شكوى النار إلى ربها من كل بعضها بعضا
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب: أكل بعضي بعضاً فنفسي: فأذن لها في كل عام بنفسين، فأشد ما تجدون من البرد، من زمهرير جهنم، وأشد ما تجدون من الحر، من حرجهنم". وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري. أشد ما يكون الحر من قيح جهنم وقال أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يكون الحر من فيح جهنم". وفي هذا الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه عليه السلام قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". وقال الله تعالى: "انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلَى ظِل ذي ثَلاَث شُعَبٍ لاَ ظَلِيل وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْر وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ". قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، سمعت ابن مسعود يقول: في قول الله تعالى: "إنها ترمي بشَرر كالقَصْرِ". أما إنه ليس مثل الشجر والجبل، ولكن مثل المدائن والحصون. قال الطبراني: حدثنا طالب بن عمرة، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا حسن بن إسماعيل، عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن شررة بالمشرق، لوجد حرها بالمغرب". أنعم أهل الدنيا من أهل النار إذا غمس فيها نسي ما ذاق من نعيم وأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة إذا دخلها نسي ما ذاق من بؤس وقال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم: هل رأيت خيراً قط? هل مرّ بك نعيم قط? فيقول لا والله يارب? ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط? هل مرت بك شدة قط? فيقول: لا والله يا رب ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط". لو أن للكافر ملء الأرض ذهباً وافتدى به نفسه من العذاب يوم القيامة ما تقبل منه قال أحمد : حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك مثل الأرض ذهباً، أكنت مفتدياً به? فيقول: نعم. قال: فيقال لقد سلبت أكثر من ذلك: فذلك قوله تعالى: "إِنَّ الَّذُينَ كَفَروا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أحدهمْ مِلْء الأرض ذهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ". والله تعالى أعلم. طريق أخرى: قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به? قال: فيقول: نعم. قال: فيقول له الله- عز وجل- قد أردت منك أهون من ذلك. قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت لا أن تشرك بي". طريق أخرى تمنى المؤمن يوم القيامة أن يرد إلى الدنيا، ليقاتل في سبيل الله، فيقتل، لما يرى من فضل الشهادة والشهداء قال أحمد: حدثنا روح وعفان، قالا: حدثنا حماد: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقال: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك? سل وتمن، فيقول: ما أسأل وأتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا، وأقتل في سبيل الله عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك? فيقول: أي رب شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهباً? فيقول: أي رب نعم، فيقول: كذبت. قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار". وقال البزار: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله، ومحمد بن الليث، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير مثل النار? نام هاربها، ولم ير مثل الجنة? نام طالبها". وروى الحافظ أبو يعلى وغيره: من طريق محمد بن شبيب، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو كان في قعر المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس، فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه". وهذا حديث غريب جداً. ذكر وَصف جَهَنم واستاعِهَا وضخَامة أَهْلِهَا أَجَارَنَا اللّهُ تَعالَى مِنْهَا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ آمِين إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِير قال اللّه سبحانه وتعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَل مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً". وقال تعالى: "وَأمَّا مَنْ خفَّتْ مَوَازِينُهُ " فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أدْرَاكَ ماهِيهْ نَارٌ حَامِيَهْ". وقال تعالى: "لَهم مِّنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوقهِمْ غَوَاش وَكَذَلِكَ نَجزِي الظَّالِمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا". وقال تعالى: "يَوْمَ يُدَعُّونَ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً هذه النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ". وقال تعالى: "ألقِيَا في جَهًنّمَ كُلَّ كَفَّارٍ". وقال تعالى: "يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ". كلمة السوء تقال بغير رؤية تهوي بصاحبها في نار جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد? حتى يضع فيها رب العزة قدميه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزتك". وقال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا الزبير بن سعد عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة، يضحك بها جلساءه، يهوي بها أبعد من الثريا". غريب، والزبير فيه لين. وقال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أي حازم، عن أبي هريرة، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمعنا وجبة فقال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما هذا? قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفاً، والآن انتهى إلى قعرها". ورواه مسلم: عن محمد بن عباد، وابن عمر، عن مروان، عن يزيد بن كيسان، به نحوه وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف السقطي، حدثنا أحمد ابن يحيى حدثنا أبو أيوب الأنصاري، حدثنا أحمد بن عبد الصمد، حدثنا إسماعيل بن قيس، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتاً، فهاله ذلك، فأتاه جبريل فقال: "ما هذا الصوت يا جبريل? قال: هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاماً، فهذا حين بلغت قعرها، أحب الله أن يسمعك صوتها". وقد روى البيهقي، من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحواً من هذا السياق. وثبت في صحيح مسلم عن عتبة بن غزوان، أنه قال في خطبة: "إن الحجر يلقى من شفير جهنم، فيهوي فيها سعبين عاماً، ولا يدرك لها قعراً، والله لتملأن أفعجبتم? وقد ذكر لنا: "أن ما بين مصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام" الحديث. جعلنا الله تعالى من هؤلاء برحمته وكرمه ومنه. عمق جهنم مسافة هوى حجر مقذوف سبعين سنة قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن عطاء بن السايب، عن أبي بكرة، عن أبيه، أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن حجراً قذف به في جهنم، لهوى سبعين خريفاً قبل أن يبلغ قعرها". روى الترمذي، والنسائي، والبيهقي، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، واللفظ له من حديث عبد الله ابن المبارك، حدثنا عنبسة، عن حبيب، عن أبي غمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "أتدرون ما سعة جهنم? فقلنا: لا. قال: أجل والله ما تدرون إن ما بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفاً قال: قلنا: لا، قال: أجل والله ما تدرون، حدثتني عائشة: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: "وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّمواتُ مُطْوِيَّات بِيَمِينه". فقالت: أين الناس يومئذ? فقال: "على جسرجهنم". روى منه الترمذي والنسائي المرفوع فقط، وقال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه. وثبت في صحيح مسلم: من حديث العلاء بن خالد، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن ابن مسعود مرفوعاً: "يجاء بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". وروي موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله أعلم. عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً: "هل تدرون ما تفسير هذه الآية "إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيء يوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأنَّى لَهُ الذِّكْرَى". قال: "إذا كان يوم القيامة، تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك قال: فنشرت شريرة لولا أن الله حبسها لأحرقت السموات والأرض". وقال أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، حدثنا سعيد بن يزيد، حدثنا أبو السمح? عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إِلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين سنة، الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها". رواه الترمذي. وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثني محمد بن جني، حدثني صفوان عن معقل، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحر هو جهنم". تعظيم خلقتهم في النار أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعالَى مَنْ مِنْ حالهم قال اللّه تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَروا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً". وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثني أبو يحيى الطويل، عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعظم أهل النار في النار، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد". كذا رواه أحمد : في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الصحيح وكذا رواه البيهقي. ثم رواه من طريق عمران بن زيد عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، مرفوعاً، فذكر مثله، ثم صحح البيهقي الأول كما ذكرنا والله أعلم. وهذا الحديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد من وجوه أخر، عن أبي هريرة،.. واللّه أعلم. بشاعة الكافر وضخامة جسمه في نار جهنم يوم القيامة قال الإِمام أحمد: حدثنا ربعي عن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحُد، وعرض جلده سبعون ذراعاً، وفخذه مثل ورقان، ومقعده من النار مثل ما بيني وبين الربذة". ورواه البيهقي: من طريق بشر بن الفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، وزاد فيه: "وعضده مثل البيضاء". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة، وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعاً الجبار". طريق أخرى قال البزار: حدثنا محمد بن الليث الهدادي، وأحمد بن عثمان بن حكيم، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان يعني ابن عبد الرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعاً". قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو عامر، حدثنا محمد بن عمار، عن أبي صالح مولى التومة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر مثل أحد، ومقعده من النار مسيرة ثلاث". طريق أخرى قال الحسن بن سفيان: حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا الفضل بن موسى، عن الفضل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين منكبي الكافر مسيرة خمسة أيام للراكب المسرع". قال الحسن: وحدثنا محمد بن طريف البجلي، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رفعه قال: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام، للراكب المسرع". قال البيهقي: رواه البخاري، عن معاذ بن أسد، عن الفضل بن موسى، ورواه مسلم، عن أبي كريب، وغيره، عن ابن فضيل، ولم يقل: رفعه. قال الزار: حدثنا الحسين بن الأسود، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل الورقان، وغلظ جلده أربعون ذراعاً". ثم قال البزار: لا يروى عن أبي هريرة أحسن من هذا الإِسناد، ولم يسمعه إلا من الحسين بن الأسود... قلنا: الحديث الذي رواه الإِمام أحمد: حدثنا يحيى عن ابن عجلان، عن عمرو بن شبيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يعلوهم سجن في جهنم يقال له بوليس، فتعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار". وكذا رواه الترمذي والنسائي: عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن ابن عجلان به، وقال الترمذي: حسن. فالمراد أنهم يحشرون يوم القيامة في العرصات كذلك، فإذا سيقوا إلى النار دخلوها، وقد عظمت خلقهم، كما دلت عليه الأحاديث التي أوردناها ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال شديد العقاب: "ليذوقوا العذاب". ذكر أن البَحر يُسَعر في جَهنم وَيَكُون مِن جمْلة جَهَنم قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثنا محمد بن حسين حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البحر هو جهنم". قال يعلى: ثم قال: ألا ترون أن الله يقول: "نَارٌ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا". "والذي نفسي بيده لا أدخلها أبداً حتى أعرض على الله، ولا يصيبني منها قطرة حتى ألقى الله عز وجل". وقد رواه البيهقي من طريق يعقوب بن شيبان: حدثنا أبو عاصم، حدثني محمد بن يحيى وفي المسند كما تقدم: بينهما عبد الله بن أمية، وكذلك رواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عاصم، عن عبد الله بن أبي أمية، حدثني رجل، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البحر هو جهنم". وقال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن مطرف، عن بشر بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يركب البحر إِلا حاج، أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحر". ذكر أَبوَاب جَهنم وصفة خزنَتِهَا وَزَبَانِيتُهَا أَجَارنا اللّهُ تَعالَى مِنْهَا قال الله تعالى: "وَسيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهًنمَ زُمَراً حَتَى إِذَا جَاءُهَا فُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ألَمْ يَأْتِكمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكًمْ وَيُنْذِرُونَكُم لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا، قَالُوا بَلى وَلَكِنْ حًقّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلًوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ". وقال تعالى: "لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لكلِّ بَابٍ منْهُمْ جُزْءٌ مقْسُومٌ". وصف الصراط وبيان تفاوت سرعة الناس في مرورهم عليه وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا بشر بن بكر، حدثني عبد الرحمن بن يزيد، حدثني أبو سعيد، سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصراط بين ظهري جهنم دحض مزلة والأنبياء يقولون: اللهم سلم، والناس كلمح البرق، وكطرف العين، وكأجاويد الخيل، والبغال، والركاب، شداً على الأقدام، فناج مسلم، ومخدوش مسلم ومطروح فيها، ولها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم". وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا معمر، عن الخليل بن مرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان لا ينام حتى يقرأ تبارك، وحم السجدة، وقال: "الحواميم سبع، وأبواب جهنم سبع، جهنم، والحطمة، ولظى، وسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم". قال: تجيء كل حم منها يوم القيامة- أحسبه قال-: تقف على باب من هذه الأبواب، فتقول: اللهم لا يدخل هذه الأبواب من كان يؤمن بي ويقرأني. ثم قال البيهقي: وهذا منقطع، والخيل بن مرة فيه نظر. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا أبو شهاب الخياط، عن عمرو بن قيس المدني، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: "إن أبواب جهنم بعضها فوق بعض "- وأشار أبو شهاب بأصابعه- فيملأ هذا، ثم يملأ هذا، ثم هذا، ثم هذا". حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا حجاج، أخبرنا ابن جريج في قوله لها سبعة أبواب قال: "أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم- وفيها أبو جهل- ثم الهاوية". وروى الترمذي من حديث مالك بن مغول عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل السيف على أمتي". ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول، وقال أبي بن كعب: لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية. وقال وهب بن منبه: "بين كل بابين مسيرة سبعين سنة، كل باب أشد من الذي فوقه بسبعين ضعفاً". وقال تعالى: "يا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُواْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظ شِدَادٌ لاَ يَعْضونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ". أي لهم قوة على إبراز ما أمروا به، من العزم، إلى الفعل، فلهم عزم صادق، وأفعال عظيمة، وقوة بليغة، وشدة باهرة. وقال تعالى: "عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً". أي لكمال طاعتهم وقوتهم. وقال تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا عِدّتهمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلّذِينَ كَفَرُوا". أي اختباراً وامتحاناً، وكأن هؤلاء التسعة عشر كالمقدمين، الذين لهم أعوان وأتباع، وقد روينا هذا عند الكلام على قوله تعالى: "خُذُوه فَغُلُّوهُ". ثم إن الرب تعالى، إذا أمر بذلك، يبتدره سبعون ألفاً من الزبانية. وقد قال الله تعالى: "فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يوثقُ وَثَاقَهُ أَحدٌ". وروى الحافظ الضياء: من حديث محمد بن سليمان بن أبي داود، عن أبيه، عن زيد البصري، عن الحسن البصري، عن أنس، مرفوعاً: "والذي نفسي بيده، لقد خلقت ملائكة جهنم، قبل أن تخلق جهنم بألف عام، فهم كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم، حتى يقبضوا على من يقبضون عليه بالنواصي والأقدام". ذكر سرادق النار وهو سورها المحيط بها وما فيها من المقامع والأغلال والسلاسل والأنكال. قال الله تعالى: "إِنَّا أعتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بمَاءٍ كَالْمهْل يَشْوي الوُجوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً". وقال تعالى: "إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ في عَدَدٍ ممَددةٍ". مؤصدة: أي مطبقة، وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق شريك عن عاصم بن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعاً. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن أسعد الأحسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قوله، وقوله تعالى: "إِنَّ لَدَيْنَا أنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غصَّةٍ وَعَذَاباً ألِيماً". وقال تعالى: "إِذ الأغلاَلُ في أعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلً يمسْحَبُونَ في الْحَمِيم ثُمَّ في النَّارِ يُسْجَرُونَ". وقال تعالى: "يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقدَر وَمَا أمْزنَا إِلاَّ واحدة كَلَمْح بِالْبَصَر". وقالَ تعالَى: "لَهُمْ مِنْ فَوْقهِمْ ظُلَلٌ مِن النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادده يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ". وقال تعالى: "لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَاد ومِنْ فَوْقهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ". وقال تعالى: "هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قطِّعَتْ لَهمْ ثِيَاب مِن نَّارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوق رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بطُونهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ". وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا حسن، عن ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لسرادق أهل النار أربع جدر، كنف كل جدار مسيرة أربعين سنة". ورواه الترمذي: عن سويد، عن ابن المبارك، عن رِشدَين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به نحوه. وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن مقمعاً من حديد من مقامع أهل النار، وضع في الأرض، فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض". وقال ابن وهب: عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو ضرب بمقمع من حديد الجبل، لفتته فعاد غباراً". ألوان من عذاب أهل النار أجارنا الله عز وجل منها وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: من طريق بشر بن طلحة، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينشىء الله لأهل النار سحابة مظلمة، فإذا أشرفت عليهم، نادتهم: يا أهل النار: أي شيء تطلبون? وما الذي تسألون? فيذكرون بها سحائب الدنيا، والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب، فتمطرهم أغلالاً، تزداد في أعناقهم، وسلاسل، تزداد في سلاسلهم، وجمراً يلهب النار عليهم". