نساء العروبة والإسلام ، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها ، لتكون من
الخالدات إن شاء الله .
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
13..ص14.
صفحة رقم -14-
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا
عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش
كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأد سم المأكولات
وأندرها وأغلاها ، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر ، لاستطاعت ذلك . إلا أني لا أذيع
مجهولا بين الناس إن قلت : إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع
بالعافية المعتدلون ، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة
والمعدمين ، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة
ومملولة ، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما
وراء ذلك ، فلا يجدونه ، بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم
فيه ، وأنهم يجدونه متى شاؤوا ، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ،
ليكونوا أرفع منها ، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ، ولذلك اختار الخليفة الأعظم
عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن
ص 15..
صفحة رقم -15-
تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ، ورضيت بذلك زوجة
الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء ، فكانت مغتبطة بذلك لأنها
تذوقت لذة القناعة ، وتمتعت بحلاوة الاعتدال ، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب
لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف . بل اقترح عليها
زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج
بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولو بيع لأشبع
ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله ، فاستجابت له ، واستراحت من أثقال الحلي
والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها ، فبعثت بذلك كله إلى
بيت مال المسلمين . وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف
لزوجته وأولاده شيئا ، فجاءها أمين بيت المال ، وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي
لا تزال كما هي ، وإني اعتبرتها أمانة لك ، وحفظتها لهذا اليوم ، وقد جئت أستأذنك
في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة
صفحة رقم -13-
كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام
والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا
وجنوة شرقا ، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا
غربا . ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب ، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول
خلفاء الإسلام ، وهم : الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، ويزيد بن عبد
الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام
بعد خلفاء الصدر الأول ، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز .
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة ، وزوجة خليفة ، وأخت
أربعة من الخلفاء ، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن
ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ، ويقال : إن من هذه الحلي قرطي
مارية اللذين اشتهرا في التاريخ ، وتغنى بهما الشعراء ، وكانا وحدهما يساويان كنزا
. ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن
===============
16.
صفحة رقم -16-
لأمير المؤمنين ، ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه
ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة ، في
الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات ، وبذلك كتب الله لها الخلود ، وها نحن
نتحدث عن شرف معدنها ، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور ، رحمها الله ، وأعلى مقامهما
في جنات النعيم .
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ، وكل عيش
مهما خشن أو نعم ، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه ، والسعادة هي الرضا ،
والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه ، وذلك هو الغنى بالمعنى
الإسلامي والمعنى الإنساني ، جعلنا الله من أهله .
17 ذي الحجة سنة 1371 ه
7 سبتمبر سنة 1952 م
محب الدين الخطيب
17/
صفحة رقم -17-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق
لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) [ الروم : 21 ] .
والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه : [ تزوجوا الودود
الولود ، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ( 1 ) .
وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام
، قد ذهل عنها ، أو جهلها أكثر الناس ، حتى المتعبدين منهم ، فأحببت أن أضع في
بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة ، إعانة له ولغيره من الإخوة
المؤمنين ، على القيام بما شرعه سيد المرسلين .
( 1 ) رواه أحمد والطبراني بسند حسن ، وصححه ابن حبان عن
أنس ، وله شواهد سيأتي ذكرها في المسألة ( 19 ) .
18/
صفحة رقم -18-
عن رب العالمين ، وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي
تهم كل متزوج ، وقد ابتلي بها كثير من الزوجات .
اسأل الله تعالى أن ينفع بها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه
الكريم ، إنه هو البر الرحيم .
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة ، وإنما يعنيني منها في هذه
العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية ، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها ،
أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه ،
وثقة من أمره ، وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة ، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة
السنة ، وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم : : ( ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) . [ الفرقان : 74 ] . والعاقبة للمتقين كما قال رب
العالمين :
( إن المتقين في ظلال وعيون . وفواكه مما يشتهون . كلوا
واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ المرسلات : 41 - 44 ] .
وهاك تلك الآداب :
19/
صفحة رقم -19-
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها :
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها ، كأن يقدم إليها
شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن ، قالت :
إني قينت ( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2 ) فجاء ، فجلس إلى 20/صفحة رقم -20-
جنبها ، فأتي بعس [ ( 3 ) لبن ، فشرب ، ثم ناولها النبي
صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها ، وقلت لها :
خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأخذت ، فشربت شيئا ، ثم قال لها
النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ( 4 ) ، قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل
خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ، ثم
وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي
______
( 1 ) أي : زينت .
( 2 ) أي : للنظر إليها مجلوة مكشوفة .
( 3 ) هو القدح الكبير .
( 4 ) أي : صديقتك .
21/
صفحة رقم -21-
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة
عندي : [ ناوليهن ) ، فقلن : لا نشتهيه
فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تجمعن جوعا وكذبا
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو
قبل ذلك ، وأن يسمي الله تبارك وتعالى ، ويدعو بالبركة ، ويقول ما جاء في قوله صلى
الله عليه وسلم :
( إذا تزوج أحدكم امرأة ، أو اشترى خادما ، [ فليأخذ
بناصيتها ] ، [ وليسم الله عز وجل ] ، [ وليدع بالبركة ] ، وليقل :
( 1 ) أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار
المنذري إلى تقويته ، والحميدي أيضا في مسنده . وله شاهد في الطبراني في "
الصغير " و" الكبير
" ، و"
تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ ، وكتاب " الصمت " لابن الدنيا .
( 2 ) الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس كما في "
اللسان " .
22/
صفحة رقم -22-
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ
بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1
) .
( وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه ، وليقل مثل ذلك
] ( 2 ) .
( 1 ) أي : خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية " .
قلت :
وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر ، خلافا
لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى ، وليس في كون
الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى ، بل هو من كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك
في المطولات ، ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل
" ، لابن القيم ، فليراجعه من شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة
؟ وجوابي : نعم ، لما يرجى من خيرها ، ويخشى من شرها .
( 2 ) أخرجه البخاري في " أفعال العباد " ،
وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، والبيهقي ، وأبو يعلى في " مسنده "
بإسناد حسن ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي . وقال الحافظ العراقي في " تخريج
الإحياء " :
" إسناده جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي
في " الأحكام الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة ، وكذا ابن دقيق
العيد في " الإلمام "
.
22/
صفحة رقم -22-
3 - صلاة الزوجين معا :
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا ، لأنه منقول عن السلف
. وفيه أثران :
الأول : عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :
( تزوجت وأنا مملوك ، فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب
أبو ذر ليتقدم ، فقالوا : إليك قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، ( 1 ) قال : فتقدمت بهم
وأنا عبد مملوك ، وعلموني فقالوا
:
( إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما
دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم شأنك وشأن أهلك ( 2 ) .
( 1 ) قلت : يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في
بيته إلا أن يأذن له ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يؤم الرجل في بيته
ولا في سلطانه " . أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " ، وهو في
" صحيح أبي داود " .
( 2 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف
" . وعبد الرزاق أيضا ، وسنده صحيح إلى أبي سعيد ، وهو مستور ، لم أجد من
ذكره سوى أن الحافظ أورده في
" الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك
بن ربيعة الأنصاري ، ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية :
" يروي عن جماعة من الصحابة ، روى عنه أبو نضرة "
ثم ساق هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ ، وهو
رواية لابن أبي شيبة .
23/
صفحة رقم -23-
الثاني : عن شقيق قال :
( جاء رجل يقال له : أبو حريز ( 1 ) ، فقال : إني تزوجت
جارية شابة [ بكرا ] ، وإني أخاف أن
تفركني ( 2 ) ، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود
( 1 ) بحاء مفتوحة ، والأصل " حرير " بدون
إعجام ، وقد أورده الذهبي في " المشتبه " بالحاء ، وقال :
" له صحبة " . ثم تناقض فذكره في "
التجريد " بالجيم والراء المكسورة ، كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في "
التوضيح " ، وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين . والله أعلم .
( 2 ) أي : تبغضني ، وفي " النهاية " : "
فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر ، وفركا وفروكا فهي فروك " .
24/
صفحة رقم -24-
( إن الإلف من الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكره
إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى
عن ابن مسعود :
( وقل : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لهم في ، اللهم
اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ] ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق ،
وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح ، وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين ،
والزيادة مع الرواية الأخرى له ، ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه
وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي
عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل ، فتقوم من
خلفه فيصليان ركعتين ، ويقول : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لأهلي في ، اللهم ارزقهم مني ،
وارزقني منهم ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا إذا فرقت في خير " .
وقال : " لم يروه عن عطاء إلا الحسين " .
قلت :
يعني مرفوعا ، وعطاء بن السائب كان اختلط ، وقد رواه عنه
حماد بن زيد به نحوه موقوفا عليه ، وهو الصواب ، لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل
أن يختلط ، ولذلك أوردناه في المتن ، وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود .
ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي ، فانظر :
" إذا تزوج أحدكم . . . " من " المعجم " .
وله شاهد مرفوع عن سلمان ، أخرجه ابن عدي ، وأبو نعيم في
" أخبار أصبهان " ، والبزار في
" مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ : " إذا تزوج
أحدكم . . . " ، ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس .
وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال :
حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة ، فلما دخل عليها وقف
على بابها ، فإذا هو بالبيت مستور ، فقال :
ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة )
والله لا أدخله حتى تهتك أستاره
فلما هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله ، فوضع يده
على رأسها . . . فقال : هل أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع ، قال
: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي :
" إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة
الله " ، فقومي فلتصل ركعتين ، فما سمعتني أدعو فأمني ، فصليا ركعتين ، وأمنت
، فبات عندها ، فلما أصبح ، جاءه أصحابه ، فانتحاه رجل من القوم ، فقال : كيف وجدت
أهلك ؟ فأعرض عنه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم ،
وقال :
رحمكم الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب
والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر ، إن أخبر أو لم يخبر .
وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر .
26/ صفحة رقم -26-
4 - ما يقول حين يجامعها :
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله :
( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما
رزقتنا .
قال صلى الله عليه وسلم :
( فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا "
( 1 ) .
( 1 ) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي . . .
27/
صفحة رقم -27-
5 - كيف يأتيها :
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء ، من خلفها
أو من أمامها ، لقول الله تبارك وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
) ، أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة ، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها :
الأول عن جابر رضي الله عنه قال :
( كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في
قبلها كان الولد أحول فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري ومسلم والنسائي . . .
28/
صفحة رقم -28-
الثاني : عن ابن عباس ، قال :
( كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من
يهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير
من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من
الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا
، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوج رجل
منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى
على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري ( 2 ) أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع
( 1 ) أي : على جانب . " نهاية "
( 2 ) أي : عظم وتفاقم .
صفحة رقم -29-
الولد ( 1
) .
6 - تحريم الدبر :
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : (
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
) ،
( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم ، والبيهقي ، والواحدي في
" الأسباب " والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده حسن ، وصححه
الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي
وله عند الطبراني طريق آخر مختصر .
وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في
" العشرة " بسند صحيح ، ثم روى هو والقاسم السرقسطي في " الغريب
" ، وغيرهما ، عن سعيد بن يسار قال :
قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما
التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟
قلت :
وسنده صحيح ، وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد
الإنكار إتيان النساء في الدبر ، فما أورده السيوطي في " أسباب النزول "
وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه .
صفحة رقم -30-
والأحاديث المتقدمة ، وفيه أحاديث أخرى :
الأول : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من
نسائهم ، وكان المهاجرون ( 1 ) يجبون ( 2 ) ، وكانت الأنصار لا تجبي ، فأراد رجل من المهاجرين
امرأته على ذلك ، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتته ، فاستحيت
أن تسأله ، فسألته أم سلمة ، فنزلت
:
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا
في صمام ( 3 ) واحد ( 4 ) .
( 1 ) يعني نساء المهاجرين والأنصار .
( 2 ) من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :
" جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " .
( 3 ) أي : مسلك واحد ، وفي " النهاية " :
" الصمام : ما تسد به الفرجة ، فسمي الفرج به " .
( 4 ) أخرجه أحمد والسياق له ، والترمذي وصححه ، وأبو
يعلى ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " ، والبيهقي ، وإسناده صحيح على شرط
مسلم
صفحة رقم -31-
الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
( جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما الذي أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة ( 1 )
، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يقول : أقبل وأدبر ، واتقل الدبر والحيضة " ( 2 )
( 1 ) كنى برحله عن زوجته ، أراد بها غشيانها في قبلها
من جهة ظهرها ، لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها ، فحيث ركبها من جهة
ظهرها كنا عنه بتحويل رحله ، إما أن يريد به المنزل والمأوى ، وإما أن يريد به
الرحل الذي تركب عليه الإبل ، وهو الكور . " نهاية " .
( 2 ) رواه النسائي في " العشرة " ، والترمذي
، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والواحدي بسند حسن . وحسنه الترمذي .
صفحة رقم -32-
الثالث : عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء
في أدبارهن ، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
حلال . فلما ولى الرجل دعاه ، أو أمر به فدعي ، فقال : كيف قلت ؟ في أي الخربتين
، أوفي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ( 1 ) ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ، أم من
دبرها في دبرها ؟ فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن
" ( 2 ) .
( 1 ) يعني : في أي الثقبين ، والألفاظ الثلاثة بمعنى
واحد كما في " النهاية
" .