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا بشر بن الوليد الكندي، حدثنا سعيد بن زربي، عن حميد بن هلال، عن أبي الأحوص، قال ابن مسعود: أي أهل النار أشد عذاباً? فقال رجل: المنافقون، قال: صدقت. قال: فهل تدري كيف يعذبون. قال: يجعلون في توابيت من حديد، تطبق عليهم، ثم يجعلون في الدرك الأسفل من النار، في تنانير أصغر من الرخ، يقال له جب الحزن، فيطبق على أقوام بأعمالهم آخر الأبد. وقال ابن أبي الدنيا: حدثني علي بن حسن، عن محمد بن جعفر المدائني، حدثنا بكر بن خنيس، عن أبي سلمة الثقفي، عن وهب بن منبه قال: "إن أهل النار الذين هم أهلها، هم في النار، لا يهتدون ولا ينامون، ولا يموتون، يمشون على النار، يجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار، ويأكلون من زقوم أهل النار، لحفهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها، يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفير في النار، فذلك شرابهم". قال: ثم بكى وهب حتى سقط مغشياً عليه، قال: وغلب بكر بن خنيس البكاء حتى قام فلم يقدر أن يتكلم، وبكى محمد بن جعفر بكاء شديداً. وهذا الكلام عن وهب بن منبه اليماني، وقد كان ينظر في كتب الأوائل، وينقل في صحف أهل الكتاب، الغث والسمين، ولكن هذا له شواهد من القرآن العظيم وغيره من الأحاديث، قال الله تعالى: "إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالدُونَ لاَ يفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كانوا هُم الظَّالِمِينَ وَنَادوْا يَا مَالك لِيَقْض عَلَيْنَا رَبًّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ". وقال تعالى: "لَوْ يَعْلَمُ الَّذينَ كَفَزوا حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَنْ وجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلاَ همْ يُنَصَرُونَ بَلْ تَأتِيَهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يستطيعُونَ ردها وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ". وقال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفروا لَهمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتوا وَلاَ يُخفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذلِكَ نَجزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ربَنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَ لَمْ نعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير فَذُوقوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ". وقال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ في النَّارِ لَخَزَنَةِ جَهًنّمَ ادْعُوا ربَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ قَالوا أوَ لَم تَكُ تَأتِيكُمْ رُسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلاَلٍ". وقال تعالى: "وَيَتَجنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثَمّ لاَ يَموت فِيهَا وَلاَ يَحْيَا". وتقدم في الصحيح: أن أهل النار الذين هم أهلها، لا يموتون فيها، ولا يحيون، وفي الحديث المتقدم في ذبح الموت بين الجنة والنار ثم يقال: "يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت". وكيف ينام من هو في عذاب متواصل لا يفتر عنه ساعة واحدة ولا لحظة? وقال تعالى: "كلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً". وقال تعالى: "كلَّمَا أَرَادوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أعِيدوا فِيهَا وذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيق". وقال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل النار: "إن الحميم ليصب على رأس أحدهم، فينفذ من الجمجمة، حتى يخلص إلى جوفه، فيسلب ما في جوفه، ثم يمرق من قدميه". وروى الترمذي، والطبراني: واللفظ له من حديث قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن شهر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلقى على أهل النار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون بالطعام فيؤتون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يستغيثون في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب، فيؤتون بالحميم، في أكواب من نار، فإذا أدنيت من وجوههبم قشرت وجوههم، فإذا أدخلت بطونهم قطعت بطونهم، فيستغيثون عند ذلك، فيقال لهم: "أوَ لَمْ تك تَآتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ". فيقولون: بلى: "فيقال: "فادعوا وما دعاء الكافِرِين إِلا في ضلالٍ". فيقولون: ادعوا لنا مالكاً. فيقولون: "يَا مَالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ". فيقولون: "ربَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكًنّا قَوْماً ضَالِّينَ". فيقال: "اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تكَلِّمُونِ". رواه الترمذي: عن الدارمي، وحكي عنه أنه قال: الناس لا يعرفون هذا الحديث. قال الترمذي: إنما يروى عن أبي الدرداء. طعام أهل النار وشرابهم قال الله تعالى: "لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٌ لاَ يسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوع". والضريع: شوك بأرض الحجاز يقال له: الشبرق، وفي حديث الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً: "الضريع: شيء يكون في النار، يقال: يشبه الشوك. أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حراً من النار، إذا طعمه صاحبه لا يدخل البطن، ولا يرتفع إلى الفم، فيبقى بين ذلك، ولا يسمن ولا يغني من جوع"، وهذا حديث غريب جداً. وقال تعالى: "إِنَّ لَدَيْنَا أنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَامَاً ذَا غصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً". وقال: "واسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهًنّمُ ويئسقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ". وقال تعالى: "ثمَّ إِنَّكُمْ أيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقوم فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيم فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيم هذَا نُزلهُمْ يَوْمَ الدِّين". وقال تعالى: "أذلِكَ خَيْرٌ نزُلاً أَمْ شَجَرَة الزَّقوم إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخرجُ فِي أصْل الْجَحِيم طَلْعُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين فَإِنَّهُمْ لآكلونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيم ثمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلى الْجَحِيم". وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بشر اليحصبي، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: "وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ" قال: "يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه فيه، فإذا شربه قطع أمعاءه. حتى يخرج من دبره". قال الله تعالى: "وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ". ويقول الله تعالى: "وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثوا بِمَاءٍ كَالمُهْل يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ". رواه الترمدي: عن سويد بن نضر، عن المبارك، به نحوه وقال: حسن غريب... وفي حديثأبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية. "اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ". فقال: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه". رواه الترمذي: عن محمود بن غيلان، عن أبي داود، قال: حسن صحيح.. ورواه النسائي، وابن ماجه، من حديث شعبة به وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح، أن أبا الهيثم حدثه: عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا". ورواه الترمذي: من حديث دراج، وعن كعب الأحبار أنه قال: "إن الله لينظر إلى عبده يوم القيامة وهو غضبان، فيقول: خذوه، فيأخذه مئة ألف ملك، أو يزيدون، فيجمعون بين ناصيته وقدميه، غضباً لغضب الله، فيسحبونه على وجهه إلى النار، فالنار أشد غضباً منهم بسبعين ضعفاً، فيستغيث بشربة، فيسقى شربة يسقط منها لحمه وعصبه، ويكدس في النار، فويل له من النار". وعنه أيضاً أنه قال: "هل تدرون ما غساق? قالوا: لا، قال: إنه عين في جهنم، تسيل إليها حمة كل ذي حمة، من حية أو عقرب، أو غير ذلك، يستنقع، يؤتى بالآدمي فيغمس فيه غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده عن العظام، ويعلق جلده ولحمه في كعبه، فيجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه". ذكر أحاديت وَ رَدَتْ بَأسْمائِهَا وبَيَان صحيح ذلِك مِنْ سَقيمه الهاوية: قال ابن جريج: أسفل درك في النار، قال الله تعالى: "وَأَمَّا مَن خفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأمُّهُ هاوِيَةٌ"، قيل: فأم رأسه هاوية: أي ساقطة، من الهوى في النار. كما ورد في الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، يهوي بها في النار سبعين خريفاً" وفي رواية: "أبعد ما بين المشرق والمغرب". وقيل: المراد بقوله: فأمه هاوية: أي الدرك الأسفل من النار، أو صفة النار من حيث هي وقد ورد الحديث بما يقوي هذا المعنى والله أعلم. قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: حدثنا عبد الله بن خالد بن محمد بن رستم، حدثنا محمد بن طاهر بن أبي الدميك، حدثنا إبراهيم بن زياد، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا روح بن المسيب: أنه سمع ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات المؤمن يسألونه ماذا فعل فلان? ما فعلت فلانة? فإن كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، حتى يقولوا: ما فعل فلان? هل تزوج? ما فعلت فلانة? هل تزوجت? فيقولون: دعوه يستريح فقد خرج من مركب". وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن مسور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى، قال: "إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون: زوجوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا، قال: ويسألونه ما فعل فلان? فيقول: مات، أو ما جاءكم? فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية". وروى الحافظ الضياء: من طريق شريك القاضي، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها أو قال: يكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أنَّى يا رب، وقد ذهبت الدنيا?- ثلاث مرات- فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك، كهيئتها، فيحملها، فيضعها على عاتقه، ثم يصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت وهوت، وهوى في أثرها أبد الآبدين، قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد من ذلك الودائع: قال:- يعني زاذان- فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع ما يقول أخو عبد الله? فقال: "صدق". وهذا الحديث ليس هو في المسند، ولا في شيء من الكتب الستة. سجْن في جهنم له بُولس أعاذنا الله عزَّ وجلّ منه تقدم ذكره في حديث رواه الإِمام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم. جب الحزن قال علي بن حرب: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عمار بن سيف، عن أبي معاذ، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعيذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله: وما جب الحزن. قال: واد في جهنم، تستعيذ جهنم منه كل يوم أربعمائة مرة، أعد للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القراء الى الله الذين يراءون الأمراء الجورة" . ورواه الترمذي، وابن ماجه: من حديث عمار بن سيف، عن أبي معاذ وهو الصواب اختصره الترمذي، وقال: غريب، وعنده- مائة مرة-. و بسط ابن ماجه وعنده: يراءون الأمراء الجورة". ذكر نفر فيها هو مِنْهَا بمنزلة الأوْساخ والأقْذار والنَّتن في الدنيا أعاذَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْهُ بمنَه وكَرَمِهِ لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا قاطع رحم ولا مصدق بسحر قال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت عن الفضل بن ميسرة، من حديث أبي جرير، أن أبا بردة حدثه من حديث أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة. قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن". ذكر وادي لملم قال الحسن بن سفيان: حدثنا حبان بن موسى، حدثنا ابن المبارك، حدثنا يحيى بن عبيد الله، سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في جهنم لوادياً يقال له لملم، وإن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره" هذا حديث غريب. ذكر واد وبئر فيها يقال له هبهب قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الأزهر بن سفيان، حدثنا محمد بن واسع، قال: دخلت على بلال بن أبي بردة، فقلت له: يا بلال، إن أباك حدثني، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في جهنم وادياً يقال له هبهب، حق على الله أن يسكنه كل جبار، فإياك يا فلان أن تكون ممن يسكنه". وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن سليمان، عن أزهر بن سنان، عن محمد بن واسع: أنه دخل على بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، فقال له: إن أباك حدثني، عن جدك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في جهنم وادياً في الوادي بئر يقال لها هبهب، على الله أن يسكنه كل جبار". تفرد به أزهر بن سنان، وقد تكلم فيه بعض الحفاظ ولينه. ذكر وَيل وصعُود معنى الويل قال الله تعالى: "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبينَ". وقال: "سأرْهِقُهُ صَعُوداً". وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن بن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ويل: واد في جهنم، يهوي فيه الكفار أربعين خريفاً، قبل أن يبلغ قعره، والصعود: جبل من نار، يتصعد فيه سبعين خريفاً، ثم يهوي به كذلك، فيه أبداً". وكذلك رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من طريق ابن لهيعة، وقد رواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به. وبكل حال فهو حديث غريب بل منكر. والأظهر في تفسير ويل، أنه ضد السلامة والنجاة، كما تقول العرب: ويل له: ويا ويله، وويله. معنى صعود وقد روى البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه: من حديث شريك القاضي، عن عمار الذهبي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: صعوداً: "هو جبل في النار، يكلف الكافر أن يصعده، فإِذا وضع يده عليه ذابت، فإِذا رفعها عادت، وإِذا وضع رجله عليه ذابت، فإِذا رفعها عادت". وقال قتادة: قال ابن عباس: صعود صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي: صعود: صخرة ملساء في جهنم، يكلف الكافر أن يصعدها. وقال مجاهد: سأرهقه صعوداً: أي مشقة من العذاب، وقال قتادة: عذاباً لا راحة فيه، واختاره ابن جرير. ذكر حياتها وعقاربها أعاذنا الله منها قال الله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخلونَ بِمَا آتاهمُ اللَّهُ مِنْ فَضلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وثبت في صحيح البخاري: من طريق عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته، إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك". وفي رواية: "يفر منه، وهو يتبعه، ويتقي منه فيلقم يده، ثم يطوقه". وقرأ هذه الآية، وقد روي مثله عن ابن مسعود مرفوعاً. وقال الأعمش: عن عبد الله بن مروة، عن مسروق، عن عبد الله بن دينار في قوله تعالى: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّهِ زِدْنَاهمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانوا يفْسدونَ". قال: عقارب لها أذناب، كالنحل الطوال. وروى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق، عن أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن دراجاً حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن اللسعة أحدهم، فيجد حموها أربعين خريفاً". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهير، عن إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، وعن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، حدثني الحجاج بن عبد الله الثمالي- وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحج معه حجة الوداع- أن نصر بن نجيب- وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقدمائهم- حدثه: أن في جهنم سبعين ألف وادٍ ، في كل واد سبعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف ثعبان، في شق كل ثعبان سبعون ألف عقرب، لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يوافق ذلك كله. وهذا موقوف، غريب جداً، بل منكر نكارة شديدة، وسعيد بن يوسف الذي حدث عنه به إسماعيل ابن عياش مجهول، والله أعلم، وبتقدير إسماعيل بن عياش له، عن يحيى بن أبي كثير، فهو حجازي، وإسماعيل من الشاميين، وهو غير مقبول. وقد ذكرهذا الأثر في تاريخه الكبير بنحو من هذا السياق، والله أعلم. وقد ذكر بعض المفسرين في غي وأثام: أنهما واديان من أودية جهنم... أجارنا الله منها.. وقال بعضهم في قوله تعالى: "وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقَاً". هو نهر من قيح ودم. وقال عبد الله بن عمرو، ومجاهد: هو واد من أودية جهنم، وزاد عبد الله بن عمرو: يفرق يوم القيامة بين أهل الهدى، وأهل الضلالة. وروي البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن العباس الدوري، عن ابن معين، عن هشيم بن العوام بن حوشب، عن عبد الجبار الخولاني، قال: "قدم علينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دمشق، فرأى ما في الناس فقال: وما يغني عنهم. أليس من ورائهم الغلق? قيل: وما الغلق? قال: جب في جهنم، إِذا فتح هرب منه أهل النار". هكذا قال يحيى هرب منه أهل النار ولم يقل فر منه. خطبة واعظة، ترغب وترهب من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد وروي البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن إبراهيم بن مرزوق، بمصر، عن سعيد بن عامر، عن شعبة. قال: كتب إلى منصور، وقرأته عليه، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يزيد بن شجرة رجلاً من الزهاد، وكان معاوية يستعمله على الجيوش، فخطبنا يوماً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، اذكروا نعمة الله عليكم، لو ترون ما أرى، من بين أحمر وأصفر، ومن كل لون- وفي الرحال ما فيها- إنه إذا أقيمت الصلاة، فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة، وزين الحور العين، وإِذا أقبل أحدكم على القتال بوجهه، زينته الحور العين، وانطلقن يقلن: اللهم ثبته، اللهم انصره، فإِذا أدبر، احتجبن عنه، وقلن: اللهم عليه فانهلوا من دماء القوم فداكم أبي وأمي، فإِن أول قطرة تقطر من دمائكم، يحط الله بها عنكم خطاياكم، كما يحط ورق الشجر عن الغصن، وتبتدره اثنتان من الحور العين، ويمسحان التراب عن وجهه، ويقولان: نحن لك فداء، ويقول هو: أنا لكما فداء، فيكسي مائة حلة، لو وضعت بين إصبعي هاتين لوسعتاهن، ليست من نسج بني آدم، ولكنها من ثياب الجنة، إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، ونجواكم، وحلالكم، وحرامكم، ومجالسكم، فإِذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذا نورك، يا فلان هذا نورك، يا فلان لا نور لك، وإن لجهنم ساحلاً كساحلا البحر، فيه هوام وحيات، كالبخاتي البزل، فإِذا سأل أهل النار التخفيف قيل: اخرجوا إلى الساحل، فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم، وجنوبهم، وبما شاء من ذلك، فيسلطها عليهم، فيرجعون فيتأدون إلى معظم النار، ويسلط عليهم الجرب، حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم، فيقال: يا فلان: هل يؤذيك هذا? فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين. وقال الترمذي: بإِسناده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاثاً، قالت النار: اللهم أجره من النار". رحمة الله قريب ممن يستجير به مخلصاً من حر النار وزمهريرها وروى البيهقي: عن أبي سعيد، عن أبي حجيرة، والأكثر عن أبي هريرة، أن أحدهما حدثه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم حار، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإِذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم? اللهم أجرني من حر نار جهنم. قال الله لجهنم: إن عبداً من عبادي قد استجار بي منك، وإني أشهدك أني قد أجرته، وإذا كان يوم شديد البرد، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم? اللهم أجرني من برد زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: إن عبداً من عباديَ قد استجار بي من زمهريرك، وإني أشهدك أني قد أجرته". قالوا: وما زمهرير جهنم? قال: "حيث يلقي الله الكافر، فيتميز من شدة بردها بعضه من بعض". فصل دركات جهنم نستعيذ بالله من عذابها قال القرطبي: قال العلماء: "أعلى الدركات جهنم، وهي مختصة بالعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي التي تخلي من أهلها فتصفق الرياح أبوابها، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية". وقال الضحاك: في الدرك الأعلى المحمديون، وفي الثاني النصارى، وفي الثالث اليهود، وفي الرابع الصابئون، وفي الخامس، المجوس، وفي السادس مشركو العرب، وفي السابع المنافقون قلت: هذه المراتب وتخصيصها بهؤلاء، مما يحتاج إثباته إلى سند صحيح إلى المعصوم الذي: "وَمَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى إن هوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عًلّمَهُ شدِيدُ الْقوَى". ومعلوم أن هؤلاء كلهم يدخلون النار، ولكن كونه على هذه الصفة والترتيب الله أعلم بذلك... فأما المنافقون: ففي الدرك الأسفل من النار بنص القرآن لا محالة. قال القرطبي: "ومن هذه الأسماء ما هو علم للنار كلها لجملتها، نحو جهنم، وسعير، ولظى، فهذه أعلام، وليست لباب دون باب". وصدق فيما قال، رضي الله عنه. ذكر بعض أفاعي جهنم والعياذ بالله تعالى وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني عمرو، بأن دراجاً أبا السمح حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن أحدهم اللسعة، فيجد حموها أربعين خريفاً". وقال الطبراني: حدثنا أبو يزيد القراطيسي، حدثنا أسد بن موسى حدثنا إسماعيل بنِ عباس، عن الربيع، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: "زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فوْقَ الْعَذَابِ". فقال: عقارب أمثال النحل الطوال تنهشهم في جهنم. وقد رواه الثوري: عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا شجاع بن أشرس، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار قال: "حيات جهنم أمثال الأودية، وعقاربها كأمثال القلاع، وإن لها أذناباً كأمثال الرماح، يلقى أحدها الكافر، فيلسعه، فيتناثر لحمه على قدميه". ذكر بكَاء أهل النار فيها أجارنا اللّه عَزّ وَجَلّ مِنها قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خراش، حدثنا محمد بن حمير، عن ابن المبارك، عن عمران بن زيد، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس: ابكوا، فإِن لم تبكوا فتباكوا، فإِن أهل النار يبكون في النار، حتى تسيل دموعهم في وجوههم، كأنها جداول، وحتى تنقطع الدموع، فتقرح العيون، فلو أن سفناً أرسلت فيها لجرت". ورواه ابن ماجه: من حدبث الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به نحوه، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني محمد بن العباس، حدثنا حماد الحريري، عن زيد بن رفيع، رفعه: قال: "أهل النار إذا دخلوا النار، بكوا الدموع زماناً، ثم بكوا القبح زماناً". فيقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء: تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به? قال: فيرفعون أصواتهم. يا أهل الجنة: يا معشر الآباء والأمهات، والأولاد: خرجنا من القبور عطاشاً، وكنا طول الموقف عطاشاً، ونحن اليوم عطاش، فأفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، قال فيودعون أربعين سنة، لا يجيبهم أحد، ثم يجابون: إنكم ماكثون. قال: فييأسون من كل خير. قوله تعالى: "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحونَ". قال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، هو ابن المبارك، أخبرنا سعيد بن يزيد أبو شجاع، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ". ثم قال: "تشويه النار، فتتقلص شفته العليا وسط رأسه، وتسترخي شفته الدنيا، حتى تبلغ سرته". ورواه الترمذي: عن سويد، عن المبارك به، وقال: حسن صحيح غريب، وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفزار: حدثنا الخضر بن علي بن يوسف القطان: حدثنا عم الحارث بن الخضر القطان، حدثنا سعيد بن سعد المقري، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ". قال: "تلفحهم لفحة، فتسيل لحومهم على أعقابهم". أحاديث شتى في صفة النار وأهلها قال: أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو الشعثاء، عن أبي الحسن الواسطي، حدثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين? قالوا: بلى قالوا: فما أغنى عنكم الإِسلام، وقد صرتم معنا في النار? قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا? فأمرِ بمن كان في النار من أهل القبلة، فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار: "قَالُوا يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ فنَخْرُج كَمَا خَرَجُوا". ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وقرآن مُبِين ربَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانوا مُسْلِمِينَ". وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا إسحاق بن راهويه، قال: قلت لأبي أمامة: أحدثكم أبو روق عطية بن الحارث، حدثني صالح بن أبي طريف، سألت أبا سعيد الخدري، قلت له هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: "رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسْلِمِينَ". قال: نعم: سمعته يقول: "يخرج الله أناساً من النار، ما يأخذ نقمته منهم". وقال: "لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار. فإِذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة لهم، فشفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، حتى يخرجوا بإِذن الله، فإِذا رأى المشركون ذلك، قالوا: ليتنا كنا مثلهم، لتدركنا الشفاعة، فنخرج معهم". قال فذلك قول الله تعالى: "رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ". فيسمون في الجنة الجهنميين، من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم، فيغتسلون في نهر الجنة، فيذهب ذلك الاسم عنهم". فأقر به أبو أسامة وقال: نعم... وقال الطبراني: حدثنا محمد بن العباس- هو الأخزم، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا صالح بن إسحاق، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا معروف بن واصل، عن يعقوب بن أبي نباتة، عن عبد الرحمن الأغر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ناساً من أَهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلا الله، وأنتم معنا في النار? فيغضب الله لهم فيخرجهم، فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حُرَقِهِمْ كما يبرأ القمر من كسوفه فيدخلون الجنة، ويسمون فيها الجهنميين". فقال رجل: يا أنس: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا? فقال أنس: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهبذ. قال الطبراني: لم يروه عن معروف بن واصل، إلا صالح بن إسحاق. أَثر غَريب وسِيَاق عَجِيب قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن القرشي، حدثنا طلحة بن سنان، حدثنا عبد الملك بن أبي، عن الشعبي، عن أبي هريرة، قال: "يؤتى بجهنم يوم القيامة، تقاد بسبعين ألف زمام، آخذاً بكل زمام سبعون ألف ملك، وهي تمايل عليهم، حتى يوقف عن يمين العرش، ويلقي الله عليها الذل يومئذ فيوحي الله إليها، ما هذا الذل? فتقول: يا رب: أخاف أن تكون لك في نقمة، فيوحي الله إليها: إنما خلقتك نقمة، وليس لي فيك نقمة، فيوحي الله إليها، فتزفر زفرة لا تبقى دمعة في عين إلا جرت، قال: ثم تزفر أخرى، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا صعق، إلا نبيكم، نبي الرحمة، يقول: يا رب، أمتي أمتي". أثر آخر من أغرب الأخبار: وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البغداري، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، حدثنا مسلم الخواص، عن فرات بن السائب، عن زاذان، قال: سمعت كعب الأحبار يقول: "إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرون في صعيد واحد، فنزلت الملائكة، فصاروا صفوفاً، فيقال: يا جبريل ائتني بجهنم، فيأتي بها جبريل، تقاد بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام، زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانياً، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا على ركبتيه، ثم زفرت الثالثة، فبلغت القلوب الحناجر، وذهلت العقول، فيفزع كل امرىء الى عمله، حتى إبراهيم الخليل، يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي، وإن عيسى ليقول: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي. لا أسألك لمريم التي ولدتني، أما محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: لا أسألك اليوم نفسي، إنما أسألك أمتي. قال: فيجيبه الجليل: أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك. قال: ثم تقف الملائكة بين يدي الله عز وجل، ينظرون ما يؤمرون به، فيقول لهم الرب تعالى وتقدس: معاشر الزبانية: انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى النار، فقد اشتد غضبي بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي، وانتهاكهم حرمتي، يستخفون من الناس، ويبارزوني، مع كرامتي لهم، وتفضيلي إياهم على الأمم، لم يعرفوا فضلي، وعظم نعمتي، فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال، وذوائب النساء، فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة إلا مسوداً وجهه، وقد وضعت الأنكال في قدمه، والأغلال في عنقه، إلا ما كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بأوانهم، فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء أي أمة أنتم? فما ورد على أحسن وجوهاً منكم، فيقولون: يا مالك: نحن أمة القرآن، فيقول لهم: معاشر الأشقياء: أو ليس القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم? قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء، وامحمداه. يا محمد اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك. قال: فينادي مالك: يا مالك? من أمرك بمعاتبة الأشقياء ومحاكمتهم والتوقف عن إدخالهم العذاب? يا مالك: لا تسود وجوههم، فقد كانوا يسجدون لله رب العالمين، في دار الدنيا، يا مالك: لا تثقلهم بالأغلال، فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك: لا تقيدهم بالأنكال، فقد طافوا حول بيتي الحرام، يا مالك: لا تلبسهم القطران، فقد خلعوا ثيابهم للإِحرام، يا مالك: قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم، وبمقادير استحقاقهم، من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه إلى صدره، قال: فإذا انتقم الله منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين باباً، وهم في الدرك الأعلى من النار، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، يبكون، ويقولون: يا محمداه: ارحم من أمتك الأشقياء، واشفع لهم، فقد أكلت النار لحومهم، وعظامهم، ودماءهم، ثم ينادون: يا رباه: يا سيداه: ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا، وإن كان قد أساء، وأخطأ، وتعدى، فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمد? فيغضب الله لذلك فيقول: يا جبريل: انطلق، فأخرج من في النار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا، فيلقيهم على نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر الملائكة بإدخالهم عتقاء الرحمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك، فيتضرعون إلى الله أن يمحو عنهم تلك السمة، فيمحوها الله عنهم، فلا يعرفون بها بعد ذلك من بين أهل الجنة". لبعض هذا الأثر شواهد من أحاديث أخر، والله تعالى أعلم. وسيأتي بعد ذكر أحاديث الشفاعة، آخر من يخرج من النار، ويدخل الجنة، إن شاء الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم ذكر الأَحاديث الواردة في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة و بيان أنواعها وتعْدَادِها الشفاعة العظمى فالنوع الأول منها: شفاعته الأولى، وهي العظمى، الخاصة به، من بين سائر إخوانه من المؤمنين، والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، ويتوسل الناس إلى آدم. فمن بعده من المرسلين، فكل يحيد عندها، ويقول: لست بصاحبها، حتى ينتهي الأمر إلى سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً، فيقول: "أنا لها، أنا لها" فيذهب، فيشفع عند الله- عز وجل- في أن يأتي للفصل بين عباده، ويريحهم من مقامهم ذلك، ويميز بين مؤمنهم وكافرهم بمجازاة المؤمنين بالجنة، والكافرين بالنار، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير سورة سبحان: "وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ ربُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً". وقد قدمنا الأحاديث الدالة على هذا المقام، بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة. ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله أجمعين وثبت في الصحيحين: من طريق هشام، عن سيار، عن يزيد، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة". وقد رواه أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سعيد، عن واصل، عن مجاهد، عن أبي ذر. فقوله: وأعطيت الشفاعة، يعني بذلك الشفاعة العظمى، وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، وسائر النبيين، والمرسلين، والمؤمنين، ويعترف بها الأولون، والآخرون، فهذه هي الشفاعة التي اختص بها دون غيره، فأما الشفاعة في العصاة، فكما ثبتت لغيره من الأنبياء، وكذلك ثبتت للملائكة وسائر النبيين كما سيأتي بيانه، فيما نورده من الأحاديث الصحيحة، إن شاء الله تعالى. وقال الأوزاعي: عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع". وكذلك رواه البيهقي، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، وبيدي لواء الحمد، حتى آدم، فمن دونه". وفي صحيح مسلم: من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربي أرسل إلي: أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه: يا رب: هون على أمتي، فرد عليَّ الثانية: أن أقرأه على حرف، قال: قلت: يا رب: هون على أمتي، فرّد عليَّ الثالثة: أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، وأخرجت الثانية إلى يوم يرغبَ إليّ فيه الخلق حتى إبراهيم". النوع الثاني والثالث من الشفاعة، شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار، أن لا يدخلوا. قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه الأهوال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا محمد بن ثابت البناني، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينصب للأنبياء يوم القيامة منابر من ذهب، فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري، لا أجلس عليه، قائماً بين يدي الله عز وجل، منتصباً بأمتي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة، ويبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب: أمتي، فيقول الله: يا محمد: وما تريد أن أصنع بأمتك? فأقول: يا رب: عجل حسابهم، فيدعو بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله تعالى، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، وما أزل أشفع، حتى أعطى صكاكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، حتى إن مالكاً خازن جهنم ليقول: يا محمد: ما تركت لغضب ربك على أمتك من نقمة". وحدثنا إسماعيل بن عبيد بن عمير بن أبي كريبة، حدثني محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس عراة، فيجتمعون شاخصة أبصارهم إلى السماء، يبصرون فصل القضاء، قياماً أربعين سنة، فينزل الله عز وجل من العرش إلى الكرسي فيكون أول من يدعى إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، فيكسى قبطيتين من الجنة، ثم يقول الله عز وجل: ادعوا إلى النبي الأمي محمداً، قال: فأقوم، فأكسى حلة من ثياب الجنة. قال: ويفجر لي الحوض، وعرضه كما بين أيلة إلى الكعبة. قال: فأشرب، وأغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق من العطش، ثم أقوم عن يمين الكرسي، ليس أحد قائم ذلك المقام غيري، ثم يقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقال رجل: أترجو لوالديك شيئاً يا رسول الله? قال: إني لشافع لهما، أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئاً". ثم قال المنهال، حدثني عبد الله بن الحارث أيضاً أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار فيقولون: يا محمد: ننشدك الشفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق واستأذن على الرب عز وجل، فيؤذن لي، فأسجد، وأقول: رب: قوم من أمتي قد أمرت بهم الى النار، قال: فيقول: انطلق فأخرج من شاء الله أن تخرج، ثم ينادي الباقون يا محمد: ننشدك الشفاعة، فأرجع إلى الرب، فأستأذن، فيؤذن لي، فأسجد، فيقول: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع. فأقول فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، ثم أقول: قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار، فيقول: انطلق فأخرج منهم من قال لا إله إلا الله، فأقول: ومن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان. قال: فيقول: يا محمد ليست تلك لك، تلك لي، قال: فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج قال: ويبقى قوم فيدخلون النار، فيعيرهم أهل النار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به، وقد أدخلكم إلى النار قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله ملكاً بكف من ماء، فينضح بها في النار، فلا يبقى أحد من أهل لا إله إلا الله، إلا وقعت في وجهه قطرة قال: فيعرفون بها، ويغبطهم أهل النار، ثم يخرجون، فيدخلون الجنة، فيقال لهم: انطلقوا، فيضيفون الناس، فلو أن جميعهم نزلوا برجل واحد، كان لهم عنده سعة، ويسمون المجردين". وهذا السياق يقتضي تعدد الشفاعة، فيمن أمر بهم إلى النار ثلاث مرات أن لا يدخلوها، ويكون معنى قوله: فأخرج: أنقذ: بدليل قوله بعد ذلك: ويبقى قوم فيدخلون النار، والله تعالى أعلم: النوع الرابع من الشفاعة، شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها، فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم، وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة خاصة، وقد خالفوا فيما عداها من المقامات مع تواتر الأحاديث فيها، على ما ستراه قريباً إن شاء تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان. فأما دليل هذا النوع، فهو ما ثبت في الصحيحين، وغيرهما: من رواية أبي موسى الأشعري، لما أصيب عمه أبو عامر، في غزوة الأوطاس وأخبر أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه وقال: "اللهم اغفر لعبيد، أبي عامر، واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك". وهكذا حديث أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأبي سلمة بعدما توفي، فقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله، يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه". وهو في صحيح مسلم. من الشفاعة ما يدخل من شفع له الجنة بغير حساب ومنها ما يخفف عن المذنب من العذاب وقد ذكر القاضي عياض، وغيره نوعاً آخر من الشفاعة، وهو الخامس، في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب، ولم أر لهذا شاهداً فيما علمت، ولم يذكر القاضي فيما رأيت مستند ذلك، ثم تذكرت حديث عكاشة بن محصن حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب. والحديث مخرج في الصحيحين، كما تقدم، وهو يناسب هذا المقام. وذكر أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: نوعاً آخر سادساً من الشفاعة، وهو شفاعته في عمه أبي طالب، أن يخفف عذابه... واستشهد بحديث أبي سعيد في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه". ثم قال: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: "فَمَا تَنْفَعُهًمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ". قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها، ويدخلون الجنة. النوع السابع من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لجميع المؤمنين قاطبة في أن يؤذن لهم في دخول الجنة: كما ثبت في صحيح مسلم: عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول شافع في الجنة". وقال في حديث الصور بعد ذكر مرور الناس على الصراط: "فإذا أفضى أهل الجنة إلى أبواب الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا، فندخل الجنة، فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم? إنه خلقه الله بيده. ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسل الله، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، عليكم بموسى، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتون إِليَّ، ولي عند ربي عز وجل ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فأخذ بحلقة الباب، ثمِ أستفتح، فيفتح لي، فأحيي، ويرحب بي، فإذا دخلت فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجداً، فيأذن الله من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع يا محمد رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطه، فإذا رفعت رأسي، قال الله:- وهو أعلم- ما شأنك? فأقول: يا رب: وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي بعثني بالحق، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم، من أهل الجنة بأزواجهم ومسا كنهم". فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله عز وجل، واثنتين من بنات آدم، لهما فضل على من يشاء الله، بعبادتهما الله في الدنيا ثم ذكر بعد هذا الشفاعة في أهل الكبائر وهو النوع الثامن. النوع الثامن من الشفاعة، شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد ممن دخل النار، فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث. خفي علم الشفاعة على الخوارج والمعتزلة فأنكروها، وعاند بعضهم فرفضوا القول بها وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة، فخالفوا في ذلك، جهلاً منهم بصحة الأحاديث، وعناداً ممن علم ذلك، واستمر على بدعته، وهذه الشفاعة يشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والمؤمنون أيضاً، وهذه الشفاعة تتكرر منه صلوات الله وسلامه عليه. بَيَان طُرق الأحَاديث وألْفَاظِها ومن الأحاديث الْوَارِدة في شَفَاعَة المُؤمنين لأهَالِيهم رواية أبي بن كعب قال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن وضاح، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا خطيب الأنبياء يوم القيامة، وإمامهم، وصاحب شفاعتهم". رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن منصور بن أبي الأسود، عن ليث، عن الربيع، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، والكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل، يطوف على ألف خادم، كأنهم بيض مكنون، أو كأنهم لؤلؤ منثور". ثم رواه عن خلف، عن هشام، عن جبير بن علي العري، عن ليث بن أبي سليم، عن عبيد الله بن زَحْر، عن الربيع بن أنس، عن أنس فذكره مرفوعاً كما تقدم. طريق أخرى عنه قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا بسطام بن حرب، عن أشعث الحذاء، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" . وهكذا رواه أبو داود: عن سليمان، عن بسطام، عن أشعث بن عبد الله، عن جابر الحماني، عن أنس. طريق أخرى قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا الخزرج بن عثمان، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". ثم قال: لم يروه عن ثابت إلا الخزرج بن عثمان. وهكذا روى أبو يعلي من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". طريق أخرى قال الإِمام أحمد: حدثنا عارم، عن معتمر، سمعت أبي يحدث، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل نبي سأل سؤالاً أو قال: لكل نبي دعوة قد دعاها، فاستجيب له، وقد استجاب الله تعالى دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". أو كما قال. ورواه البخاري تعليقاً فقال: وقال معتمر: عن أبيه، وأسنده مسلم، فرواه عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر، عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، عن أنس به نحوه: طريق أخرى قال ابن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس ابن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يزيد العجلي، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة، فأشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإِيمان مثل هذا" وحرّك الإِبهام والمسبحة. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا بهز، وعفان، قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة قد دعاها، واستجيب له، وإني قد خبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". على شرطيهما، ولم يخرجوه من حديث همام، وإنما أخرجه الشيخان من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الملك اليشكري، عن قتادة. ثم رواه مسلم: من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون بذلك، أو يهمون لذك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله تعالى بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربك، ليريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي من ربه منها" بمثل حديث أبي عوانة وقال في الحديث: "ثم آتيه الرابعة، أو أعود الرابعة، فأقول: يا رب: ما بقي إلا من حبسه القرآن". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا، خلقك الله تعالى بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، أكله من الشجرة، وقد نهي عنها، ولكن أتوا نوحاً، أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، قال: فيأتون نوحاً، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، بسؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم: ويذكر خطيئته التي أصاب، ثلاث كذبات، كذبهن، قوله "إِني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا" وأتى على الجبار النمرود ومعه امرأته فقال: أخبريه أني أخوك، فإِني مخبره أنك أختي، ولكن ائتوا موسى، عبداً كلمه اللّه تكليماً، وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي هي قتله الرجل، ولكن ائتوا عيسى، عبداً هو كلمة الله وروحه. قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمداً، عبداً غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتون فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرجهم، فأدخلهم الجنة، قال: ثم استأذن على ربي الثانية، فيؤذن لي عليه، فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفِع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة، قال همام: وأيضاً سمعته يقول: فأخرجهم من النار، فأدخلهم الجنة قال: ثم استأذن على ربي الثالثة، فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأرفع رأسي فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمينه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، قال همام: وسمعته يقول: فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود. ثم تلا قتادة: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبًّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً". قال هو المقام المحمود الذي وعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقاً فقال: وقال حجاج بن منهال، عن همام، فذكره بنحوه. طرق آخر متعددة قال البخاري في كتاب التوحيد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال البغوي، قال: اجتمعنا مع ناس من البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهب معنا ثابت البناني، ليسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإِذا هو في منزله يصلي الضحى، فوقفنا حتى انتهى من صلاته، فاستأذناه، فأذن لنا، وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أولى من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة: هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاءوا يسألونك عن الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا كان يوم القيامة، ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم. فيقولون: اشفع لنا إلى ر بك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإِبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى، فإِنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإِنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأستأذن على ر بي، فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها، لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخِر له ساجداً، فيقال يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع لك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي، فيقال: انطلق، فأخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق، فأفعل، ثم أعود، فأحمد الله بتلك المحامد، ثم آخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي أمتي، فيقال، انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل". قال: فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابي لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثناه أنس بن مالك، فلم ير مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه: فحدثناه بالحديث، فانتيهنا إلى هذا الموضع، فقال: لم يرو على هذا، فقال: لقد حدثني بهذا الحديث منذ عشرين سنة، فما أدري أنسي أم كره أن تتكلموا? فقلنا: يا أبا سعيد: فحدثنا، فضحك، وقال: "وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجًولاً". ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم آخر له ساجداً، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب: ائذن لي فيمن قال: لا إِله إلا الله، فيقول: وعزتي، وكبريائي، وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله. وهكذا رواه مسلم: عن أبي الربيع الزهراني، وسعيد بن منصور، كلاهما عن حماد بن زيد، به نحوه. وقد رواه أحمد: عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث بطوله وقال: "فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي، قال: فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة، ثم يعود فيقال: مثقال ذرة" ولم يذكر الرابعة. وهكذا رواه البزار: عن محمد بن بشار، ومحمد بن معمر، كلاهما عن حماد بن مسعدة، عن محمد بن عجلان، عن جونة بن عبيد المدني، عن أنس بن مالك، فذكر الحديث بطوله، وذكر فيه الشفاعة ثلاثاً، ثم قال: لم يرو عن جونة بن عبيد إلا ابن عجلان. وهكذا رواه أبو يعلى: من حديث الأعمش، عن زيد الرقاشي، عن أنس فذكر الحديث بطوله، فذكر ثلاث شفاعات، وقال في آخرهن: فأقول: أمتي، فيقال: "لك من قال لا إله إلا الله مخلصاً". طريق أخرى قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عمرو بن مسعدة، عن عمران العمي، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أزال أشفع وأشفع- أو قال: ويشفعني ربي عز وجل، حتى أقول: أي رب: شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله". ثم قال: لا نعلمه يروي إلا بهذا الإِسناد. ورواه ابن أبي الدنيا: عن أبي حفص الصيرفي، عن حماد بن مسعدة به. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم قال "إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط، إذ جاءني عيسى، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون، أو قال: يجتمعون إليك، لتدعو الله أن يفرق بين جميع الأمم، إلى حيث يشاء لهم، فيخرجهم مما هم فيه، والخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت، قال: فأقول: يا عيسى: انتظر حتى أرجع إليك، قال: فأذهب حتى أقوم تحت العرش، فألقي ما لم يلق نبي مصطفى، ولا نبي مرسل، فيوحي الله إلى جبريل: اذهب إلى محمد فقل: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، قال: فأشفع في أمتي، أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانَاً واحداً، قال: فما أزال أتردد على ربي، فلا أقوم بين يديه مقاماً إلا شفعت، حتى يعطيني الله عز وجل من ذلك أن يقول سبحانه وتعالى: يا محمد: أدخل من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله، يوماً واحداً مخلصاً، ومات على ذلك". تفرد به أحمد، وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإِسناد. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو يوسف العلوي: حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا حرب بن ميمون، حدثني النضر بن أنس، عن أنس، قال: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حضر من أمر العباد منا حضر، فقال: أستأذن إلى ربك، فسل لأمتك الشفاعة، قال: فدنوت من العرش، فقصت عند العرش، فلقيت ما لم يلق نبي، ولا ملك مقرب، فقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقلت: أمتي". وذكر الحديث كنحو سياق الإِمام أحمد. قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن معبد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو إسرائيل، عن الحارث ابن حصيرة، عن ابن أبي بريدة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأرجو أن أشفع في عدد كل حجر ومدر لأمتي". رواية جابر بن عبد الله قال الإِمام أحمد: حدثنا معمر، حدثنا عبد الله، حدثنا هشام، سمعت الحسن يذكر عن جابر بنعبد الله، قال: قال رسول الله: "إن لكل نبي دعوة قد دعا بها، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة".. تفرد به أحمد من هذا الوجه. طريق أخرى: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة تكون لمن أوثق نفسه وأثقل ظهره: قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أنبأنا محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، أخبرنا أبو نصر الغازي، حدثنا عبد الله بن حماد الأيلي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد، حدثنا زهر بن محمد، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي". فقلت: ما هذا يا جابر? قال: نعم يا محمد، إنه من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حساباً يسيراً، ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوثق نفسه وأعلق ظهره. وقد رواه البيهقي أيضاً: عن الحاكم، عن أبي بكر محمد بن جعفر بن أحمد المزكي، عن محمد بن إبراهيم العبدي، عن يعقوب بن كعب الحلبي، عن الوليد بن مسلم، عن زهر بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا: "وَلاَ يَشْفَغونَ إِلاَّ لِمَن ارتَضَى وهمْ مِنْ خَشْيتهِ مشْفِقونَ". ثم قال صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". قال الحاكم: هذا حديث صحيح. قال البيهقي: وظاهره يوجب أن تكون الشفاعة في أهل الكبائر، تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالملائكة إنما يشفعون في أهل الصغائر، واستزادة الدرجات، وقد يكون المراد من الآية، بيان كون المشفوع فيه مرتضى بإِيمانه، وإن كانت له كبائر وذنوب، دون الشرك، فيكون المراد بالآية، نفي الشفاعة للكفار، لأن الله تعالى لم يأذن بها، ولم يرض اعتقاد جوازها. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا ابن جرير، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله: "لكل نبي دعوة مستجابة قد دعاها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". ورواه مسلم: عن محمد بن أحمد بن أبي خلف، عن روح بن عبادة. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا زهر، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إذا ميز أهل الجنة، وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قامت الرسل، فشفعوا، فيقال: انطلقوا واذهبوا، فمن عرفتموه فأخرجوه، فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقونهم في نهر-أو على نهر- يقال له نهر الحياة. قال: فيسقط امتحاشهم على حافتي النهر، ويخرجون بيضاً، كالقوارير ثم يشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة قيراط من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون سراعاً، ويشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، ثم يقول الله: أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافه، فيكتب في رقابهم عتقاء الله، ثم يدخلون الجنة، فيسمون فيها الجهنميين". تفرّد به أحمد. حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أحمد: حدثنا إبراهيم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود الصنعاني، عن عبد الرحمن بن حسان، عن روح بن زنباع، عن عبادة بن الصامت، قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أصحابه، وكانوا إِذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحاباً غيرهم، فإِذا هم بخيال النبي صلى الله عليه وسلم فكبروا حين رأوه، وقالوا: يا رسول الله، أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحاباً غيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالى أيقظني، فقال: يا محمد، إني لم أبعث نبياً، ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه، فاسأل يا محمد تعطه، فقلت: مسألتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الشفاعة? قال: أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت لأمتي عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى نعم، فيخرج الله بقية أمتي من النار فينبذهم في الجنة، تفرد به أحمد. طريق أخرى قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، حدثني سعيد بن المهلب، قال: قال طلق بن حبيب: "كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها، فيها ذكر خلود أهل النار في النار، فقال لي: يا طلق: أتراك أقرأ لكتاب الله، وأعلم بسنة نبيه مني? قال: إن الذي قرأت هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً عذبوا بها، ثم أخرجوا من النار- ثم أومأ بيده إلى أذنيه- ثم قال: صمتا، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: "ونحن نقرأ الذي نقرأ". قال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن أبي نضرة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبي إلا له دعوة، قد أنجزها في الدنيا، وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر، بيدي لواء الحمد، ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي، ولا فخر، ويطول على الناس يوم القيامة، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربنا، ليقضي بيننا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم، إني قد أخرجت من الجنة بخطيئتي، وإني لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم الخليل، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات والله إن حاول بهن إلا الدفاع عن دين الله، قوله: "إني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون" وقوله لامرأته حين أتى على على الملك: أختي، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا موسى، اصطفاه الله برسالته، وبكلامه، فيأتون موسى، فيقولون اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: لست هناكم، إني قتلت نفساً بغير نفس، وإنه لا يهني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا عيسى، روح اللّه وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون: اشفع لنا ربنا فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، إني اتخذت إلهاً من دون الله، وإنه لا يهمني إلا نفسي، ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم? قال، فيقولون: لا، قال: فيقول: إن محمداً خاتم النبيين، وقد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتون، فيقولون: يا محمد، اشفع إلى ربك، فليقض بيننا، فأقول: أنا لها، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته. فنحن الآخرون الأولون، آخر الأمم، وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم طريقاً، فنمضي غراً محجلين، من أثر الوضوء، فيقال: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها، فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة، الباب فأقرع الباب، فيقال من أنت? فأقول: أنا محمد، فيفتح، فأرى ربي عز وجل وهو على كرسيه، أو سريره- شك حماد- فأخرّ له ساجداً، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، وليس يحمده بها أحد بعدي، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع لك، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فأقول: أي رب، أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا- لم يحفظ حماد- ثم أعود فأسجد فأقول ما قلت، فيقول: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب. أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا. دون الأول، ثم أعود فأسجد وأقول مثل ذلك، فيقال لي: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع فأقول: أي رب، أمتي أمتي? فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك". وقد روى ابن ماجه بعضه: من رواية حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجوهري عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطنة، عن ابن عباس، به، وتقدم في الصنف الثاني والثالث من أنواع الشفاعة، في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها. رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا "هنا بياض بالأصل إلى العنوان الآتي" طريق أخرى وقد روى الطبراني في معجمه الكبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". طريق أخرى قال الإِمام أحمد: حدثنا معمر بن سليمان الرقي أبو عبد الله، حدثنا زياد بن خيثمة، عن علي بن النعمان بن قراد، عن رجل، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيرت بين الشفاعة، وبين أن يكون نصف أمتي في الجنة فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفأ، أترونها للمتقين? لا، ولكنها للمتأوبين الخطائين" قال زياد: أما إنها الحق، لكن هكذا الذي حدثنا. ورواه ابن أبي الدنيا، عن الحسن بن عرفة، عن عبد السلام بن حرب، عن نعمان بن قراد، عن عبد الله، فذكره بنحوه. هكذا رأيته في كتاب الأهوال، وكذا رواه البيهقي في البعث والنشور، من طريق الحسن بن عرفة. رواية عبد الله بن عمرو بن العاص قال مسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسولط اللّه صلى الله عليه وسلم تلا قول الله حكاية لسان إبراهيم: "رَبِّ إِنَّهُنّ أَضْلَلْن كَثِيراً مِنَ النَّاس فَمَنْ تَبْعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحِيمٌ". وقول الله تعالى حكاية على لسان عيسى: "إِنْ تعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم". وقول الله تعالى حكاية على لسان نوح: "رَبِّ لاَ تذَرْ عَلَى الأَرْض مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً". فرفع يديه، وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسله ما يبكيك? فأتاه جبريل، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فأخبر جبريل ربه بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. رواية عبد الله بن مسعود قد تقدمت رواية علقمة في الحوض والمقام المحمود وفيه ذكر الشفاعة. رواية عبد الرحمن بن أبي عقيل قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو خالد يزيد الأسدي، حدثنا عون بن أبي جحيفة السوائي، حدثنا عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل، قال: "انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد، فأتيناه، فأنخنا بالباب،- وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه- فلما خرجنا، خرجنا وما في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منهم: يا رسول الله: سألت ر بك كملك سليمان? فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: فلعل قضاء حوائجكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعاها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة، فاختبأتها عند ربي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". قلت: إسناد غريب، وحديث غريب. رواية أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه: الشفعاء يوم القيامة هم الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء: قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة القرشي، عن علاف بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء". وقال البزار: حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن علاف بن أبي مسلم، قال: ورايته في موضع آخر عندي، عن عبد الملك بن علاف، عن أبان عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون ". قال البزار: وعنبسة هذا لين الحديث، وعبد الملك بن علاف لا يعلم من روى عنه غير عنبسة. رواية علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه ورضي عنه قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن زيد المداري، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حرب بن شريح البزار، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق، أحق هي? قال: شفاعة ماذا? قلت: شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: حق: إي والله: والله لقد حدثني عمي محمد بن علي بن الحنفية: عن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشفع لأمتي حتى يناديني ربي عز وجل فيقول: أرضيت يا محمد. فأقول: رب رضيت". ثم قال: لا نعلمه يروى هذا، إلا بهذا الإسناد. رواية عوف بن مالك قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش بن خلف بن هشام، قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني الليلة آت من ربي، فخبرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. قالوا: يا رسول الله: ننشدك الله والصحبة، لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: فإني أشهد من حضر، أن شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً من أمتي". وقد رواه يعقوب بن سفيان: عن يحيى بن صالح الوحاظي، عن جابر بن غانم، عن سليم بن عامر، عن معدي كرب بن عبد بلال، عن عوف بن مالك، قال: "أتاني جبريل عليه السلام، من قبل ربي، فخيرني بين خصلتين، أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة". وقد رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم بن بحر بن نصر، عن بشر بن بكر، عن أبي جابر، عن سليم بن عامر، سمعت عوف بن مالك: فذكر الحديث وفيه: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، يرد الحديث إلى عوف بن مالك. رواية كعب بن عجرة قال البيهقي: أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أخبرنا محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن أبي عبد الرحمن، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال: قلت: يا رسول الله: الشفاعة الشفاعة، فقال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". رواية أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثني النضر بن شميل المازني، حدثنا أبو نعامة، حدثنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن وألان العدوي عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فصلّى الغداة، ثم جلس، حتى إذا كان من الضحاة ضحك، ثم جلس مكانه، حتى صلَّى الأولى، والعصر، والمغرب، كل ذلك لا يتكلم، حتى صلّى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبي بكر الصديق: ألا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه. صنع اليوم شيئاً لم يصنعه قط، فسأله، فقال: "نعم: عرض عليَّ ما هو كائن من أمر الدنيا، وأمر الآخرة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فقطع الناس كذلك، حتى انطلقوا إلى آدم، والعرق يلجمهم، فقالوا: يا آدم: أنت أبو البشر، أنت اصطفاك الله، اشفع لنا إلى ربك، فقال: قد لقيت مثل الذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ونوحاً وآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ". قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت الذي اصطفاك اللّه، واستجاب لك في دعائك، ولم يدعِ أحد من الأنبياء بمثل دعوتك. فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم، فإن الله اتخذه خليلاً، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى موسى، فإن الله كلمه تكليماً، فيقول موسى: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى سيد ولد آدم، فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمد، فيشفعِ لكم إلى ربكم، قال: فينطلقون، فيأتون إليّ، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول الله. ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع: قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إليّ ربي عز وجل، خررت ساجداً قدر جمعة أخرى، فيقول اللّه: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إليَّ ربي عز وجل، خررت ساجداً قدر جمعة أخرى، فيقول الله: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأذهب لأقع ساجداً، فيأخذ جبريل بضبعي ويفتح عليَّ من الدعاء شيء لم يفتحه على بشر قط، فأقول: أي رب: خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، ولا فخر، حتى إنه ليرد عليّ الحوض من أمتي أكثر مما بين صنعاء وأيلة، ثم يقال: ادعوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال: فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة، والستة، والنبي ليس معه أحد ثم يقال: ادعوا الشهداء، فيشفعون فيمن أرادوا، قال: فإذا فعلت الشهداء ذلك، يقول الله: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بالله شيئاً، قال: فيدخلون الجنة، ثم يقول الله: انظروا إلى النار، هل تلقون من أحد عمل خيراً قط? قال: فيجدون في النار رجَلاً، فيقال له: هل عملت خيراً قط. فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع، فيقول الله: أسمحوا إلى لعبدي، كإسماحه إلى عبادي، ثم يخرجون من النار رجلاً، فيقال له: هل عملت خيراً قط? فيقول: لا غير أني قد أمرت ولدي فقلت لهم: إذا مت فأحرقوني في النار، ثم اطحنوني، حتى إذا صرت مثل الكحل، فأذهبوا بي إلى البحر، فذروني في الريح، فوالله لا يقدر عليَّ رب العالمين أبداً، فيقول الله له: لم فعلت ذلك. فيقول: من مخافتك، قال: فيقول الله: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإن لك مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: لم تسخر مني وأنت الملك? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذاك الذي ضحكت منه من الضحى" . وقد تكلمنا على هذا الحديث في آخر مسند الصديق بكلام طويل. رواية أبي سعيد الخدري قال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المغيرة، عن معيقب، عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري قال أحمد: -وهو أبو الهيثم- قال. حدثني ليث- وكان في حجر أبي سعيد الخدري قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يوضع الصراط بين ظهري جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلم، ومجروح به ناج، ومحتبس فمكدوس فيها، فإذا فرغ اللّه من القضاء بين العباد، تفقد المؤمنون رجالاً، كانوا معهم في الدنيا، يصلون كصلاتهم، ويزكون كزكاتهم، ويصومون كصيامهم، ويحجون كحجهم، ويغزون كغزوهم، فيقولون: أي ربنا، عباد من عبادك، كانوا معنا، يصلون في الدنيا صلاتنا، ويزكون زكاتنا ويصومون صيامنا، و يحجون حجنا، و يغزون غزونا، لا نراهم? فيقول: اذهبوا إلى النار، فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوهم. قال: فيجدونهم، وقد أخذتهم النار على قدر أعمالهم، فمنهم من أخذته قدميه ومنهم من أخذته الى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أخذته إلى أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه، ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها، فيطرحونهم في ماء الحياة، قيل: يا رسول الله: وما ماء الحياة. قال: غسل أهل الجنة، فينبتون نبات المزرعة، وقال: مرة تنبت المرزعة في غثاء السيل، ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتجلى الله برحمته على من فيها، فلا يترك فيها عبداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان، إلا أخرجه الله منها" . تفرّد به أحمد. ورواه ابن أبي الدنيا: من حديث إسحاق به، قال: موضع الصراط جهنم، قال محمد: لا أعلمهإلا كحد السيف، وذكر تمام الحديث. قال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان،- يعني التيمي-، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل النار الذي هم أهلها، لا يموتون، ولا يحيون، وأما من يريد الله بهم الرحمة فإنه يميتهم في النار، ثم يدخل ضبارة فيهم، فيبثهم أو قال: فيبثون على نهر الحياة، أو قال: نهر الجنة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترون الشجرة تكون خضراء، ثم تكون صفراء، ثم تكون خضراء. قال فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن سعيد بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يحيون، ولكن هم أناس أو كما قال: يصلون النار بذنوبهم -أو قال: بخطيئاتهم- فتميتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحماً أذن الله في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، فيقول: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية". وهذا إسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وهو صحيح من هذا الوجه. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عثمان بن عاد، حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: لايعرض الناس على جسر جهنم، عليه كلاليب، وحسك، وخطاطيف تخطف الناس، قال: فيمر ناس مثل البرق، وآخرون مثل الريح، وآخرون مثل الفرس المجري، وآخرون يزحفون زحفاً، فأما أهل النار، فلا يموتون ولا يحيون، وأما أهل الذنوب فيؤخذون بذنوبهم، فيحرقون، فيكونون فحماً، ثم يأذن الله في الشفاعة، فيؤخذون ضبارات ضبارات، فيقذفون على نهر، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيخرج أدنى رجل من النار، فيكوق على شفتها، فيقول: يا رب اصرف وجهي عنها، قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيصرف وجهه عنها، قال: فيرى شجرة فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال، فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها? فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيدنيه منها، قال: فيرى شجرة أخرى أحسن منها، قال: فيقول: يا رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيحوله إليها، قال: فيرى الثالثة، فيقول: رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها وآكل من ثمرها قال: فيقو ل: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيحوله، قال: فيرى سواد الناس، ويسمع أصواتهم، فيقول: يا رب أدخلني الجنة". قال أبو سعيد: ورجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفا، فقال أحدهما: "فيدخل الجنة ويعطى الدنيا ومثلها". وقال الآخر: "فيدخل الجنة ويعطى الدنيا وعشرة أمثالها". وقد رواه النسائي، من حديث عثمان بن غياث، به نحوه. رواية أبي هريرة قال الإِمام أحمد: حدثنا سليمان- يعني ابن داود- حدثنا إسماعيل، حدثنا عمرو بن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة. فقال النبي : "لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله خالصة من نفسه" . هذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من هذا الوجه. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ويعلى بن عبيد، قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً". قال- يعني شفاعته- ورواه مسلم: من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش به. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا هاشم، والخزاعي- يعني أبا سلمة- قالا: حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن أبي سالم، عن معاوية بن معتب الهذلي، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أراد إليك ربك في الشفاعة? فقال: والذي نفس محمد بيده، لقد ظنت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من حرصك على العلم، والذي نفس محمد بيده، لما يهمني من وقوفهم على أبواب الجنة، أهم عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً، فصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه. تفرد به أحمد من هذا الوجه. طريق أخرى قال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مالك، حدثنا إسحاق، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة". قال إسحاق: فأردت أن أختبىء". وقد رواه البخاري: من حديث مالك به. طريق أخرى قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب، حدثني يونس، عن ابن شهاب، أن عمرو بن أبي سفيان بن أبي أسيد بن حارثة الثقفي أخبره: أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة يدعو بها، فأنا أريد- إن شاء الله- أن أختبىء دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة". قال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم". تفرَّد به مسلم. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني القاسم بن محمد، قال: اجتمع أبو هريرة، وكعب، فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب، قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". انفرد به أحمد وإسناده صحيح، على شرطهما، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة ومحمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال غندر في حديثه. قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي دعوة دعا بها، وإني أريد أن أدخر دعوتي إن شاء الله شفاعة لأمتي يوم القيامة، قال ابن جعفر: في أمتي". وقد رواه مسلم من حديث شعبة به. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة تستجاب له، فأريد إن شاء الله أن أدخردعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". وهذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجوه. طريق أخرى قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن عمارة، وهو ابن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، فيستجاب له، فيؤتاها، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". انفرد به مسلم. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا أبو أويس قال: قال الزهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة، وأريد إن شاء الله أن أختبىء دعوتي ليوم القيامة شفاعة لأمتي". تفرد به أيضاً من هذا الوجه، ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري وقد رواه البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة، ومسلم من طريق مالك، كلاهما عن الزهري به. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا داود الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْموداً". قال: هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه. ورواه الترمذي عن أبي كريب، عن وكيع، عن داود، وقال: حسن. طريق أخرى قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريج، حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيدارة مولى عثمان، قال: "إنا بالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قال: فتدارك الناس عليه، فقالوا: إيه يرحمك الله. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لكل عبد لقيك، يؤمن بك، لا يشرك بك". تفرَّد به أحمد من هذا الوجه. رواية أم حبيبة قال البيهقي: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو داود الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، سبق ذلك من الله، كما سبق في الأمم قبلهم، فسألت الله أن يوليني منهم شفاعة، ففعل". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. ذكر شفاعة المؤمنين لأهاليهم تقدم حديث أبي هريرة، عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون". رواه البزار، وابن ماجة، ولفظه: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء". فأما ما أورده القرطبي في التذكرة من طريق أبي عمرو السماك، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان، أخبرنا على عاصم، حدثنا خالد الخزاعي، عن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، قال: قال ابن مسعود: "يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى ثم نبيكم، ثم الملائكة، ثم الصديقون، ثم الشهداء". وقد رواه أبوداود الطيالسي، عن أبي سلمة بن كهيل، عن أبيه به، وزاد أبو داود في روايته: "لا يشفع بعده أكبر منه" وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً". فإِنه حديث غريب جداً، ويحيى بن سلمة بن كهيل ضعيف، وفي الصحيح: من طريق عطاء بن يسار، عنِ أبي سعيد، مرفوعاً: "إِذَا أخلصَ المؤمِنونَ من الصراط، وراوا أَنهم قد نَجوا، فما أَنتُم بِأَشدَّ منهم شِدَّةَ في الحق، بعدما تبين منهم لربهم في إِخوانهم الذين في النار، يقولون: يا ربنا: إِخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويقرأون معنا، فيقول الله: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأَخرجوه من النار". قال أبو سعيد: اقرأوا إن شئتم. "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً". قال: فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، فيقولون: هؤلاء عتقاء الله، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ر بنا، أي شيء أفضل من هذا? أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقال لهم: عندي أفضل من هذا، فيقولون: ربنا: أي شيء أفضل من هذا? فيقول: رضائي، فلا أسخط عليكم أبداً. يشفع المؤمنون يوم القيامة، إلا اللعانين، فلا شفاعة لهم وفي حديث إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكر دخول الجنة: "ثم أقول: يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول: نعم. أخرجوا من النار من كان في قلبه ثلثي دينار، نصف دينار، ثلث دينار، ربع دينار حتْى بلغ قيراطين. أخرجوا من لم يعمل خيراً قط. قال: ثم يؤذن في الشفاعة، فلا يبقى أحد إلا شفع، إلا اللعان، فإنه لا يشفع، حتى إن إبليس ليتطاول يومئذ في النار، رجاء أن يشفع له، مما يرى من رحمة الله، حتى إذا لم يبق أحد إلا شفع، قال: بقيت أنا أرحم الراحمين، فيخرج منها ما لا يحصى عدتهم غيره، كأنهم الخشب المحترقة، فيطرحون على شط نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل" رواه ابن أبي الدنيا... وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا يوسف بن خالد، هو السمني، عن الأعمش، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعرض أهل النار صفوفاً، فيمر بهم المؤمنون، فيرى الرجل من أهل النار الرجل من المؤمنين قد عرفه في الدنيا فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استعنتني على حاجة كذا? ويقول: أما تذكر يوم أعطيتك قال، أراه قال: كذا وكذا-? فيذكر ذلك المؤمن، فيعرفه، فيشفع له إلى ربه، فيشفعه فيه" في إسناده ضعف. طريق أخرى عن أنس قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمر، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا لأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصف الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير: أهل الجنة فيمر الرجل من أهل النار على الرجل، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استسقيتني فسقيتك شربة? قال: فيشفع له، ويمر الرجل على الرجل، فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً? فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول: أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك? فيشفع له". ورواه الطحاوي بلفظ آخر قريب من هذا المعنى. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن عبد الله بن موسى، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: يا رب: إن فلاناً سقاني شربة من ماء في الدنيا، فشفعني فيه، فيقول الله. اذهب فأخرجه من النار، فيتحسس، يخرجه منها". وهذا مرسل من مرسلات الحسن الحسان. ومن الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لأهاليهم حكى بعضهم عن زبور داود عليه السلام: أنه مكتوب فيه: يقول الله: "إن عبادي الزاهدين، أقول لهم يوم القيامة: عبادي: إني لم أزوِ عنكم الدنيا لهوانكم عليَّ، ولكن أردت أن تستوفوا نصيبكم موفوراً اليوم، فتخللوا الصفوف، فمن أحببتموه في الدنيا، أو قضى لكم حاجه، أو رد عنكم غيبة، أو أطعمكم لقمة ابتغاء وجهي، وطلب مرضاتي، فخذوا بيده، وأدخلوه الجنة". وروى الترمذي، والبيهقي: من طريق مالك بن مغول، عن عطية، عن أبي سعيد، قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي لرجالاً يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل للقبيلة، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل منهم للرجل وأهله، فيدخلون الجنة بشفاعته". وروى البزار: بسنده، مرفوعاً. "إن الرجل ليشفع للاثنين والثلاثة". وله من حديث سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال للرجل: قم يا فلان: واشفع، فيقول الرجل، فيشفع للقبيلة، ولأهل البيت، وللرجل، والرجلين، على قدرعمله". ومن حديث الحسين بن واقد: عن أبي غالب، أن أبا ثمامة حدثه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من عدد مضر، ويشفع الرجل في أهل بيته، ويشفع على قدرعمله". وروي عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن عبد الرحمن أو عبد الله بن أبي ميسرة، عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس مثل الحسين أو مثل الحسن، مثل ربيعة ومضر، فقال رجل: يا رسول الله، وما ربيعة من مضر? قال: إنما أقول ما أقول". وقال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم، قلنا: سواك يا رسول الله?: قال: سواي". قلت: أنت سمعته? قال: نعم، فلما قام، قلت: من هذا?: قالوا ابن أبي الجدعاء. ثم رواه أحمد: عن غندر عن شعبة، وعن عفان، عن وهب، كلاهما عن خالد الحذاء، به ونحوه. ورواه أبو عمر بن السماك، عن يحيى بن جعفر، عن سنان، عن جرير بن عثمان، عن عبد الله بن ميسرة، وحبيب بن عدي الرحبي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين، ربيعة ومضر". قيل يا رسول الله: وما ربيعة ومضر? قال: "إنما أقول ما أقول". قال: فكان الصحابة يرون أنذلك الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان الثوري، عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي، فقال: جلست إلى نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن أبي الجدعاء، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم". قالوا: سواك يا رسول الله? قال: سواي، قال الفريابي: يقال إنه عثمان بن عفان رضي الله عنه... رواه الترمذي، والبيهقي، وابن ماجه، وغيرهم: من طرق متعددة، عن خالد الحذاء، به. وقال الترمذي: حسن صحيح، وليس لابن أبي الجدعاء حديث سواه. وله من حديث أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عبد الله بن قيس الأسدي، عن الحارث بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي من سيعظم للنار حتى يكون أحد زواياها" وكذا رواه أحمد وابن ماجة، من غير وجه عن داود بن أبي هند، وفي لفظ لأحمد: "إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركناً من أركانها". وروى البيهقي من حديث أبي بكر بن عياش، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، قال هشام: أخبرني حوشب، عن الحسن: أنه أويس القرني، قال أبو بكر بن عياش: قلت لرجل من قومه: أويس بأي شيء يبلغ هذا? قال: فضل الله يؤتيه من يشاء". وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا سليمان العصري، حدثني عقبة بن صهبان، سمعت أبا بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحصل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع الناس بهم جنبتا الصراط، تقادع الفراش في النار، قال فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء قال: ثم يؤذن للملائكة، والنبيين، والشهداء أن يشفعوا، فيشفعون ويخرجون ويشفعون، ويخرجون وزاد عفان مرة أخرى فقال: ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان". وقال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ أبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، يعني ابن سليمان، حدثنا أبو طلال، حدثنا أنس بن مالك، حدثنا، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلك رجلان مفازة، أحدهما عابد، والآخر به رهق، رفع الذي به رهق إداوة فيها ماء، وليس مع العابد ماء، فعطش العابد، فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت، فقال: إنما معي إداوة، ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد اشتد به العطش فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت فقال: إنما معي إداوة ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد سقط، فقال: أي فلان اسقني فهو ذا أموت، قال الذي به رهق، والله إن هذا العبد الصالح يموت ضياعاً، لا يبلني عند الله أبداً، فرشَّ عليه من الماء وسقاه، ثم سلكا إلى المفازة، فقطعاها، قال: فيوقفان للحساب يوم القيامة، فيؤمر بالعابد إلى الجنة، ويؤمر بالذي به رهق إلى النار، قال فيعرف الذي به رهق العابد، ولا يعرف العابد الذي به رهق، فيناديه: أي فلان، أنا الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة، وقد أمر بي الى النار، فاشفع إلى ربك، فيقول: أي رب، إنه قد آثرني على نفسه، أي رب هبه لي اليوم، فيوهب له، فيأخذه بيده فينطلق به إلى الجنة، زاد فيه: فيقول: يا فلان، لشد ما غرتك نعمة ربي عز وجل. ثم قال البيهقي: هذا الإسناد وإن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس بن مالك، حدثنا أبو سعيد الزاهد، إملاء، حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا علي بن أبي سارة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على النار، فيناديه رجل من أهل النار، فيقول: يا فلان، هل تعرفني، فيقول: لا، والله ما أعرفك، من أنت? فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع بها عند ربك، قال: فيسأل الله عز وجل فيقول إني أشرفت على النار فناداني رجل من أهلها، فقال: هل تعرفني? قلت: لا والله، ما أعرفك، من أنت? قال: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء. فسقيتك فاشفع لي عند ربك، فشفعني، فيشفعه الله، فيأمر به فيخرج من النار. أنبأنا أبو طالب طاهر الفقيه، أنبأنا أبو عبد الله الصفار، الأصبهاني، أبو قبيصة، محمد بن عبد الرحمن بن عمارة، بن القعقاع الضبي، الأصبهاني البغدادي، حدثنا أحمد بن عمران الأحبشي، سمعت أبا بكر بن عياش يحدث صالحاً الخزاز، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله أهل الجنة صفوفاً، وأهل النار صفوفاً، فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى رجل من صفوف أهل الجنة، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم اصطنعت إليك في الدنيا معروفاً? فيقول: يا رب إن هذا اصطنع إليَّ معروفاً، فيقال: خذ بيده، وأدخله الجنة"، قال أنس: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، قال: وكذا رواه الصنعاني، عن أحمد بن عمران، تفرّد به أحمد بن عمران، والله أعلم. حديث فيه شفاعة الأعمال لصاحبها قال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، عن حيي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن الصيام، والقرآن ليشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. وروى نعيم بن حماد، عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن أبي قلابة، قال: إن ابن أخي يتعاطى الشراب، فمرض، فبعث إليَّ ليلاً أن ألحق بي فأتيته، فرأيت أسودين قد دنيا منه، فقلت: إنا لله هلك ابن أخي، فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت، فقال أحدهما لصاحبه: أنزل إليه، فلما نزل تنحى عنه الأسودان، فشم فاه، فقال: ما أرى فيها ذكراً. ثم شم بطنه، فقال: ما أرى فيها صياماً، ثم شم رجليه فقال: ما أرى فيهما صلاة فقال له صاحبه: إنا لله وإنا إليه راجعون. رجل من أمة محمد ليس له من الخير شيء. ويحك، عد فانظر، فعاد فلم يجد شيئاً، فنزل الآخر، فشم، فلم يجد شيئاً، ثم عاد فإذا في طرفي لسانه تكبيرة في سبيل الله، قالها ابتغاء وجه الله بأنطاكية، فقبضوا روحه، فشموا في البيت رائحة المسك وشهد الناس جنازته، حديث غريب جداً. قال العلامة أبو محمد القرطبي في التذكرة: وخرج أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم، بن محمد الختلي في كتاب الديباج له، حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي داود، عن معمر بن راشد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله: "إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين قال: فيخرج من أهل النار مثل أهل الجنة، أو قال: مثلي أهل الجنة، قال: ظني أنه قال: مثل أهل الجنة، مكتوب بين أعينهم: عتقاء الله". وروى الترمذي، عن أنس، مرفوعاً: يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من ذكرني يوماً، أو خافني في مقام، وقال: حسن غريب. وله عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما، فقال الرب تعالى: أخرجوهما، فلما أخرجا قال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما? فقالا: فعلنا ذلك لترحمنا، قال: إن رحمتي لكما أن تنطلقا، فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار، فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه برداً وسلاماً، ويقوم الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول الرب تعالى: "ما منعك أن تلقي بنفسك، كما ألقى صاحبك? فيقول: رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان الجنة جميعاً برحمة الله". وفي إسناده ضعف لحال رشدين بن سعد، عن ابن أبي نعم وهما ضعيفان، ولكن يغتفر رواية هذا في هذا الباب من الترغيب والترهيب. والله أعلم. وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، حدثنا أبو هانىء الخولاني، عن عمرو بن مالك الخشني: أن فضالة بن عبود، وعبادة الصامت حدثاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة، وفرغ الله من قضاء الخلق فيبقى رجلان، فيؤمر بهما إلى النار، فيلتفت أحدهما، فيقول الجبار: ردوه، فيردونه، فيقول له: لم التفت? فيقول: كنت أرجو أن تدخلني الجنة، فيؤمر به إلى الجنة، فيقول: لقد أعطاني ربي حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه". فصل أصحاب الأعراف قال الله تعالى: "وَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنَادوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أنْ سَلاَمٌ عَلَيْكمْ لَمْ يَدْخُلوهَا وَهمْ يَطْمَعُونَ، وَإِذَا صُرفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين". قال ابن عباس وغيره: الأعراف سور بين الجنة والنار: وقال العتبي: عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: "أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة". "وإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ". فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربك، فقال: قوموا فادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم. ورواه البيهقي: من وجه آخر، عن الشعبي، عن حذيفة، مرفوعاً وفيه نظر. وقال سفيان الثوري: عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: "أصحاب الأعراف رجال تستوي حسناتهم وسيئاتهم، فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة- تربته ورس وزعفران، وحافتاه، قصب من ذهب، مكلل باللؤلؤ فيغتسلون منه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يغتسلون، فيزدادون بياضاً، ثم يقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وأضعافه سبعين مرة، فأولئك مساكين الجنة". وقد وردت أحاديث فيها غرابة، في شأن أصحاب الأعراف، وصفاتهم، تركناها لضعفها. ذكر أول مَن يَخْرُجْ مِن النَّارِ فَيَدْخُل الجَنَة ثبت في صحيح مسلم: من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره: أن أناساً قالوا لرسول الله: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضارون في القمر ليلة البدر? قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب? قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا، حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: أنت ر بنا، فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من نجتاز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان? قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المجازي، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيصب عليهم من ماء الحياة، فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة، فيقول: أي رب، اصرف وجهي عن النار، فإنه قد مسني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله ما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك، أن تسألني غيره? فيقول: لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة، ورآها، سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب: قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، لا تسألني شيئاً غير الذي أعطيت? ويلك يا ابن آدم: ما أغدرك? فيقول: أي رب، ويدعو الله، حتى يقول: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره? فيقول: لا وعزتك، ويعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة، انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب: أدخلني الجنة، فيقول الله تعالى: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، أن لا تسأل غير ما أعطيت? ويحك يا ابن آدم? ما أغدرك? فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله، حتى يضحك الله منه، ثم يقول له: ادخل الجنة، فيدخلها فيقول الله: تمنه، فيسأل الله ويتمنى. حتى إن الله ليذكره، من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله، لك ذلك ومثله معه". قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه شيئاً من حديثه، حتى إذا قال أبو هريرة: إن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك مثله معه، فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً". هذا لفظ مسلم، من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ثم أورد الحديث من رواية عطاء بن يسار، وغيره: عن أبي سعيد، فساقه بطوله نحوه، وفيه: "إنه يعطى ذلك وعشرة أمثاله" وفي بعض سياقاته: "أنه ينتقل من النار إلى باب الجنة في ثلاث مراحل، كل مرحلة يجلس تحت شجرة كل واحدة هي أحسن من أختها التي قبلها". وكذلك رواه مسلم أيضاً: من حديث ابن مسعود وفيه: "وعشرة أمثاله" كما حفظه أبو سعيد، والله سبحانه أعظم وأكرم. وكذا رواه البخاري: عن ابن مسعود، وفيه: "وعشرة أمثاله" فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنه، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا- فيقول: تسخربي- أو تضحك مني- وأنت الملك? فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة". فصل روى الدارقطني في كتابه: الرواة عن مالك، والخطيب البغدادي، من طريق غريبة، عن عبد الملك بن الحكم، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة. عند جهينة الخبر اليقين، سلوه: هل بقي من الخلائق أحد"? وهذا الحديث لا تصح نسبته إلى الإِمام مالك، لجهالة رواته عنه، ولو كان محفوظاً عنه من حديثه لكان في كتبه المشهورة عنه، كالموطإِ وغيره مما رواه عنه الثقات. والعجيب أن أبا عبد الله القرطبي ذكره في التذكرة، وجزم به، فقال: قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة: وعند جهينة الخبر اليقين. وكذلك ذكره السهيلي، ولم يضعفه، وحكى عن السهيل قول آخر: أن اسمه هناد فالله أعلم إلى هنا. وقال مسلم: حدثنا محمد بن مسعود بن نمير، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا، كذا وكذا. فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر، وهومشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: إن لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: رب: عملت أشياء لا أرها هاهنا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك، حتى بدت نواجذه ". وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى المزكي، حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي، حدثني أبي، عن أبيه، حدثني أبو يحيى الكلاعي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن آخر رجل يدخل الجنة، رجل يتقلب على ظهر الصراط ظهراً لبطن، كالغلام يضربه أبوه، وهو يفر منه، يعجز عنه عمله أن يسعى، فيقول: يا رب: بلغ بي الجنة، ونجني من النار، فيوحي الله إليه: عبدي إن أنا نجيتك من النار، وأدخلتك الجنة، أتعترف لي بذنوبك، وخطاياك? فيقول العبد: نعم يا رب: وعزتك إن نجيتني من النار لأعترف لك بذنوبي وخطاياي، فيجوز الجسر، ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي، ليردني إلى النار، فيوحي الله إليه: عبدي: اعترف بذنوبك، وخطاياك، أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيقول العبد: لا وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنباً قط، ولا أخطأت خطيئة قط، فيوحي الله إليه، عبدي: إن لي عليك بينة، فيلتفت العبد يميناً وشمالاً فلا يرى أحداً: فيقول: يا رب: أرني بينتك، فيستنطق الله جلده بالمحقرات، فإذا رأى ذلك العبد، يقول: يا رب: عندي وعزتك العظائم، فيوحي الله إليه: عبدي: أنا أعرف بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيعترف العبد بذنوبه، فيدخله الجنة، ثم ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فكيف بالذي فوقه?". وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا سلام:- يعني ابن مسكين- عن طلال، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عبداً في جهنم لينادي ألف سنة: يا حنان، يا منان. قال: فيقول الله لجبريل: اذهب فائتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل، فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره، فيقول: ائتني به، فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه، فيقول له: يا عبدي، كيف وجدت مكانك ومقيلك? فيقول: يا رب، شر مكان، وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي، فيقول: ما كنت أرجو إذا أخرجتني منها، أن تردني فيها، فيقول الله تعالى: دعوا عبدي" . تفرّد به أحمد. وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان بن سلمة، أخبرنا ثابت، وأبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج أربعة من النار- قال أبو عمران: أربعة، وقال ثابت: رجلان- فيعرضون على الله، ثم يؤمر بهم- أو بهما- إلى النار، فيلتفت أحدهم، فيقول: أي رب قد كنت أرجو إذا أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها، فينجيه الله منها" . هكذا رواه مسلم: من حديث حماد بن سلمة: به. وقال عبد الله بن المبارك: حدثني رشيد بن سعيد، حدثني ابن أنعم عن أبي عثمان، أنه حدثه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ن رجلين ممن دخل النار، يشتد صياحهم، فيقول الرب جل جلاله: أخرجوهما، فيخرجان، فيقول الله لهما: لأي شيء اشتد صياحكما? فيقولان: فعلنا ذلك لترحمنا، فيقول عز وجل: رحمتي لكما بأن تنطلقا إليها، فيلقي أحدهما نفسه فيها، فيجعلها عليه الله برداً وسلاماً، أما الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب: ما منعك أن تلقي نفسك كما فعل صاحبك? فيقول: رب: إني أرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها: فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان جميعاً الجنة، برحمة الله عز وجل". وذكر بلال بن سعد في خطبته: "إن الله تعالى إذا أمرهما بالرجوع إلى النار، ينطلق أحدهما في أغلاله، وسلاسله، حتى يقتحمها، ويتلكأ الاخر، فيقول الله للأول: ما حملك على ما صنعت? فيقول: إني خررت من وبال معصيتك في العذاب الأليم، فلم أكن أتعرض لسخطك ثانياً، وأما الآخر، فيقول: حسن ظني بك، إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني إليها، فيرحمهما الله، ويدخلهما الجنة". فصل إذا خرج أهل المعاصي منها، فلم يبق فيها غير الكافرين، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، كما قال تعالى: "فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرجُونَ مِنْهَا". ولا محيد لهم عنها، بل هم خالدون فيها أبداً، وهم الذين حبسهم القرآن، وحكم عليهم بالخلود، كما قال تعالى: "وَمِنْ يَعْص اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهًنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً "حَتَّى إِذَا رَأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلمُونَ مَنْ أضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلًّ عَدَداً". وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعًدّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً لاَ يَجِدُونَ وَليّاً وَلاَ نَصِيراً". وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً". فهذه ثلاث آيات، فيهن الحكم عليهم بالخلود أبداً، ليس لهن رابعة مثلهن في ذلك، فأما قوله تعالى: "قَالَ النَّار مَثْوَاكمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم". وقوله تعالى: "فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فعَّال لِمَا يُرِيدُ". فلقد تكلم ابن جرير وغيره من المفسرين على هذه الآية بكلام طويل، بسطه، وجاءت آثار عن الصحابة غريبة، ووردت أخبار عجيبة، وللكلام على ذلك موضع آخر، ليس هذا موطنه، والله أعلم وأحكم. وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك عمرو بن محمد بن زيد، حدثني أبي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت فازداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، وازداد أهل النار حزناً على حزنهم" . وهكذا رواه البخاري: عن معاذ بن أسد بن عبد الله بن المبارك، به، مثله، وقال أحمد، حدثنا حسان بن الربيع الموصلي، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت كبشاً أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقول: يا أهل الجنة: فيشرئبون وينظرون، ويقول: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح ويقال: خلود لا موت". وهذا إسناد غريب من هذا الوجه. وقال أحمد: حدثنا يزيد وابن نمير، قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة: فيطلعون خائفون، وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا. فيقولون: نعم ربنا، هذا الموت، ثم يقال: يا أهل النار: فيطلعون فرحين، مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا? فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت أبداً". إسناده جيد قوي، على شرط الصحيح، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا نافع بن خالد الطاحي، حدثنا نوح بن قيس الطاحي، عن أخيه خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة: خلود ولا موت، ويا أهل النار: خلود ولا موت". ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أنس، إلا من هذا الوجه. بسم اللّه الرحمن الرحيم كتاب صفة أَهل الجنة وما فيها من النعيم نسأَل الله عز وجل أَن يدخلنا برحمته ذكر ما ورد في عدد أبوابها واتساعها وعظمة جناتها وقال الله تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زَمَراً حَتَى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنْتهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُم فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبوأ مِنَ الجنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ". وقال تعالى: "جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأبْوَابُ". وقال: "وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كًلِّ بَابٍ و سَلاَمٌ عَلَيْكمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عًقْبَى الدَّارِ". وقد سلف فيما تقدم من الأحاديث: أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة، وجدوه مغلقاً، فيشفعون إلى الله عز وجل ليفتح لهم. وقد ذكر في حديث الصور: "أنهم يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، فكل يحيد عن ذلك- كما تقدم في الصحاح- ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب، فيقعقع حلقة باب الجنة، فيقول الخازن: من? فيقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيدخل فيشفع عند الله في دخول المؤمنون دار الكرامة، فيشفعه، فيكون هو أول من يدخل الجنة من الأنبياء، وأمته أول من يدخلها من الأمم". وثبت في الصحيح: "أنا أول شافع في الجنة، وأول من يقعقع". وسيأتي في الحديث أيضاً: "مفتاح الجنة، لا إله إلا الله". وروى الإِمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن? من رواية عقبة بن عامر، وغيره: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا بشر بن الفضل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بالجنة باباً يدعى الريان، يدعى إليه الصائمون يوم القيامة، يقال: أين الصائمون? فإذا دخلوه أغلق، فلم يدخل منه غيرهم". قال بشر: فلقيت أبا حازم، فسألته، فحدثني به، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون" وقد رواه البخاري: عن سعيد بن أبي مريم، به. ورواه أيضاً مسلم: من حديث سليمان بن بلال، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل، به. وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان" فقال أبو بكر: والله يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي، من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد، يا رسول الله? قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم" . وأخرجاه في الصحيحين: من حديث الزهري: به. ولهما من حديث سفيان: عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله: وقال عبد الله ابن الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد بن نمير: حدثنا إسحاق بن سليمان: حدثنا جرير بن عثمان: عن شرحبيل بن شفعة، قال: لقيني عتبة بن عبد الله السلمي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء". وروراه ابن ماجه: عن أبي نمير أيضاً. وروى البيهقي: من حديث الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي المثنى المليكي، أنه سمع عتبة بن عبد الله السلمي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق قال فيه: "وللجنة ثمانية أبواب، وإن السيف محاء للذنوب، و يمحو النفاق". الحديث بطوله. وتقدم الحديث المتفق عليه من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، في حديث الشفاعة، قال فيه: "فيقول الله: يا محمد: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر، والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة،- أو ما بين عضادتي الباب- كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى". وفي صحيح مسلم: عن خالد بن عمير العدوي، أن عتبة بن غزوان خطبهم فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: "أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت جرياً، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإِناء، يصبها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا فناء لها، فانتقلوا بخيرمن عملكم، فلقد ذكر لنا: أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام". وفي المسند: من حديث حماد بن سلمة، عن الحريري، عن حكيم، عن معاوية، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم توفون سبعين أمة، آخرها، وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيط". ورواه البيهقي: من طريق علي بن عاصم، عن سعيد الحريري بن معاوية، وقال: "مسيرة سبع سنين". وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس، حدثنا معن بن عيسى: حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "باب أمتي الذي تدخل منه الجنة، عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثاً، ثم إنهم ليضغطون عليه، حتى تكاد مناكبهم تزول". وقد رواه الترمذي: من حديث خالد هذا. قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه. وقال خالد بن أبي بكر: حدثنا كشذ، عن سالم، قال البيهقي: وحديث عتبة بن غزوان "أربعين سنة" أصح. وقد روى عبد بن حميد في مسنده: عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن للنار سبعة أبواب، ما منها باب إِلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً". فإِنه حديث مشهور، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين كل باب وباب، لا أنه بعد المصراعين، لئلا يتعارض هذا وما تقدم، والله أعلم. وقد ادعى القرطبي: أن للجنة ثلاثة عشر باباً، ولكن لم يقم على ذلك دليلاً قوياً أكثر من أن قال: ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية، حديث عمر. "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي آخره قال: فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب، يدخل من أيها شاء". أخرجه الترمذي وغيره. وروى الآجري في كتاب النصيحة، عن أبي هريرة، مرفوعاً: "إن في الجنة باباً يقال له باب الضحى، ينادي مناد: أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى? هذا بابكم فادخلوا". أسماء أبواب الجنة قال: وقال الحليمي: أبواب الجنة منها باب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو باب التوبة، وباب الصلاة، وباب الصوم، وباب الزكاة، وباب الصدقة، و باب الحج، و باب العمرة، و باب الجهاد، و باب الصلة. وزاد غيره: باب الكاظمين، وباب الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم. وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود- كما وقع عند الترمذي- باباً ثالث عشرة، والله تعالى أعلم. مفتاح الجنة شهادة ألا إله إِلا الله وأن محمداً رسول الله والأعمال الصالحة هي أسنان هذا المفتاح وقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عباس، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي جبير، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله". وفي صحيح البخاري، قال: قيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة? قال: بلى، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. يعني لا بد وأن يكون مع التوحيد أعمال صالحة، من فعل الطاعات، وترك المحرمات. ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعها قال الله تعالى: "وَلمَنْ خَافَ مَقَامَ رَِّبهِ جَنَّتَانِ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أفْنَانٍ فَبِأيِّ آلأَءِ رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأي آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَق وَجَنَى الْجَنَّتَيْن دَانٍ فَبِأيِّ آلاَءِ ربكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأنَّهُنَّ الْيَاقوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاًّ الإِحْسَانُ فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دونهَما جَنَّتَان فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذًّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذًّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نضَّاخَتَانِ فَبِأَيَ آلاَءِ رَبِّكَمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فاكِهَة وَنَخْلٌ وَرُمَّان فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأيَ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَات في الْخِيَام فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانّ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذي الْجَلالِ وَالإكْرَامَ".. وثبت في الصحيحين: من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل، إلا رداء الكبرياء، على وجهه، في جنة عدن". وروى البيهقي: من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن ثابت، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين". وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك، أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه غرب معهم، فقالت: يا رسول الله: قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا فسوف ترى ما أصنع فقال لها: "أجنة واححة هي، أم جنان كثيرة? وإنه في الفردوس الأعلى". قليل العمل في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وأقل شيء في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقال: "غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، وقاب قوس أحدكم، وموضع قده خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء الجنة اطلعت على أهل السموات والأرض لأضاءه ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها- يعني الخمار- خير من الدنيا وما فيها". وفي رواية عن قتادة أنه قال: "الفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها". وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن بن سمرة، مرفوعاً. وقال الله تعالى: "فِي جَنَّةٍ عَالِيَة". وقال تعالى: "فَأولئِكَ لَهم الدَّرَجَاتُ الْعُلَى". وقال تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَ بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها السَّمواتُ وَالأَرْضُ أعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ". وقال تعالى: "سَابقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْض السَّماء وَالأرْض أعِدّتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللًّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْل الْعَظِيم". وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح، عن هلال بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، فإن حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها". قالوا: يا رسول الله: أفلا تخبر الناس? قال: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر- أو تنفجر- أنهار الجنة"- شك أبو عامر. ورواه البخاري، عن إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه، بمعناه. الفردوس أعلى درجات الجنة والصلاة والصيام يقتضيان مغفرة الله عز وجل وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد الرحمن، حدثنا أبو همام الدلال، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى هؤلاء الصلوات الخمس، وصام رمضان- لا أدري ذكر الزكاة أم لا?