( 2 ) رواه الشافعي وقواه ، وعنه البيهقي ، والدارمي ،
والطحاوي ، والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده صحيح كما قال ابن
الملقن في " الخلاصة " ، وعله عن دالنسائي في " العشرة "
والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر ، أحدها جيد كما قال المنذري ، وصححه ابن
حبان ، وابن حزم ، ووافقهما الحافظ في
" الفتح
.
صفحة رقم -33-
الرابع : [ لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ]
( 1 ) .
الخامس :
[ ملعون من يأتي النساء في محاشهن . يعني : أدبارهن .
السادس : [ من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل على محمد ] ( 3 ) .
( 1 ) أخرجه النسائي في " العشرة " ، والترمذي
، وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده حسن ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن راهويه كما في
" مسائل المروزي " ، وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد ، وقواه ابن
دقيق العيد ، والنسائي ، وابن عساكر ، وأحمد ، من حديث أبي هريرة .
( 2 ) أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن ،
وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة ، وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به .
أخرجه أبو داود ، وأحمد .
( 3 ) أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا
النسائي ، فرواه في " العشرة " ، والدارمي ، وأحمد واللفظ له والضياء في "
المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج " .
وروى النسائي ، وابن بطة في " الإبانة " عن
طاوس قال :
سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ فقال : هذا
يسألني عن الكفر ؟ وسنده صحيح ، وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف .
وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " :
" قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ، ولي في ذلك مصنف كبير " .
قلت : فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي
في " تفسيره " :
" إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا
العلم أولا ، وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي ، وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها
، وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب . وفي مقدمة
المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ، ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين
كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن
حجر ، وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع ، فانظر مثلا " الإرواء " ( 7/65 - 70 ) .
صفحة رقم -35-
7 - الوضوء بين الجماعين :
وإذا أتاها في المحل المشروع ، ثم أراد أن يعود إليها
توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم
:
( إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ [
بينهما وضوءا ] وفي رواية : وضوءه للصلاة ) [ فإنه أنشط في العود ] ( 1 ) .
8 - الغسل أفضل :
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى
الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت له :
يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال :
( 1 ) أخرجه مسلم ، وابن أبي شيبة في " المصنف
" ، وأحمد وأبو نعيم والزيادة له ، وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري ، وقد
خرجناه في " صحيح سنن أبي داود " برقم ( 216 ) .
صفحة رقم -36-
( هذا أزكى وأطيب وأطهر ] ( 1 ) .
9 - اغتسال الزوجين معا :
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ، ولو رأى منه
ورأت منه ، وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء
بيني وبينه واحد [ تختلف أيدينا فيه ] ، فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي ،
قالت : وهما جنبان ] ( 2 ) .
( 1 ) رواه أبو داود ، والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني
، وأبو نعيم في " الطب " بسند حسن ، وقواه الحافظ ، وقد تكلمت عليه في
" صحيح السنن " رقم ( 215
) .
( 2 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم
" ، والسياق لمسلم ، والزيادة له وللبخاي في رواية ، وترجم له ب " باب
غسل الرجل مع امرأته " . .
.
صفحة رقم -39-
10 - الثاني : عن معاوية بن حيدة قال :
قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال
: [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ] . قال :
صفحة رقم -40-
قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :
( إن استطعت أن لا يرينها أحد ، فلا يرينها ] . قال :
فقلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال :
( الله أحق أن يستحيى منه من الناس ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والروياني
في " المسند " ، وكذا أحمد ، والبيهقي ، واللفظ لأبي داود ، وسنده حسن
وصححه الحاكم ، ووافقه الذبي ، وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام " .
والحديث ترجم له النسائي ب " نظر المرأة إلى عورة
زوجها " ، وعلقه البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في
الخلوة ، ومن تستر فالستر افضل " ، ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من
موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين ، فأشار في إلى أن قوله في الحديث :
" الله أحق أن يستحيى منه
" محمول على ما هو الأفضل والأكمل ، وليس على ظاهره
المفيد للوجوب ، قال المناوي :
" وقد حمله الشافعية على الندب ، وممن وافقهم ابن
جريج ، فأول الخبر في " الآثار " على الندب ، قال : لأن الله تعالى لا
يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة
" .
وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه ، فراجعه إن
شئت ( 1/307 ) .
صفحة رقم -41-
10 - توضؤ الجنب قبل النوم :
ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ ، وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [ يأكل
أو ] ينام وهو جنب غسل فرجه ، وتوضأ وضوءه للصلاة ) ( 1 )
الثاني : عن ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن عمر قال : يا رسول الله أينام أحدنا وهو
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " .
صفحة رقم -42-
جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) ، وفي رواية :
( توضأ واغسل ذكرك ، ثم نم ) . وفي رواية :
( نعم ، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) .
وفي أخرى
:
( نعم ، ويتوضأ إن شاء ( 1 ) .
الثالث : عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال :
( ثالثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ (
2 )
( 1 ) أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " ، وابن
عساكر ، والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود
" ، والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي ، والأخيرة لابن خزيمة وابن
حبان في " صحيحيهما " كما في " التلخيص " ، وهي تدل على عدم
وجوب هذا الوضوء ، وهو مذهب جمهور العلماء ، وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة
التالية ، وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب . فتنبه
( 2 ) أي : المنكر التلطخ ب " الخلوق " ، وهو
بفتح المعجمة ، قال ابن الأثير
:
" وهو طيب معروف ، مركب من الزعفران وغيره من أنواع
الطيب ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " .
صفحة رقم -43-
بالخلوق ، [ والجنب إلا أن يتوضأ ( 1 )
11 - حكم هذا الوضوء :
وليس ذلك على الوجوب ، وإنما للاستحباب المؤكد ، لحديث
عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال :
( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) ابن حبان في صحيحه .
حديث حسن ، أخرجه أبو داود في " سننه " من
طريقين ، وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما ، وصححه الترمذي وغيره ، وفيه نظر
بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود " ، لكن متن الطريق الأولى وهو هذا
له شاهدان أوردهما الهيثمي في
" المجمع " ، ولهذا حسنته ، وأحدهما عند
الطبراني في " الكبير " من حديث ابن عباس .
( 2 ) رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن
خزيمة ، وإلى " صحيحه " عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم
قريبا ، ثم قال الحافظ :
" وأصله في " الصحيحين " دون قوله : إن
شاء " .
قلت :
بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما
سبق تخريجه آنفا ، وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب ، خلافا
للظاهرية .
صفحة رقم -44-
ويؤيده حديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير
أن يمس ماء [ حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، وأصحاب " السنن "
إلا النسائي ، والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد
" وأبو يعلى في " مسنده
" ، والبيهقي
والحاكم وصححاه ، وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ،
ورواه عفيف الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم ( 6 ) بلفظ :
" فإن استيقظ من آخر الليل ، فإن كان له في أهله
حاجة عاودهم ثم اغتسل " .
وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله .
وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال :
" إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر
الغسل "
وعن سعيد بن المسيب قال :
" إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ " .
وسنده صحيح ، وهو مذهب الجمهور .
صفحة رقم -45-
وفي رواية عنها :
( كان يبيت جنبا فيأتيه بلال ، فيؤذنه بالصلاة ، فيقوم
فيغتسل ، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ، ثم
يظل صائما . قال مطرف : فقلت لعامر : في رمضان ؟ قال : نعم ، سواء رمضان أو غيره ( 1 )
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء :
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن
ينام توضأ ،
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، من رواية الشعبي عن مسروق
عنها . وسنده صحيح ، وهو شاهد قوي للذي قبله ، وكذا رواه أحمد ، وأبو يعلى في
" مسنده " ، وله عندي طريق أخرى .
صفحة رقم -46-
أو تيمم ( 1
) .
13 - اغتساله قبل النوم أفضل :
واغتسالهما أفضل ، لحديث عبد الله بن قيس قال :
( 1 ) رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه
عنها . قال الحافظ في " الفتح
" :
" إسناده حسن " .
قلت :
رواه ابن أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل
يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام ، قالت : يتوضأ أو يتيمم . وسنده صحيح .
وقد تابعه إسماعيل بن عياش ، عن هشام بن عروة به مرفوعا
، ولفظه :
" كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على
الحائط فتيمم " .
رواه الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن
الوليد عنه ، وقال : :
" لم يروه عن هشام إلا إسماعيل " .
قلت :
وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها ، لكنه
قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا
يخفى .
صفحة رقم -47-
( سألت عائشة قلت : كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في
الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام ، أم ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت : كل ذلك قد كان
يفعل ، ربما اغتسل فنام ، وربما توضأ فنام ، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة
( 1 )
14 - تحريم إتيان الحائض :
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها ( 2 ) لقوله تبارك وتعالى
: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( 3 ) فاعتزلوا
( 1 ) مسلم وأبو عوانة وأحمد .
( 2 ) قال الشوكاني في " فتح القدير " :
" ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ،
وهو معلوم من ضرورة الدين
" .
( 3 ) أي : هو شيء تتأذى به المرأة . وفسره القرطبي
وغيره برائحة دم الحيض . قال السيد رشيد رضا رحمه الله :
" أخذه على ظاهره مقرر في الطب ، فلا حاجة إلى
العدول عنه " ، ويعني به الضرر الجسماني ، قال :
" لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر ، وإذا سلم الرجل
من هذا الأذى ، فلا تكاد تسلم منه المرأة ، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى
ما ليست مستعدة له ، ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى ، وهي إفراز
الدم المعروف " .
صفحة رقم -48-
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( 1 ) فإذا
تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .
وفيه أحاديث
:
الأول : من قوله صلى الله عليه وسلم :
( من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا
( 1 ) هو انقطاع دم الحيض ، وهو ما لا يكون بفعل النساء
بخلاف التطهر في قوله : {فإذا تطهرن} ، فإنه من عملهن ، وهو استعمال الماء منهن ،
وسيأتي بيان المراد منه في المسألة ( 17 ) .
صفحة رقم -49-
فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( 1 ) الثاني
: عن أنس بن مالك قال :
( إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت
، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها ( 2 ) في البيت ، فسئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في
البيوت ، واصنعوا كل شيء غير النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل ألا يدع
شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا ننكحهن في
المحيض ؟ فتمعر ( 3 ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد ( 4 )
عليهما ، فخرجا ، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فبعث في آثارهما فسقاهما ، فظننا أنه لم يجد عليهما ( 5 ) .
( 1 ) حديث صحيح . رواه أصحاب " السنن "
وغيرهم كما سبق في المسالة .
( 2 ) أي : لم يخالطوها .
( 3 ) أي : تغير .
( 4 ) أي : غضب .
( 5 ) أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " . . .
صفحة رقم -50-
15 - كفارة من جامع الحائض :
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه
أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها ، لحديث عبد الله بن عباس رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال :
( يتصدق بدينار أو نصف دينار ( 1 )
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في
" المعجم الكبير " وابن الأعرابي في " معجمه ، والدارمي والحاكم
والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وابن دقيق
العيد ، وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح
سنن أبي داود " ، وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير "
، وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء ، وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل " :
" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ؟
قال : ما أحسن حديث عبد الحميد فيه ( قلت : يعني هذا ) ، قلت : وتذهب إليه ؟ قال
: نعم ، إنما هو كفارة . [ قلت
] : فدينار أو نصف دينار : قال : كيف شاء " .
وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر
أسماءهم الشوكاني في النيل ، وقواه
.
صفحة رقم -51-
16 - ما يحل له من الحائض :
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ، وفيه
أحاديث :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :
. . . اصنعوا كل شيء إلا النكاح ( 1 )
ــــــــــــــــ
( 1 ) أي : الجماع . قال الأزهري :
" أصل النكاح في كلام العرب الوطء ، وقيل للتزوج :
نكاح لأنه سبب للوطء المباح " . " لسان العرب " .
والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسالة ( 14 ) .
52/صفحة رقم -52-
الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا
كانت حائضا أن تتزر ، ثم يضاجعها زوجها ، وقالت مرة : يباشرها ( 1 )
( 1 ) البخاري ومسلم وأبو عوانة .
53/
صفحة رقم -53-
الثالث : عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
إن النبي صلى الله عليه وسلم :
( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ ثم
صنع ما أراد ] ( 1 )
17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت :
فإذا طهرت من حيضها ، وانقطع الدم عنها ، جاز له وطؤها
بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط ، أو تتوضأ أو تغتسل ، أي ذلك فعلت ، جاز له
إتيانها ( 2 ) ، لقوله تبارك
( 1 ) أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم .
( 2 ) وهو مذهب ابن حزم ، ورواه عطاء وقتادة قالا في
الحائض إذا رأت الطهر : أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها ، وهو مذهب الأوزاعي أيضا
كما في " بداية المجتهد "
قال ابن حزم
:
" وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل
وطؤها لزوجها ، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا " .
54/
صفحة رقم -54-
وتعالى في الآية السابقة :
55/
صفحة رقم -55-
فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب
التوابين ويحب المتطهرين .
56/
58/
صفحة رقم -58-
18 - جواز العزل :
ويجوز له أن يعزل عنها ماءه ، وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال :
( كنا نعزل ( 1 ) والقرآن ينزل ) ، وفي رواية :
( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ
ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينهنا ( 2 )
الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال :
( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن
لي وليدة ( 3 ) ، وأنا أعزل عنها ، وأنا أريد ما يريد
الرجل ، وإن اليهود زعموا : [ أن الموءودة الصغرى العزل ) ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : [ كذبت يهود ، [ كذبت يهود ] ، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع
أن تصرفه ( 4 )
( 1 ) في " الفتح " : " العزل : النزع
بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج
" .
( 2 ) رواه البخاري ومسلم . . .
( 3 ) يعني جارية .
( 4 ) النسائي ، وأبو داود والطحاوي في " المشكل
" والترمذي ، وأحمد بسند صحيح
.
وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه أبو يعلى ، والبيهقي
بسند حسن .
صفحة رقم -59-
الثالث : عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال : إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا ( 1 ) ، وأنا أطوف عليها ، وأنا أكره
أن تحمل ( 2 ) ، فقال :
( اعزل عنها إن شئت ، فإنه سيأتيها ما قدر لها ) ، فلبث
الرجل ، ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حبلت فقال :
( قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ( 3 )
( 1 ) أي : التي تسقي لنا النخل ، كأنها كانت تسقي لهم
عوض البعير . " نهاية
" .
( 2 ) أي : أجامعها ، وأكره حملها مني بولد .
( 3 ) مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد .
60/
صفحة رقم -60-
19 - الأولى ترك العزل :
ولكن تركه أولى لأمور :
الأول : أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت
لذتها ( 1 ) ، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي ، وهو :
الثاني : أنه يفوت بعض مقاصد النكاح ، وهو تكثير نسل أمة
نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر ( 2 ) بكم الأمم ( 3 )
( 1 ) ذكره الحافظ في " الفتح " .
( 2 ) أي : أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة ، وهو
تعليل للأمر بتزوج الولود الودود ، وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا
لا يرغب الرجل فيها ، والولود غير الودود لا تحصل المقصود . كذا في " فيض
القدير " .
( 3 ) حديث صحيح ، رواه أبو داود ، والنسائي والمحاملي
في " الأمالي " من حديث معقل بن يسار ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورواه
أحمد ، وسعيد بن منصور ، والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده
" ، والبيهقي من حديث أنس وصححه ابن حبان ، وقال الهيثمي :
" إسناده حسن " ، وفيه نظر كما بينته في
" إرواء الغليل " وتقدم لفظه
.
ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب
في " تاريخه " من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في "
الجامع الكبير " ، ولأحمد نحوه من حديث ابن عمر ، وسنده حسن في الشواهد .
61/
صفحة رقم -61-
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين
سألوه عن العزل ، فقال :
( ذلك الوأد الخفي ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " ،
وأحمد والبيهقي عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة
بنت وهب .
62/
صفحة رقم -62-
ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في
حديث أبي سعيد الخدري أيضا ، قال
:
63 /
صفحة رقم -63-
( ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
ولم يفعل ذلك أحدكم ؟ - ولم يقل : فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا
الله خالقها . ( وفي رواية ) ، فقال : وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون
؟
______________
( 1 ) رواه مسلم بالروايتين والنسائي ، وابن منده في
التوحيد بالأولى . والبخاري بالأخرى
.
64/ صفحة رقم -64-
ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ( 1 )
20 - ما ينويان بالنكاح :
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما ،
وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما ، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما ،
لحديث أبي ذر رضي الله عنه :
( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا
للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي
، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أو ليس قد جعل الله لكم ما
تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، [ وبكل تكبير صدقة ، وبكل تهليلة صدقة ، وبكل
تحميدة صدقة ] ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة
قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو
وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر ؟ [ قالوا : بلى ، قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [
فيها ] أجر ، [ وذكر أشياء : صدقة ، صدقة ، ثم قال : ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى
] ( 1 )
65/66/ صفحة رقم -66-
21 - ما يفعل صبيحة بنائه :
ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه
في داره ، ويسلم عليهم ، ويدعو لهم ، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه
قال :
( أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب ،
فأشبع المسلمين خبزا ولحما ، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ، ودعا لهن ،
وسلمن عليه ودعون له ، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه ( 2 ) .
( 1 ) مسلم والسياق له ، والنسائي وأحمد والزيادات كلها
له ، وإسنادها صحيح على شرط مسلم ، وللنسائي الزيادة الأخيرة .
قال السيوطي في " إذكار الأذكار " :
" وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا " .
قلت : لعل هذا عند كل وقاع ، وإلا فالذي أراه أنه لا بد
من النية عند عقده عليها ، وهو ما ذكرناه في الأعلى . والله أعلم .
( 2 ) رواه ابن سعد ، والنسائي في " الوليمة "
بسند صحيح .
67/ صفحة رقم -67-
22 - وجوب اتخاذ الحمام في الدار :
ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ، ولا يسمح لها أن
تدخل حمام السوق ، فإن ذلك حرام ، وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته
الحمام ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ( 1 )
( 1 ) أخرجه الحاكم واللفظ له ، والترمذي ، والنسائي
بعضه ، وأحمد ، والجرجاني من طرقعن أبي الزبير عن جابر ، وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي ، وقال
الترمذي : " حديث حسن " ، وله شواهد كثيرة تراها في الترغيب والترهيب .
68/
صفحة رقم -68-
الثاني : عن أم الدرداء قالت :
خرجت من الحمام ، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ قالت : من الحمام ، فقال :
( والذي نفسي بيده ، ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت
أحد من أمهاتها ، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد والدولابي بإسنادين عنها أحدهما صحيح ،
وقواه المنذري .
69/
صفحة رقم -69-
الثالث : عن أبي المليح قال :
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها ، فقالت
: ممن أنتن ؟ قلن : من أهل الشام ، قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها
الحمام ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما
بينها وبين الله تعالى ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " إلا النسائي ،
والدارمي والطيالسي ، وأحمد . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " ، ووافقه الذهبي ،
فأصاب واللفظ لأبي داود .
70/
صفحة رقم -70-
23 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع :
ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع ،
وفيه حديثان :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل
يفضي ( 1 ) إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ( 2 )
( 1 ) أي : يصل إليها بالمباشرة والمجامعة ، ومنه قوله
تعالى : {وقد أفضى بعضكم إلى بعض}
.
( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومن طريقه مسلم ، وأحمد وأبو
نعيم .
ثم استدركت فقلت : إن هذا الحديث مع كونه في " صحيح
مسلم " فإنه ضعيف من قبل سنده ، لأن فيه عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال
في " التقريب " ، وقال الذهبي في الميزان " :
" ضعفه يحيى بن معين والنسائي ، وقال أحمد :
أحاديثه مناكير " .
ثم ساق له الذهبي هذا الحديث ، وقال :
" فهذا مما استنكر لعمر " .
قلت : ويسنتنج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث
ضعيف وليس بصحيح ، وتوسط ابن القطان فقال كما في " الفيض " :
" وعمر ضعفه ابن معين ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير
، فالحديث به حسن لا صحيح
" .
قلت :
ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه
فلعله أخذ بهيبة " الصحيح " ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث ،
بخلاف الحديث الآتي بعده ، والله أعلم
.
71/
صفحة رقم -71-
الثاني : عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود ، فقال :
( لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما
فعلت مع زوجها ؟ فأرم ( 1 ) القوم ، فقلت : إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن ، وإنهم
ليفعلون . قال :
( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في
طريق ، فغشيها والناس ينظرون ( 2
)
( 1 ) أي : سكتوا ، ولم يجيبوا .
( 2 ) أخرجه أحمد ، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن
أبي شيبة ، وأبي داود ، والبيهقي ، وابن السني .
وشاهد ثان رواه البزار عن أبي سعيد .
وشاهد ثالث عن سلمان في " الحلية "
فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل .
72/
صفحة رقم -72-
24 - وجوب الوليمة :
ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله
عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ، ولحديث بريدة ابن الحصيب ، قال :
لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
( إنه لا بد للعرس ( وفي رواية للعروس ) من وليمة ( 1 ) -
( 1 ) رواه أحمد والطبراني والطحاوي . وإسناده كما قال
الحافظ في الفتح : " لا بأس به
" .
73/
صفحة رقم -73-
قال : فقال سعد علي كبش ، وقال فلان : علي كذا وكذا من
ذرة ، وفي الرواية الأخرى : [ وجمع له رهط من الأنصار أصوعا ذرة ) .
25 - السنة في الوليمة :
وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا :
الأول : أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول ، لأنه هو
المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس رضي الله عنه قال :
( بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ، فأرسلني
فدعوت رجالا على الطعام ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري والبيهقي ، واللفظ له ، وغيرهما .
74 /
صفحة رقم -74-
وعنه قال
:
( تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية ، وجعل عتقها
صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام ( 1
)
الثاني : أن يدعو الصالحين إليها ، فقراء كانوا أو
أغنياء ، لقوله صلى الله عليه وسلم
:
( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ( 2 )
الثالث : أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة ،
( 1 ) أخرجه أبو يعلى بسند حسن وهو في " صحيح
البخاري " بمعناه . ويأتي لفظه قريبا في المسألة ( 26 ) .
( 2 ) رواه أبو داود ، والترمذي ، والحاكم ، وأحمد .
وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .
75/
صفحة رقم -75-
لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة ، فآخى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [ فانطلق به سعد إلى منزله ،
فدعا بطعام فأكلا ] ، فقال له سعد : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة ( وفي رواية :
أكثر الأنصار ) مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ( وفي رواية : هلم إلى حديقتي أشاطركها
) ، وتحتي امرأتان [ وأنت أخي في الله ، لا امرأة لك ] ، فانظر أيهما أعجب إليك [
فسمها لي ] حتى أطلقها [ لك ] [ فإذا انقضت عدتها فتزوجها ] ، فقال عبد الرحمن : [
لا والله ] ، بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فدلوه على السوق ،
فذهب ، فاشترى وباع ، وربح ، [ ثم تابع الغدو ] فجاء بشيء من أقط ( 1 ) وسمن [ قد
أفضله ] [ فأتى به أهل منزله ] ، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث ، فجاء وعليه ردع ( 2
) زعفران ( وفي رواية : وضر ( 3 ) من خلوق ) ،
( 1 ) لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به . " نهاية " .
( 2 - 3 ) هما بمعنى واحد ، أي : لطخ من خلوق ، وذلك من
فعل العروس . كما في " النهاية
" .
والخلوق طيب معروف مركب ، يتخذ من الزعفران وغيره من
أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة .
76/
صفحة رقم -76-
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهيم ( 1 ) ؟ فقال
: يا رسول الله تزوجت امرأة [ من الأنصار ] ، فقال : ما أصدقتها ؟ قال : وزن نواة
( 2 ) من
( 1 ) أي : ما شأنك ؟ أو ما هذا ؟ وهي كلمة استفهامبنية
على السكون " فتح " .
( 2 ) قال ابن الأثير في " النهاية :
" النواة اسم لخمسة دراهم ، قال الأزهري : لفظ
الحديث يدل على أنه تزوج المرأة على ذهب قيمته خمسة دراهم ، لأنه قال : نواة من
ذهب " .
وهذا القول حكى مثله الحافظ في " الفتح " عن
أكثر العلماء .
77/
صفحة رقم -77-
ذهب ، قال : [ فبارك الله لك ] أولم ولو بشاة ، [ فأجاز
ذلك ] . قال عبد الرحمن : فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب [ تحته ] [
ذهبا أو فضة ] ، [ قال أنس : لقد رأيته قسم لكل أمرأة من
نسائه بعد موته مائة ألف دينار
] ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري ، والنسائي ، وابن سعد ، والبيهقي ،
وأحمد وأبو الحسن الطوسي في " المختصر " ، والسياق لهما ، وإسنادهما
صحيح على شرط مسلم ، وبعض الزيادات لهما ، وسائرها مع الروايات الأخرى للبخاري
وأحمد والنسائي وابن سعد والحديث في مسلم وأبي داود والترمذي وصححه والدارمي . . .
78/
صفحة رقم -78-
وعن أنس أيضا
:
( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة
من نسائه ما أولم على زينب ، فإن ذبح شاة ، [ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه ]
( 1 )
( 1 ) رواه البخاري ومسلم واللفظ مع الزيادة له ، . . .
79/
صفحة رقم -79-
26 - جواز الوليمة بغير لحم :
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ، ولم لم يكن فيه
لحم ، لحديث أنس رضي الله عنه قال
:
( أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث
ليال يبني عليه بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، وما كان فيها من خبز ولا لحم
، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع ( 1 ) فبسطت ( وفي رواية : فحصت الأرض أفاحيص ( 2 ) ، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ) ، فألقي
عليها التمر والأقط والسمن [ فشبع الناس ] ( 3
) .
( 1 ) جمع نطع بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوع .
( 2 ) جمع أفحوص القطاة ، وهو موضعها الذي تجثم فيه
وتبيض ، كأنها تفحص عنه التراب ، أي : تكشفه ، والفحص : البحث والكشف . "
نهاية " .
( 3 ) أخرجه البخاري والسياق له ، ومسلم والرواية الأخرى
مع الزيادة له ، والنسائي والبيهقي ، وأحمد وعنده الرواية الأخرى مع الزيادة .
80/
صفحة رقم -80-
27 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة :
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس
في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال :
( حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له
من الليل ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا ( 1 ) فقال :
من كان عنده شيء فليجئ به ، ( وفي رواية : من كان عنده
فضل زاد فليأتنا به ) ، قال : وبسط نطعا
، فجعل الرجل يجئ بالأقط ، وجعل الرجل يجيء بالتمر ، وجعل الرجل يجيء بالسمن ،
فحاسوا حيسا ( 2 ) [ فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء
السماء ] ، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 3 )
( 1 ) يقال للرجل : عروس ، كما يقال للمرأة ، وهو اسم
لهما عند دخول أحدهما بالآخر " نهاية " .
( 2 ) هو الطعام المتخذ من الأشياء المذكورة في الحديث .
( 3 ) أخرجه الشيخان والزيادة لمسلم . . .
81/
صفحة رقم -81-
28 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة :
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى
الله عليه وسلم :
( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ، ويمنعها
المساكين ، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله ( 1 )
29 - وجوب إجابة الدعوة :
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها ، وفيها حديثان :
( 1 ) رواه مسلم ، والبيهقي ، من حديث أبي هريرة مرفوعا
، وهو عند البخاري موقوفا عليه . وهو في حكم املرفوع ما بينه الحافظ في شرحه .
82..
صفحة رقم -82-
الأول : فكوا العاني ( 1 ) ، وأجيبوا الداعي ، وعودوا
المريض ( 2 ) .
الثاني : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [ عرسا
كان أو نحوه ] ، [ ومن لم يجب الدعوة ، فقد عصى الله ورسوله ] ( 3 )
30 - الإجابة ولو كان صائما :
وينبغي أن يجيب ولو كان صائما ، لقوله صلى الله عليه
وسلم :
( 1 ) أي : الأسير أي : أعتقوه من أيدي العدو بمال أو
غيره .
( 2 ) رواه البخاري ، وعبد بن حميد في " المنتخب من
مسنده " من حديث أبي موسى الأشعري
.
( 3 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي من حديث ابن
عمر ، ورواه أبو يعلى ، والزيادة الثانية له ، وسندها صحيح كما قال الحافظ في
" التلخيص " .
83 /
صفحة رقم -83-
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم
، وإن كان صائما فليصل ( 1 ) . يعني : الدعاء ( 2 ) 31 - الإفطار من أجل الداعي :
وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه ، ولا سيما إذا ألح
عليه الداعي ، وفيه أحاديث :
الأول : [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم ،
وإن شاء ترك ( 3 )
( 1 ) أي : فليدع كما هو مفسر في آخر الحديث من بعض
الرواة .
( 2 ) رواه مسلم ، والنسائي في " الكبرى "
وأحمد ، والبيهقي واللفظ له ، من حديث أبي هريرة مرفوعا . . .
( 3 ) رواه مسلم ، وأحمد . . .
84/
صفحة رقم -84-
الثاني : [ الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن
شاء أفطر ( 1 )
( 1 ) رواه النسائي ، والحاكم ، والبيهقي . وقال الحاكم
: " صحيح الإسناد " ، ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .
85/
صفحة رقم -86-
الثالث : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : هل
عندكم شيء ؟ فقلت : لا . قال : فإني صائم . ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس ،
فخبأت له منه ، وكان يحب الحيس ، قالت : يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك
منه . قال : أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم . فأكل منه ، ثم قال :
87/
صفحة رقم -87-
( إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة ،
فإن شاء أمضاها ، وإن شاء حبسها ( 1
) .
32 - لا يجب قضاء يوم النفل :
ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وفيه حديثان :
الأول :
عن أبي سعيد الخدري قال : [ صنعت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم طعاما ، فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : إني صائم ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم قال له : أفطر وصم
مكانه يوما إن شئت ( 2 )
( 1 ) النسائي بإسناد صحيح . كما هو مبين في "
الإرواء " .
( 2 ) رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ في "
الفتح " .
88/
صفحة رقم -88-
الثاني : عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء ، قال : فجاءه سلمان يزوره ، فإذا أم الدرداء
متبذلة ( 1 ) ، فقال : ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت :
إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار ، وليس له في شيء من الدنيا حاجة
فجاء أبو الدرداء فرحب به ، وقرب إليه طعاما ، فقال له سلمان : اطعم ، قال : إني
صائم ، قال : أقسمت عليك لتفطرنه ، ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل معه ، ثم بات عنده
، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم ، فمنه سلمان وقال له : يا أبا
الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، [ ولضيفك عليك حقا ] ، ولأهلك عليك حقا
، صم ، وأفطر ، وصل ، وائت أهلك ، وأعط كل ذي حق حقه ، فلما كان في وجه الصبح ،
قال : قم الآن إن شئت ، قال : فقاما فتوضآ ، ثم ركعا ، ثم خرجا إلى الصلاة ، فدنا
أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان ، فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، مثل ما قال سلمان (
وفي رواية : صدق سلمان ( 2 )
( 1 ) أي : لابسة البذلة وهي المهنة وزنا ومعنى ،
والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة
.
( 2 ) رواه البخاري والترمذي ، والبيهقي والسياق له ،
وقال الترمذي : " حديث صحيح
" .
والزيادة والرواية الأخيرة للأولين .
89/
صفحة رقم -89-
33 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية :
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية ، إلا أن
يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها ، فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع ، وفيه أحاديث :
الأول : عن علي قال :
( صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء
فرأى في البيت تصاوير ، فرجع [ قال : فقلت : يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي
؟ قال : إن في البيت سترا فيه تصاوير ، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير ] (
1 )
( 1 ) رواه ابن ماجه ، وأبو يعلى في " مسنده "
والزيادة له بسند صحيح .
90/
صفحة رقم -90-
الثاني : عن عائشة أنها اشترت نمرقة ( 1 ) فيها تصاوير ،
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب ، فلم يدخل ، فعرفت في وجهه
الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟ فقال صلى
الله عليه وسلم : ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ،
فقال صلى الله عليه وسلم :
( إن أصحاب هذه الصور ( وفي رواية : إن الذين يعملون هذه
التصاوير ) يعذبون يوم القيامة ( 2 ) ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، وإن البيت الذي
فيه [ مثل هذه ] الصور لا تدخله الملائكة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] ) .
( 1 ) هي الوسادة ، كما في " النهاية "
و" لسان العرب " .
( 2 ) قال الحافظ تحت هذه الجملة من الحديث :
" وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا في الصور ، وهذه
الجملة هي المطابقة لامتناعه من الدخول ، وإنما قدم الجملة الأولى ( يعني : إن
أصحاب هذه الصور . . . ) عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور ، لأن الوعيد إذا حصل لصانعها
فهو حاصل لمستعملها ، لأنها لا تصنع إلا لتستعمل ، فالصانع متسبب ، والمستعمل
مباشر ، فيكون أولى بالوعيد
" .
( 3 ) أخرجه البخاري ومسلم . . .
91 /
صفحة رقم -91-
الثالث : قال : صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أحمد عن عمر ، والترمذي ، وحسنه الحاكم ،
وصححه عن جابر ، ووافقه الذهبي . وهو مخرج في " الإرواء "
92/
صفحة رقم -92-
وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم
، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها :
أ - عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم
الشام ، فصنع له ( 1 ) رجل من النصارى ، فقال لعمر : إني أحب أن تجيئني وتكرمني
أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه :
( إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ( 2 )
( 1 ) يعني : طعاما .
( 2 ) رواه البيهقي بسند صحيح .
واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض
المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض
المسؤولين أو غيرهم . . .
93/
صفحة رقم -93-
ب - عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما
، فدعاه ، فقال : أفي البيت صورة ؟ قال : نعم ، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم
دخل ( 1 ) .
ج - قال الإمام الأوزاعي :
( لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف ) ( 2 ) .
( 1 ) رواه البيهقي وسنده صحيح . كما قال الحافظ في
" الفتح " .
( 2 ) رواه أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة
" بسند صحيح عنه .
94/
صفحة رقم -94-
34 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران :
الأول : أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى
الله عليه وسلم وهو أنواع :
أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه
وسلم طعاما ، فدعاه ، فأجابه ، فلما فرغ من طعامه قال :
( اللهم اغفر لهم ، وارحمهم ، وبارك لهم فيما رزقتهم ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود والترمذي
وصححه . . .
95/
صفحة رقم -95-
ب - عن المقداد بن الأسود قال : قدمت أنا وصاحبان لي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصابنا جوع شديد ، فتعرضنا للناس ، فلم يضفنا أحد
، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وعنده أربع أعنز ، فقال لي :
يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا ، فكنت أجزئه بيننا أرباعا ، [ فيشرب كل إنسان
نصيبه ، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه ] ،
فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار ، فأكل حتى شبع ، وشرب حتى روي ، فلو شربت نصيبه ( )
فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته ( ) ثم غطيت القدح ، فلما فرغت أخذني ما
قدم وما حدث ، فقلت : يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعا ولا يجد شيئا ،
فتسجيت ( 1 ) ، [ قال : وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي ، وإذا
أرسلت على قدمي خرج رأسي ، قال
: ] [ وجعل لا يجيئني النوم ] ، وجعلت أحدث نفسي ، [ قال
: وأما صاحباي فناما ] ، فبينا أنا كذلك
( 1 ) أي : تغطيت ، يعني : يريد أن ينام .
96/
صفحة رقم -96-
إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم تسليمة يسمع
اليقظان ، ولا يوقظ النائم ، [ ثم أتى المسجد فصلى ] ، ثم أتى القدح فكشفه ، فلم
ير شيئا ، فقال :
( اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني ) ، واغتنمت
الدعوة ، [ فعمدت إلى الشملة فشددتها علي ] ، فقمت إلى الشفرة ( 1 ) فأخذتها ، ثم أتيت
الأعنز ، فجعلت أجتسها ( 2 ) أيها اسمن [ فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ] ،
فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا ( 3 ) ، [ فعمدت إلى إناء لآل محمد ما
كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه ] ، فحلبت حتى ملأت القدح ، ثم أتيت [ به ] رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، [ فقال : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ قال : ] فقلت :
اشرب يا رسول الله فرفع رأسه إلي ، فقال : بعض سوآتك يا مقداد ، ما الخبر ؟ قلت :
اشرب ثم الخبر ، فشرب حتى روي ، ثم ناولني فشربت ، فلما
( 1 ) هي السكين العظيمة العريضة .
( 2 ) أي : أمسها بيدي .
( 3 ) أي : ممتلئا لبنا .
97 /
صفحة رقم -97-
عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني
دعوته ، ضحكت ، حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال : ما الخبر ؟ فأخبرته ، فقال : هذه
بركة نزلت من السماء ، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا ؟ فقلت : [ والذي بعثك بالحق ] ، إذا أصابتني وإياك البركة ، فما أبالي من أخطأت .
( 1 )
الثاني : عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم [ كان يزور الأنصار ، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون
حوله ، فيدعوا لهم ، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم ، فأتى إلى باب سعد بن عبادة ف ]
استأذن على سعد فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله
، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم
يسمعه ، [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات ، فإن أذن له ،
( 1 ) رواه مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه .
98/
صفحة رقم -98-
وإلا انصرف ] ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه
سعد ، فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت
عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، [ فادخل يا رسول الله ] ، ثم أدخله البيت ، فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله
صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ قال
:
( أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر
عندكم الصائمون ) .
( 1 ) رواه أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم
صحيح .
99/
صفحة رقم -99-
الأمر الثاني : الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة ، وفيه
أحاديث :
الأول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
هلك أبي ، وترك سبع بنات أو تسع بنات ، فتزوجت امرأة
ثيبا ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر ؟ فقلت : نعم ، فقال
: أبكرا أم ثيبا ، قلت : بل ثيبا ، قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها
وتضاحكك ؟ فقلت له : إن عبد الله هلك وترك [ تسع أو سبع ] بنات ، وإني كرهت أن
أجيئهن بمثلهن ، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن ، فقال :
( بارك الله لك ) ، أو قال لي خيرا ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري والسياق له ومسلم والزيادة له .
.
100/
صفحة رقم -101-
الثاني : عن بريدة رضي الله عنه قال : قال نفر من
الأنصار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال
: ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال : مرحبا وأهلا ، لم يزد عليهما ، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك
الرهط من الأنصار ينتظرونه ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما أدري غير أنه قال لي :
مرحبا وأهلا ، فقالوا : يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما ، أعطاك
الأهل والمرحب ، فلما كان بعد ذلك ، بعدما زوجه قال : يا علي إنه لا بد للعروس ( 1 ) من
وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة ، فلما كانت
ليلة البناء ، قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ، فقال :
( اللهم بارك فيهما ، وبارك لهما في بنائهما ( 2 ) .
( 1 ) وفي رواية : " للعرس " وهي رواية أحمد ،
وقد تقدمت بتمامها في المسألة ( رقم 24
) .
( 2 ) رواه ابن سعد والطبراني في " الكبير "
بسند حسن .
103/,صفحة رقم -102-
الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت{{تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتتني أمي ،
فأدخلتني الدار ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت ، فقلن : ( على الخير والبركة ، وعلى خير طائر ( 1 ) .
الخامس : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا رفأ ( 2 ) الإنسان إذا تزوج قال
:
( بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وجمع بينكما في (
وفي رواية : على ) خير ( 3 )
( 1 ) أي : على افضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه .
والحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي
.
( 2 ) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز ، معناه دعا له في
موضع قولهم : " بالرفاه والبنين " ، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية ،
فورد النهي عنها . كذا في " الفتح " ثم ذكر أحاديث في النهي عنها ،
منها حديث الحسن الآتي بعده
( 3 ) رواه سعيد بن منصور وكذا أبو داود ، والترمذي ،
وكذا أبو علي الطوسي وصححاه ، والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي ، وهو
كما قالا
============================