- كان حقاً على الله أن يغفرَ له، هاجر، أو قعد حيث ولدته أمه، قلت: يا رسول الله: ألا أخرج فأؤذن الناس? فقال: لا. ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين، مثل ما بين السماء والأرض، وأعلى درجة منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس". وهكذا رواه الترمذي: عن قتيبة، وأحمد بن عبده الدراوردي، عن زيد بن أسلم به. وأخرجه ابن ماجه، عن سويد، عن حفص بن ميسرة، عن زيد مختصراً. من الفردوس تتفجر أنهار الجنة وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام". وقال ابن عفان: "كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأر بعة، والعرش فوقها، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس" . ورواه الترمذي: عن أحمد بن منيع، عن زيد بن هارون، عن همام بن يحيى به. قلت: ولا تكون هذه الصفة إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو وسطها، والله تعالى أعلم. درجات الجنة متفاوتة وليس يعلم مقدار تفاوتها إلا الله رب العالمين وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام". ورواه الترمذي: عن عباس العنبري، عن يزيد بن هارون، وعنده: "ما بين كل درجتين مائة عام". وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، عن حسن، عن أبي لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم". ورواه الترمذي: عن قتيبة، عن ابن لهيعة، ورواه أحمد أيضاً. ذكر مَا يكُون لأدنى أهل الجنَّةِ منزلة وأَعْلاَهُم مِن اتساع الملك العظيم قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً". وقد تقدم في الحديث المتفق عليه من رواية منصور: عن إبراهيم، عن علقمة بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر آخر من يدخل الجنة من أمته يقول له: "أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها"? وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا اسرائيل، عن ثوير هو ابن أبي فاختة، عن ابن عمر، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، الذي ينظر إلى جناته، ونعيمه، وخدمه، وسرده، من مسيرة ألف سنة، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية". ثم تلا هذه الآية: "وُجُوة يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبهَا نَاظِرَةٌ". وقال أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن أبجر، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملك ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر أزواجه، وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين". ورواه الترمذي عن عبد، عن شبابة، عن إسرائيل، عن ثوير، به قال: وقد روى من غير وجه، عن إسرائيل، عن يزيد، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً قال: ورواه الثوري عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قوله، قال: ورواه عبد الله بن أبجر، عن ثوير، عن ابن عمر، موقوفاً كذا قال: وقد تقدمت رواية أحمد لهذا الطريق مرفوعاً. وروى مسلم، والطبراني: وهذا لفظه من حديث سفيان بن عيينة: حدثنا مطرف بن طريف، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة،- رفعه ابن أبجر، ولم يرفعه مطرف- قال: قال موسى: يا رب: أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة، قال: نعم، هو رجل يجيء بعدما نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب، وكيف أدخلها وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم? فيقول له: أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا? فيقول: رضيت يا رب، فيقول، لك مثله ومثله:- وعقد سفيان أصابعه الخمس- فيقول: رضيت يا رب. قال: فيقول موسى: يا رب: فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة، قال: نعم. أولئك الذين أردت، وسأخبرك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر". مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: "فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". وثبت في الصحيحين: واللفظ لمسلم: من حديث سفيان. بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". مصداق ذلك في كتاب الله: "فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". وقال الإِمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر، أن أبا حازم حدثه، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً، وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". ثم قرأ هذه الآية: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلون". ورواه مسلم: عن هارون بن معروف. ذكر غرف الْجنَّة وارتفاعها واتساعِها وَعِظَمها نسأل اللّه مِن فَضله أنْ يمنَحَنا إِيَّاهَا مِنْ فيض فَضْلِهِ قال الله تعالى: "لكِن الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غرَفٌ مِنْ فَوْقهَا غرَف مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وعْد اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَاد". وقال الله تعالى: "فَأوتثِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرَفاتِ آمِنُونَ". وثبت في الصحيحين: واللفظ من حديث مالك: عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عنأبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون داخل الغرف من فوقهم كما يتراءون- أو ترون- الكوكب الغائر في الأفق، من المشرق، أو المغرب، لتفاضل ما بينهم"? قالوا: يا رسول الله: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم? قال: لا، والذي نفسي بيده إنها منازل الأنبياء، ومنازل رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين" . وفي الصحيح أيضاً: من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تتراءون- أو ترون- الكوكب الدري الغائر في أفق السماء". قال أحمد: حدثنا فزارة، أخبرني فليح، عن هلال- يعني ابن عطاء-، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تتراءون- أو ترون- الكوكب الدري الغائر في الأفق، من تفاضل الدرجات. قالوا: يا رسول الله: أولئك النبيون. قال: بلى والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين" ، حدثنا الحافظ أيضاً هذا على شرط البخاري. منازل المتحابين بجلال الله في الجنة وقال أحمد: حدثنا علي بن عباس، حدثنا محمد بن مطرف، أخبرنا أبو حازم، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتحابين في الله لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع، الشرقي، أو الغربي، فيقال: من هؤلاء? فيقال: هؤلاء المتحابون في الله". وفي حديث عطية: عن أبي سعيد، مرفوعاً: "إن أهل عليين ليراهم من سواهم كما يرون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم". ذكر أعلى منزلة في الجنة وهي الوسيلة فيها مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثبت في صحيح البخاري: عن علي بن عباس، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين يسمعِ النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته: حلت له الشفاعة يوم القيامة". وفي صحيح مسلم: عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن حيوة، وسعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بِن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإن من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة". الوسيلة أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا صليتم عليَّ، فسلوا الله لي الوسيلة، قالوا: يا رسول الله: وما الوسيلة? قال: أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو". وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، سمعت أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة". وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني، حدثنا موسى بن أعين، عن ابن أبي ذؤيب، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""سلوا الله لي الوسيلة، فإِنه لم يسألها لي عبد في الدنيا، إلا كنت له شفيعاً- أو شهيداً- يوم القيامة. قال الطبراني: لم يروه عن ابن أبي ذؤيب إلا موسى بن أعين. ذكر بُنيان قُصورُ الْجنَّةِ مِمَّ هُوَ قال أحمد: حدثنا أبو النضر، وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سعد أبو مجاهد الطائي، حدثنا أبو مدله المدني مولى أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، أنه سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله: إِذا رأيناك رقت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة، وإِذا فارقناك، أعجبتنا الدنيا، وشمنا النساء والأولاد، فقال: لو تكونوا أو قال: لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون لكي يغفر لكم، قال قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة: ما بناؤها? قال: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم، ولا يبأس، ويخلد، ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه". ورواه الترمذي: من حديث عبد الله بن نمير، عن سعدان التيمي- وكان ثقة- عن سعد أبي مجاهد الطائي،- وكان ثقة- وقال: حسن، ووقع توثيق هذين الرجلين في رواية ابن نمير. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن المثنى البزار، حدثنا محمد بن زياد الكلبي، حدثنا نفيس بن حنين، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدن بيده، لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها: انطقي: فقالت: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ". فقال الله: "وعزتي وجلالي، لا يجاورني فيك بخيل". ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ يُوقَ شحَّ نَفْسِهِ فَأولئِكَ هُم المُفْلِحُونَ". وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا القاسم بن المغيرة الجوهري، حدثنا عفان بن سعيد المقري، حدثنا علي بن صالح، عن أبي ربيعة، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة فقال: "من يدخل الجنة يحيى ولا يمت، وينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه قيل: يا رسول الله: كيف بناؤها? قال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران". وقال البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا يونس بن عبيد الله العمري، حدثنا عيسى بن الفضل، حدثنا الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك، ثم قال لها: تكلمي فقالت: "قَدْ أفْلَحَ الْمُومِنُونَ".. فقالت الملائكة: "طوباك منزلة الملوك". وقد رواه البيهقي: وغيره: فقال الله: "طوباك منزلة الملوك". وقد رواه وهب، عن الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، موقوفاً.. وفي حديث داود بن أبي هند، عن أنس، مرفوعاً "إن الله بنى الفردوس بيده، وحظرها على كل مشرك وكل مدمن خمر، سكير". وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن عاصم، عن عمر بن ربيعة، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: قيل: يارسول الله كيف بناء الجنة. فقال: "لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران". الملاط: هو الطين الذي يجعل بين الأحجار في البناء، ليجتمع بعضها إلى بعض. وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، حدثنا صفوان بن عمر، عن مهاجر بن ميمون، عن فاطمة رضي الله عنها، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أين أمنا خديجة? قال: "في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم، وآسية امرأة فرعون". قالت: أمن هذا القصب? قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت". قال الطبراني: لا يروى عن فاطمة إلا بهذا الإِسناد. تفرد به صفوان بن عمرو. وقلت: وهو حديث غريب. وله شاهد في الصحيح: "إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب". قال بعض العلماء: إنما كان بيتها من قصب اللؤلؤ، لأنها حازت قصب السبق في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بعثه الله عز وجل، كما يدل عليه حديث أول البعثة، فإِنها أول من آمن، حيث قالت- وقد أخبرها خبر ما رأى- وقال: "لقد خشيت على عقلي" قالت: "كلا: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر". وأما ذكر مريم وآسية في هذا الحديث، ففيه إشعار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج بهما في الدار الآخرة، وقد حاول بعضهم أن يأخذ ذلك من القرآن في سورة: "يا أيُّهَا النبي لِمَ تُحَرِّمُ". في قوله: "ثَيبَات وأبْكَاراً". ثم ذكرت آسية ومريم في آخر السورة. يروى مثل هذا عن البراء بن عازب، أو عن غيره من السلف، والله أعلم. فضل قيام الليل وإطعام الطعام وكثرة الصيام وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا ابن المنذر الطريفي، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فقيل لرسول الله: لمن هي? قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام". ورواه الترمذي: عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديثه. وروى الطبراني: من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا معاوية بن سلام، عن يزيد بن سلام، حدثني أبو سلام، حدثني أبو موسى الأشعري، حدثني أبو مالك الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". وروى الطبراني أيضاً: من حديث ابن وهب، حدثني حيي، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها". قال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله? قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، و بات قائْماً والناس نيام". قال الحافظ الضياء: هذا عندي إسناد حسن، وذكر أبي مالك فيه مما يدل على صحته، لأنه قد رواه وإسناد حديثه أيضاً. وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة، أبوابه ومصاريعه وسقفه. وفي حديث آخر: "سقوف الجنة نور، تتلالأ كالبرق اللامع، لولا أن الله يثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها". وقال البيهقي: أخبرنا أبو الخبر بن بشران، أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور، حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن، سمعت محمد بن واسع يذكر عن جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بغرف الجنة? قال: قلنا: بلى يا رسول الله: بأبينا أنت وأمنا. قال: إن في الجنة غرفاً من أصناف الجوهر كله، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم واللذات والشفوف مالا عين رأت ولا أذن سمعت. قال: قلنا يا رسول الله: ولمن هذه الغرف? قال: لمن أفشى السلام وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". قال: قلنا: يا رسول الله: ومن يطيق ذلك. قال: أمتي تطيق ذلك، وسأخبركم عن ذلك، من لقي أخاه فسلم عليه، ورد عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم عياله، وأهله، حتى يشبعهم، فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان، ومن كل شهر ثلاثة أيام، فقد أدام الصيام، ومن صلى العشاء الأخيرة وصلى الغداة في جماعة، فقد صلى بالليل والناس نيام، اليهود والنصارى والمجوس". ثم قال البيهقي: وهذا الإِسناد غير قوي، إلا أنه بالإِسنادين يقوي بعضه ببعض، والله أعلم. قال: وروي بإِسناد آخر عن جابر. ثم أورده من طريق علي بن حرب، عن حفص بن عمرو، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعاً بنحوه. وروى البيهقي: من حديث حسن بن فرقد، عن الحسن البصري، عن عمران بن حصين، وأبي، قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: "وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ". فقال: "قصر من لؤلؤ، في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء، في كل بيت سرير، على كل سريرسبعون فراشاً، من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطي المؤمن ما يأتي على ذلك كله أجمع". قلت: وهذا الحديث غريب فإن هذا الجسر ضعيف جداً، وإذا كان الجسر ضعيفاً فلا يملك الاتصال.. وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليحاز الرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة، في ذلك القصر سبعون غرفة، في كل غرفة زوجة من الحور العين، في كل غرفة سبعون باباً، تدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة سوى الرائحة التي تدخل عليه من الباب الآخر". ثم قرأَ: "فَلاَ تَعْلَم نَفْسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْملون". قلت: وقد رواه الإِمام أحمد، عن حسن، عن ابن لهيعة.. حدثني حيي بن عبد الله بن شريح المعافري، فذكر بإِسناده مثله، غير أنه قال: فقال أبو موسى الأشعري، لمن هي يا رسول الله. والله أعلم. وذكر القرطبي: من طريق أبي هدية بن إبراهيم بن هدية، عن أنس بن مالك، مرفوعاً: "إن في الجنة غرفاً ليس فيها معاليق من فوقها، ولا عمد من تحتها، قيل يا رسول الله: وكيف يدخلها أهلها? قال: يدخلونها أشباه الطير. قيل: يا رسول الله: لمن هي? قال: لأهل الأسقام، والأوجاع، والبلوى". ذكر الخيَام في الْجنَّة قال الله تعالى: "حورٌ مَقْصُورَاتٌ في الْخِيَام فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمِا تُكًذبَانِ". وثبت في الصحيحين: واللفظ لمسلم: من حديث أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، قال: قال رسولى الله صلى الله عليه وسلم: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً" . وفي رواية للبخاري: "ثلاثون ميلاً" وصح. "ستون ميلاً". وقال أبو بكَر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن حفص، حدثنا منصور، حدثنا يوسف بن الصباح، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: "الخيمة من درة مجوفة، طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، ولها ألف باب من ذهب، حولها سرادق دورة خمسون فرسخاً، يدخل عليه من كل باب بهدية من الله عز وجل، وذلك قوله: "والمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَابٍ". وقال ابن المبارك: أخبرنا همام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "الخيمة درة، من درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب". وقال قتادة: عن خالد العصري عن أبي الدرداء قال: "الخيمة لؤلؤة واحدة، لها سبعون باباً كلها من در". ذكر تربَة الجَنَّة ثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن أنس بن مالك، عن أبي ذر، في حديث المعراج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدخلت الجنة فإذا فيها جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". وقال الإِمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد، حدثنا الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ابن صائد عن تربة الجنة فقال: "هي در مكة بيضاء، مسك خالص". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق". هكذا رواه الإِمام أحمد: ورواه مسلم: من حديث أبي سلمة، عن أبي نضرة بنحوه، وقد رواه مسلم أيضاً: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: "هي درمكة بيضاء مسك خالص". وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليهود: "إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي درمكة بيضاء، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخبز من الدر". وتقدم في حديث أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما: في صفة بناء الجنة، أن: "ملاطها المسك، وحصباءها اللؤلؤ، والياقوت، وترابها الزعفران". والملاط في اللغة: عبارة عن الطين الذي يجعل بين ساقي البناء، يملط به الحائط، فلعل بعض بقاعها ترابه المسك، وبعضها ترابه الزعفران، والله أعلم. ومع هذه العظمة والاتساع، فقد تقدم في الصحيح عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقاب قوس أحدكم أو موضع قده خير من الدنيا وما فيها". وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن تمام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من السماء والأرض". على شرط الشيخين. وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سليمان بن جنيد حدثه: أن عامر بن سعد بن أبي وقاص- قال سليمان: لا أعلم ألا أنه حدثني عن أبيه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أقل نور من الجنة ظهر للدنيا، لزخرف له ما بين السماء والأرض". ذكر أنهار الجنة وأشجارها وثمارها قال الله تعالى: "تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ". وقال: "مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ". وقال الله تعالى: "مَثَلُ الْجنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْر ِآسِن وَأنْهَارٌ مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغيَّرْ طَعْمُهُ وَأنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأنْهَارٌ مِنْ عَسَل مُصًفَّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ". وقال تعالى: "مَثَلُ الجنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أكُلُهَا دَائِم وَظِلهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ". وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الحريري، عن حكيم بن معاوية بن أبي بهز، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الجنة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد". رواه الترمذي، عن بندار، عن يزيد بن هارون به، وقال: حسن صحيح، وقال أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عبد الله بن محمد بن السمان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإِيادي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تظنون أن لأنهار الجنة حدوداً في الأرض. لا والله، إنها لسابحة على وجه الأرض، حافاتها اللؤلؤ، وقبابها اللؤلؤ، وطيبها المسك الأذفر". وقد قيل: يا رسول الله: وما الأذفر? قال: " لذي لا خلط له". وقد رواه ابن أبي الدنيا: عن يعقوب بن عبيد، عن يزيد بن هارون، به، موقوفاً، وروى البيهقي: عن الحاكم، وغيره، عن الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن أبي ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبداللة بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركه في الدنيا، ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة، فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعاً، لكانت حلية أدنى أهل الجنة، أفضل من حلية أهل الدنيا جميعاً". وروي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن عبد الله، قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك". قلت: وهذا بالموقوف أصح. صِفَة الكَوثر وَهُوَ أَشْهَر أَنهار الْجَنَّة سَقَانا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بمنِّهِ وَكَرَمِهِ قال الله تعالى: "إِنَّا اعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِربِّكَ وانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر". وثبت في صحيح مسلم: من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت عليه هذه السورة قال: "أتدرون ما الكوثر? قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل، عليه خير كثير". وفي الصحيحين: من حديث سنان، عن قتادة، عن أنس، في حديث المعراج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت على نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل? قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل". ورواه أحمد: عن ابن عدي، عن حميد، عن أنس، به. وفي رواية: "فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر". ولهذا طرق كثيرة: عن أنس، وغيره من الصحابة، وله ألفاظ متعددة. قال أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكوثر نهر في الجنة، وعدنيه ربي عز وجل". ورواه مسلم: عن أبي كريب، عن ابن فضيل. وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت الكوثر، فإذا نهر يجري على وجه الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً، فضربت بيدي إلى ترتبه، فإذا ترابه مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ". قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني محمد بن عبيد الله ابن شهاب ابن أخي شهاب، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: "هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور". فقال أبو بكر: يا رسول الله: إنها لناعمة: فقال: "أكلها أنعم منها". وقال الحاكم: أخبرنا الأصم، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا إدريس بن يحيى، حدثني الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن حصين بن محصن الخطمي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة طيراً أمثال البخاتي". فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله: "فقال: "أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر". ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة: عن قتادة، مرسلاً. وقال أحمد: حدثنا مسلمة الخراجي، حدثنا ثابت، عن يزيد بن المهاد، عن عبد الوهاب بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مسلم، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال: "نهر أعطانيه الله عز وجل، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه طير أعناقها كأعناق الجزور". فقال عمر: يا رسول الله: إن تلك الطيور الناعمة? فقال: "أكلها أنعم منها يا عمر". وكذلك رواه الدراوردي: عن ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس. رواية ابن عمر قال أحمد: حدثنا ابن حفص، أخبرنا ورقاء، قال: وقال عطاء: عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ، إن ماءه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل". وقد رواه إسماعيل بن علية، ومحمد بن فضيل: عن عطاء بن السائب، عن محارب، عن ابن عمر، مرفوعاً: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه الذهب، مجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، ماؤه أشد بياضاً من الثلج". وفي رواية: "أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن الزبد". وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، من حديث محمد بن فضيل، وقال الترمذي: حسن صحيح. رواية ابن عباس قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في الكوثر: "هو الخير الذي أعطاه الله إياه". قال ابن بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه". وقد روى ابن جرير: عن أبي كريب، حدثنا عمر بن عبيد? عن عطاء بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل". كذا رواه العوفي، عن ابن عباس. رواية عاثشة قال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قال: سألتها عن قوله تعالى: "إِنَّا أعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" فقالت: "الكوثر نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه در مجوف آنيته كعدد النجوم". ثم قال البخاري: وقد رواه زكريا، وأبو الأحوص، ومطرف، عن أبي إسحاق، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "هو الجنة". وقالت عائشة: "هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر". وروى ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: "من أحب أن يسمع، خرير الكوثر- أي صوت سير مياهه- فإنه لا يسمعه بعينه، بل إن دويه كدوي ما يسمع إذا وضع الإِنسان إصبعيه في أذنيه". ذكر نهر البيدخ في الجنة قال أحمد: حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: "هل رأى أحد منكم رؤيا? قال: فإذا رأى الرجل رؤيا، يسأل عنه، فإذا كان ليس به بأس، أعجب برؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله: رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت وجبة انتحب لها أهل الجنة، فنظرت، فإذا قد جيء بفلان ابن فلان، وفلان ابن فلان، حتى عددت اثني عشر رجلاً، وقد بعثت رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك، قال: فجيء بهم، عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى البيدخ قال نهر البيدخ- قال: فغمسوا فيه، فخرجوا وجوههم كالقمر ليلة البدر، قالت: ثم أتوا بكراسي من ذهب، فقعدوا عليها، فأتى بصحفة أو مبكلة فيها بسر فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية، فقال: يا رسول الله: كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عدَّ الاثني عشر الذين عدتهم المرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليَّ بالمرأة، فجاءت، فقال: قضي على هذا رؤياك: فقصت، فقال: هو كما قالت يا رسول الله. نهر بَارق عَلَى بَاب الْجَنَّة قال أحمد: حدثنا يعقوب: حدثنا أبي، عن ابن سحاق، عن الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر على باب الجنة في قبة خضراء، يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً". في حديث الإِسراء: في ذكر سدرة المنهى قال: "فإذا بها يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران، فالباطنان في الجنة والظاهران النيل والفرات". وفي مسند أحمد، وصحيح مسلم، واللفظ له: من حديث عبيد الله بن عمر، عن حبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي بريزة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيحان وجيحان والفرات والنيل وكل من أنهار الجنة". وروى الحافظ الضياء: من طريق عثمان بن سعيد بن سابق، عن سلمة بن علي الخشني، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل الله من الجنة خمسة أنهار: سيحون، وهو نهر الهند، وجيحون، وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل، وهو نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة، من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، من أصناف معايشهم، فذلك قوله تعالى: "وَأنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ ماءً بِقدَر فَأسْكَنَّاهُ في الأرْض". فإذا كان خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله جبريل، فرفع من الأرض القرآن العظيم، والعلم كله، والحجر الأسود، من ركن البيت بمقام إبراهيم، وتابوت موسى، بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فرفع كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: "وَإنَّا عَلَى ذهابٍ بِهِ لَقَادرُونَ". "فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض، فقد حرم أهلها خير الدنيا والآخرة". وهذا حديث غريب جداً، بل منكر، ومسلمة بن علي ضعيف الحديث عند الأئمة... وقد وصف الله سبحانه وتعالى أنهار الجنة بكثرة الجريان، وأن أهل الجنة يجرونها حيث شاءوا أي يستنبطونها في أي المحال أحبوا، يبعث لهم العيون بفنون المسارب والمياه، وقد قال ابن مسعود: "ما في الجنة عين إلا تنبع من تحت جبل مسكة". وروى الأعمش: عن عمر بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، أنه قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك". وقد جاء هذا الحديث مرفوعاً، رواه الحاكم في مستدركه فقال: أخبرنا الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أسد بن موسى، حدثنا ابن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يسقيه الله من الخمرة في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سرَّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعاً لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعاً". فصل أشجار الجنة قال الله تعالى: "وَائَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً لَهُمْ فِيهَا أزْوَاج مُطَهَّرَةٌ ونُدْخِلُهُمْ ظِلاً ظَلِيلا". وقال تعالى: "ذَوَاتَا أفْنَان فَبِأيِّ آلاَء رَبكُمَا تُكَذبَانِ". والأفنان: الأغصان. وقال تعالى: "مُدهامَّتَانِ". أي مائلتان إلى السواد، من شدة خضرتهما، واشتباك أشجارهما. وقال تعالى: "مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنُهَا مِنْ إسْتَبْرَق وَجَنَى الْجَنَّتَيْن". أي قريب من التناول وهم على الفراش. كما قال تعالى: "قُطُوفُهَا دَانِيَة". وقال تعالى: "وَذللَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا". وقال تعالى: "وَأصحَابُ الْيَمِين مَا أصحَابُ اليَمِين فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْح مَنْضُودٍ "وَظِل مَمدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ "وَفاكهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ "وَفُرُش مَرْفُوعَةٍ". وقال تعالى: "فِيهِمَا فاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّانٌ". وقال تعالى: "فِيهِمَا مِنْ كُل فاكِهَةٍ زَوْجَانِ". وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات الفرار، عن أبيه، عن جده، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب". وكذا رواه الترمذي: عن أبي سعيد، عبد الله بن سعيد الكندي الأشج- وقال: حسن صحيح. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وفروعها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم، وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء. أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن من الزبد، ليس فيه عجم". وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا ربعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "الظل الممدود شجرة في الجنة، على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام، أي كل نواحيها قال: فيخرج إليها أهل الجنة، أهل الغرف، وغيرهم فيتحدثون في ظلها". قال: "فيشتهي بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحاً من الجنة، فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا". في الجنة شجرة يسير راكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها ثبت في الصحيحن: من رواية وهب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" . قال: فحدثت به النعمان بن أبي العباس الزرقي: فقال: حدثني أبوسعيد الخدري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها". وفي صحيح البخاري: من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: "وَظِلٍّ مَمْدُودٍ". قال: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها". وقال أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة". اقرأوا إن شئتم: "وَظِلّ مَمْدُودٍ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب". ورواه البخاري: عن محمد بن سنان، عن فليح. ولمسلم: من طريق الأعرج: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، لا يقطعها". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ليث بن سويد، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المدني عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة". قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها". طريق أخرى قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج، عن عقبة، سمعت أبا الضحاك تحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين- أو مائة- سنة هي شجرة الخلد". شَجَرة طوبى قال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبيد الله السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض، وذكر الجنة، فقال الأعرابي: فيها فاكهة. قال: نعم. وفيها شجرة تدعى طوبى? فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه? قال: ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت الشام? قال: لا. قال: تشبه شجرة بالشام، تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها. قال: ما عظم أصلها? قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك، ما أحطت بأصلها حتى ينكسر عرقوبها هرماً. قال: فيها عنب? قال: نعم. قال: فما عظم العنقود? قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر. قال: فما عظم الحبة أنتخذ منها دلواً? قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الجنة لتسعني وأهل بيتي? قال: وعامة عشيرتك. وقال حرملة عن عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، أن دراجاً حدثه، أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فقال: "طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني " فقال رجل: يا رسول الله: وما طوبى? قال: شجرة في الجنة، مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها". سِدرَة المُنْتَهى قال الله تعالى: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلةً أخْرَى عِنْدَ سدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنَّة الْمَأوى إذ يَغْشَى السدْرَةَ مَا يغْشَى مَا زَاغَ الْبصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبهِ الكُبْرى". وذكرنا في التفسير: أنه غشيها نور الرب جل جلاله، وأنه غشيتها الملائكة، عليها مثل الغربان، يعني كثرة- وأنه غشيتها فراش من ذهب، وغشيتها ألوان متعددة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغشاها الألوان، لا أدري ماهي، ما يستطيع أحد أن ينعتها". وفي الصحيحين: عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث المعراج: "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، في السماء السابعة، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، وإذا هي يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، قلت: يا جبريل: ما هذا? قال: أما النهران الباطنان ففي الجنة، وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات". وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى- فقال: "يسير في ظل العين منها الراكب مائة سنة- أو قال-: يستظل في ظل العين منها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبيد الله بن عثمان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: "إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم: قال: أقبل أعرابي يوماً فقال: يارسول الله: ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها بشوكها". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس الله يقول: "فِي سدْرٍ مخْضُودٍ". خضد الله شوكه، فجعل الله مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً ينفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً، ما فيها لون يشبه الآخر". وقد روى هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر. فقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا حبيب بن عتبة بن عبد السلام قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله: أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكبر شوكاً منها:- يعني الطلح-: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام، لا يشبه منها لون لوناً آخر". والملبود: الذي يتلبد صوفه بعضه على بعض. وروى الترمذي: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد: اقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. ثم قال: حسن غريب. وفي الباب عن أبي هريرة، وقد روى ابن ماجه: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه وهو يغرس غرساً، فقال: "ألا أدلك على غراس خير من هذا? سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة". وروى الترمذي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له شجرة في الجنة" ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. |
ج م لا
مدونة في وداع الله يا امي/يا الله /جاري جاري / مدونات لا شرك لا شرك /قانون الحق الالهي/نوتة الصلاة //في وداع الله يااماي/تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست/اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا/حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين/قانون الحق الالهي اا./قانون الحق الالهي/قانون العدل الالهي/قانون ثبات سنة الله في الخلق/كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين/مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27/المدونة التعليمية المساعدة/مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية/أمي الحنون الغالية/الكشكول الأبيض2ثانوي/الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم /ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة} /ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد //الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث //الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي //الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي //الخلاصة الحثيثة في الفيزياء //الديوان الشامل لاحكام الطلاق //السيرة النبوية //الطلاق المختلف عليه//الفيزياء الثالث الثانوي روابط //اللغة الفرنسية 2ثانوي //الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول//المنهج في الطلاق //النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 //النخبة في شرعة الطلاق //الهندسة بأفرعها //بيت المعرفة العامة //ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. //تفوق وانطلق للعلا //ثالثة ثانوي مدونة//ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني //روابط المواقع التعليمية //روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام//رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني //عبد الواحد ترم أول2ثانوي //عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2.//علم المناعة //فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول//فيزياء ثاني ثانوي ترم أول //فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني //كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري //كتاب الزكاة //كتب ثاني ثانوي ترم1و2 //كشكول //كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني //كيمياء ثاني ثانوي ترم أول //لغة انجليزية2ث.ترم أول //مدونة الأميرة الصغيرة//أسماء صلاح التعليمية 3ث //مدونة الإختصارات //مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة/الطلاق7/5هـ//مدونة اللغة الإيطالية //مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية //مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني//مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول //منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام //ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول //نهاية البداية
ممـــــ
برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد/برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد// الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَ... أقوال النووي في المتأولات*النووي وقواعده الفجة في التأويل في كتابه: الم.نصوص الشفاعة كيف فهمها الناس وكيف تربصوا بها وحادولتوبة هي كل الاسلامفاستبدلوا اشارة الشرع الي الكلام عن ذات المؤمن بإ الشئ هو أقل مخلوق في الوجود (مثقال الذرة التوبة فرض وتكليف لا يقوم الإسلام إلا بها*التوبة هي كل الإسلامهل من قال لا اله الا الله الشواهد علي صحة من قاللماذا قالوا أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فهرست مدونة قانون الحق الالهيمن قانون الحق الالهي عرض آخر لمصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه.الفرق بين التعامل بين المسلمين وبعضهم وبين الله وا../ .........................
.........................
دليل المدونات العلمية
مدونة في وداع الله يا امي /يا الله /جاري جاري /مدونات لا شرك لا شرك / قانون الحق الالهي /نوتة الصلاة /في وداع الله يااماي /تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست /اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /قانون الحق الالهي اا. /قانون الحق الالهي /قانون العدل الالهي /قانون ثبات سنة الله في الخلق /كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27 . المدونة التعليمية المساعدة /مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية /أمي الحنون الغالية /الكشكول الأبيض2ثانوي /(الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم / 2ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة / 2ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /الديوان الشامل لاحكام الطلاق /السيرة النبوية /الطلاق المختلف عليه /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /اللغة الفرنسية 2ثانوي /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /المنهج في الطلاق /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /النخبة في شرعة الطلاق /الهندسة بأفرعها /بيت المعرفة العامة /ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. /تفوق وانطلق للعلا /ثالثة ثانوي مدونة /ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني /روابط المواقع التعليمية /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني /عبد الواحد ترم أول2ثانوي /عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2. /علم المناعة /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /فيزياء ثاني ثانوي ترم أول /فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني /كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري /كتاب الزكاة /كتب ثاني ثانوي ترم1و2 /كشكول /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /كيمياء ثاني ثانوي ترم أول /لغة انجليزية2ث.ترم أول /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة الإختصارات /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /مدونة اللغة الإيطالية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /نهاية البداية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق