وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار الصيرفي، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حصين بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر، عن ابن مسعود قال: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمرك فيم أفنيت وعن شبابك فيم أبليت وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته وما عملت فيما علمت.
وروى البيهقي: من طريق عبد الله عن شريك بن عبد الله، عن هلال، عن عبد الله بن عليم قال: كان عبد الله بن مسعود إذا حدث بهذا الحديث قال: "ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي ما غرك بي؟ ماذا عملت فيما علمت؟ ماذا أجبت المرسلين؟ ". هكذا رواه الحافظ البيهقي بعد الحديث الذي رواه هو من طريق محمد بن خليفة، عن عدي بن حاتم، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "وليقفن أحدكم بين يدي الله تعالى ليس بينه وبينه حجاب يحجبه، ولا ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أوتك مالا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أرسل إليك رسولا؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة" . وقد رواه البخاري في صحيحه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذ بيد ابن عمر فجاءه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول له: أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أن قد هلك، قال الله تعالى: "فإني سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكفار والمتملقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين". وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.
وقال أحمد: حدثنا بهز، وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك ترأس وترتع، فأين شكر ذلك؟".
روى مسلم من حديث سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في حديث طويل قال فيه: "فيلقى الله العبد فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأزوجك، وأسودك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس وتربع. فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: إني أنساك، كما نسيتني، ثم يلقى الثالث، فيقول له: مثل ذلك، فيقول يا رب آمنت بك، وبكتابك، و برسولك وصليت، وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، قال: فيقول فها هنا إذا، قال: ثم يقال: الآن نبعث شاهدنا عليك، فيذكر في نفسه: من الذي يشهد علي. فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه، فتنطق، فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله ما كان، ذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه، ثم ينادي مناد: أتبعت كل أمة ما كانت تعبد. وسيأتي الحديث بطوله.
وقد روى البزار، عن عبد الله بن محمد الزهري، عن مالك، عن سعيد بن الحسن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد رفعاه إلى رسول الله ﷺ، فذكر مثله.
وقد روى مسلم والبيهقي واللفظ له من حديث سفيان الثوري، عن عبيد، عن فضيل بن عمرو، عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله ﷺ فضحك وقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة. يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال: فيقول الله: "كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم الله على فيه ويقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل". وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله، فجحد، وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك: فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك، عشيرتك فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله، وتشهد عليهم ألسنتهم، ويدخلهم النار".
وروى أحمد والبيهقي من حديث يزيد بن هارون، عن الحريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: "تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفه"..
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، أخبرنا محمد محمد بن الحسن المحزومي، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب، عن عطاء ابن زيد، عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها، ورجلاها، يشهدان عليها بما كانت تعيب لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها، ثم يدعي بالرجل وخدمه مثل ذلك، ثم يدعى بأهل الإسراف، فما يؤخذ منهم دوانيق، ولا قراريط، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد، فيقال: ردوهم إلى النار، فما أدري أيدخلوها، أم كما قال الله تعالى؟ "وإن منكم إلا واردها، كان على ر بك حتما مقضيا ثم تنجي الذين اتقوا، ونذر الظالمين فيها جثيا".
ثم قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح، والحسن بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا يحيى بن أبى سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: "يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها". قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا، وكذا، في يوم كذا وكذا، فذلك أخبارها، رواه الترمذي والنسائي، من حديث عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب، وقال الترمذي حسن غريب صحيح.
وروى البيهقي من حديث الحسن البصري، حدثنا خصفة عم الفرزدق، أنه قال: قدمت على رسول الله ﷺ فسمعته يقرأ هذه الآية: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". فقال: والله لا أبالي أن لا أسمع غيرها، حسبي حسبي.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الوليد بن أبي الوليد، أبي عثمان المديني: أن عقبة بن مسلم حدثه، أن سيفا حدثه، أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس. فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، وخلا قلت له: أنشدك بحق وحق إلا ما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله ﷺ عقلته وعلمته ثم نشع أبو هريرة نشعة، فمكث طويلا، ثم أفاق، ثم قال: لأحدثتك حديثا حدثنيه رسول الله ﷺ؟ في هذا البيت، ما معنا أحد غيري، وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة أخرى، فمكث كذلك، ثم مسح وجهه، ثم قال أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ﷺ في هذا البيت، ما معنا، أحد غيري وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة شديدة، ثم مال حادا على وجهه، وأسند خده طويلا، ثم أفاق، فقال: قال رسول الله ﷺ: إن الله تعالى، إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعى رجل القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارىء، ألم علمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم أثناء الليل النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: إنما أردت أن يقال: فلان قارىء، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقيل فيك ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيما ذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك، قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله ﷺ على ركبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.
قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن سيفا وكان سياقا لمعاوية دخل على معاوية، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا، فقال معاوية: فقد فعل هؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا، حتى ظننا أنه هالك، ثم أفاق، ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون".
الصلاة أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد سائر عمله
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عثمان، أخبرنا محمد بن بكار بن بلال قاضي دمشق، أخبرنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أول ما يحاسب به الرجل صلاته، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، ثم يقول الله عز وجل: انظروا هل لعبدي نافلة؟ فإن كانت له نافلة أتمت بها الفريضة، ثم الفرائض كذلك". رواه الترمذي والنسائي من حديث همام، عن قتادة، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه النسائي من حديث عمران بن داود بن العوام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك هو ابن فضالة، عن الحسن، عن أبي هريرة أراه ذكره، عن النبي ﷺ: "إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإذا نقص منها قيل له: لم نقصت منها؟ فيقول: يا رب: سلطت علي ملكا شغلني عن صلاتي، فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك، فهلا سرقت لنفسك من عملك أو عمله؟ قال: فيتخذ الله عليه الحجة" وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد أخبرنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: "أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة صلاتها، ثم عن بعلها، كيف فعلت إليه؟ ". وهذا مرسل جيد.
قال أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول الله ﷺ: "تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب: أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول: يا رب: أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ويجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول الله: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام، فيقول: يا رب: إنك السلام وإني الإسلام فيقول الله: إنك على خير، اليوم بك آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبده بن عبد الرحيم المروزي: أخبرنا بقية بن الوليد الكلاعي: أخبرنا سلمة بن كلثوم، عن أنس بن مالك، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يؤتى بالحكام الظالمين يوم القيامة، بمن قضى قبلي، ومن يجيء بعدي، فيقول الله: أنتم خزان أرضي، ورعاة عبادي، وعندكم بغيتي فيقول للذي قضى قبلي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: الرحمة، فيقول الله جل جلاله: أنت أرحم بعبادي مني؟ ويقول: للذي بعدي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: غضبت لك فيقول الله: أنت أشد غضبا مني؟ فيقول الله: انطلقوا بهم، فسدوا بهم ركنا من أركان جهنم".
وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة، فقال فتية منهم: يارسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، وانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، وقالت: سوف تعلم يا غدر، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين، والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا، قال: يقول رسول الله ﷺ: صدقت كيف يقدس الله قوم لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم، وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس: أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة، فيقول: أنا الملك الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقضيها منه، حتى اللطمة. رواه أحمد، وعلقه البخاري في صحيحه.
وقال الإمام مالك رضي الله عنه، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "من كانت له مظلمة عند أخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه"، ورواه البخاري، ومسلم.
وروي ابن أبي الدنيا من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار فقال: بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقتضي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الوليد بن شجاع اليشكري، أنبأنا القاسم بن مالك المزني، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تموتن وعليك دين، فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم، إنما هي الحسنات جزاء بجزاء، ولا يظلم ربك أحدا"، وروي من وجهين آخرين، عن ابن عمر مرفوعا مثله.
الاقتصاص من الظالمين يوم القيامة
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا ابن أبي شيبة، أخبرنا بكر بن يونس بن بكير، عن موسى بن علي بن رباح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "إنه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته، فيجيء الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسنانه، فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار".
الشرك بالله لا يغفر ومظالم العباد يقتص بها حتما يوم القيامة
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن ناموس، عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك". قال الله تعالى: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة". وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء الله، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة".
وروى البيهقي من طريق زائدة، عن أبي الزناد، عن زياد النميري، عن أنس، مرفوعا: الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وهو الشرك، وظلم يغفره، وهو ظلم العباد فيما بينهم، وبين ربهم، وظلم لا يترك الله منه شيئا وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، حتى يدين بعضهم من بعض، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاش، عن أنس، مرفوعا بنحوه، وكلا الطريقين ضعيف.
القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة قال: يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي، حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيحملها، فيضعها على عاتقه، فيصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت، فهوت فهوى في أثرها أبد الأبدين". قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع، قال: فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ قال: صدق.
قال شريك: وحدثنا عباد العامري، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي ﷺ بمثله، ولم يذكر الأمانة في الصلاة، والأمانة في كل شيء، إسناده جيد... ولم يروه أحمد ولا من الستة أحد.
وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي سعيد: "أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، صابرا، محتسبا، مقبلا، غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن عمر، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير قال لما نزلت: "إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون". قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا من خواص الذنوب؟ قال: نعم، ليكررن عليكم، حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه، فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا إسحاق بن سليمان، أخبرنا أبو سنان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود قال: الأمم جاثون للحساب، فهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في الدنيا، الأب بابنه، والابن بأبيه، والأخت بأختها، والزوج بامرأته، والمرأة بزوجها، ثم تلا عبد الله: "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا عبيد بن مسلمة، عن ليث، عن نافع، عن عمر، عن النبي ﷺ قال: "يؤتى بالمليك والمملوك، والزوج والزوجة، فيحاسب المليك والمملوك والزوج والزوجة، حتى يقال خطبت فلانة مع خطاب، فزوجتكها وتركتهم".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عمرو بن حيان مولى بني تميم، حدثنا عبدة بن حميد، عن إبراهيم ابن مسلم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله يدعو العبد يوم القيامة، فيذكره ويعد دعوتني يوم كذا وكذا حتى يعد عليه فيما بعد، وقلت زوجني فلانة ويسميها باسمها فزوجناكها".
وروى من حديث ليث بن سليم، عن أبي برذة، عن عبد الله بن سلام، مرفوعا بنحوه.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثني الفضل بن عيسى، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "إن العار ليلزم العبد يوم القيامة حتى يقول: لإرسالك بي الى النار، أيسر علي مما ألقى، والله إنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب".
يسأل العبد عن النعيم يوم القيامة
قال تعالى: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم".
وفي الصحيح، أن رسول الله ﷺ لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن المنهال من تلك الشاة التي ذبحت له، وأكلوا من الرطب، وشربوا من ذلك الماء، قال: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" أي عن القيام بشكره، وماذا عملتم في مقابلة ذلك.
كما ورد في الحديت: "آدموا طعامكم بذكر الله وبالصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن ثابت، أن رجلا دخل مسجد دمشق، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليسا صالحا، فسمعه أبو الدرداء فقال: لئن قلت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "فمنهم ظالم لنفسه قال: الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك، وذلك الحزن والغم، ومنهم مقتصد، يحاسب حسابا يسيرا، ومنهم سابق بالخيرات قال: يدخل الجنة بغير حساب" وستأتي الأحاديث فيمن يدخل بغير حساب وكم عدتهم.
حديث فيه أن الله تعالى يصالح عن عبده الذي له عناية ممن ظلمه، بما يريه من قصور الجنة ونعيمها
قال أبو يعلى: حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا عبد الله بن بكير، حدثنا عباد الحنطي، عن سعيد بن أنس، عن أنس قال: بينا رسول الله ﷺ جالس، إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر. ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فقال: رجلان من أمتي، جثوا بين يدي الله عز وجل، رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، قال: يارب لم يبق من حسناتي شيء. قال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك لم يبق من حسناته شيء. قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري. قال. وفاضت عينا رسول الله ﷺ بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصورا من ذهب، مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال. يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك. قال: يا رب فإني قد عفوت عنه. قال الله تعالى: خذ بيد أخيك، فأدخله الجنة، قال رسول الله ﷺ عند ذلك: "فإن الله يصالح بين المؤمنين يوم القيامة".
إسناد غريب، وسياق غريب، ومعنى حسن عجيب، وقد رواه البيهقي من حديث عبد الله بن أبي بكر به.
وحكى البخاري أنه قال: حديث سعيد بن أنس، عن أبيه في المظالم، لا يتابع عليه، ثم أورده البيهقي من طريق زياد بن ميمون البصري، عن أنس مرفوعا بنحوه، وفيه نظر أيضا.
وقد يستشهد له بما رواه البخاري في صحيحه، من أن رسول الله ﷺ قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
وقد روى أبو داود الطيالسي، عن عبد القاهر بن السري، ورواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، من حديثه عن ابن لكنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس، أن رسول الله ﷺ دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأ اجابه الله: إني قد فعلت، إلا ظلم بعضهم بعضا، فقال: يا رب، إنك قادر أن تثبت لمظلوم خيرا من ظلمه، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة، أعاد الدعاء، فأجابه الله: إني قد غفرت لهم، فتبسم رسول الله ﷺ، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله صلى الله عليك: "تبسمت في ساعة لم تكن تبسم فيها؟ فقال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله استجاب لي في أمتي، أهوى يدعو بالويل، والثبور، ويحثو التراب على رأسه".
قال البيهقي: وهذا الغفران يحتمل أن يكون بعد عذاب يمسهم، ويحتمل أن يكون خاصا ببعض الناس، ويحتمل أن يكون عاما في كل أحد.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أو زيد بن قيس، عن قاضي المصرين شريح، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يدعو صاحب الدين يوم القيامة، فيقول: يا ابن آدم: فيم أضعت حقوق الناس؟ فيم اذهبت أموالهم؟ فيقول: يا رب لم أفسد، ولكنني أصبت، فيقول: أنا أحق من قضى عنك اليوم، فتربح حسناته على سيئاته فيؤمر إلى الجنة".
وثبت في صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي ﷺ في الرجل الذي يقول الله تعالى: أعرضوا عليه صغار ذنوبه، واتركوا كبارها، فيقال له: هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقول الله تعالى: إنا قد بدلناك مكان كل سيئة حسنة فأقول: يا رب إني قد عملت ذنوبا لا أراها هنا؟ قال: وضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه.
وتقدم في حديث عبد الله بن عمر في حديث النجوى: يدني الله العبد يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه ويقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك، قال سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ويعطي كبار حسناته بيمينه.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله: حدثنا سيار بن حاتم، أخبرنا جعفر بن سليمان، أخبرنا أبو عمران الجوني، عن أبي هريرة قال: "يدني الله العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، فيمر بالحسنة فيسر بها قبله، فيقول الله تعالى له: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد تقبلتها. قال: فيخر ساجدا قال: فيقول ارفع رأسك، وعد إلى كتابك، فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه، ويحزن بها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول الله تعالى: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب أعرف، فيقول فإني قد غفرتها لك، فلا يزال بين حسنة تقبل فيسجد، وسيئة تغفر فيسجد، لا يرى الخلائق منه إلا ذاك السجود، حتى ينادي الخلائق بعضها بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله تعالى مما قد وقف عليه".
وقال ابن أبي الدنيا، وقال ابن أبي ياسر، عمار بن نصر: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة أو غيره قال: من أوتي كتابه بيمينه أتى بكتاب في باطنه سيئاته، وظاهره حسناته، فيقال له: إقرأ كتابك فيقرأ باطنه فيساء بما فيه من سيئاته، حتى إذا أتى على آخرها قرأ فيه: هذه سيئاتك، وقد سترتها عليك في الدنيا، وغفرتها لك اليوم، ويغبطه الأشهاد، أو قال أهل الجمع، بما يقرأون في ظاهر كتابه من حسناته، ويقولون: سعد هذا، ثم يؤمر بتحويله وقراءة ما في ظاهره، فيحول الله ما كان في باطنه من سيئاته، فيجعلها الله حسنات، ويقرأ حسناته، حتى يأتي على آخرها، ثم يقول: هذه حسناتك، وقد قبلتها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: "هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه".
قال: ومن أوتي كتابه وراء ظهره، يأخذه بشماله، يقال له: اقرأ كتابك، فيقرأ كتابه، في باطنه حسناته، وفي ظاهره سيئاته، فيقرؤه أهل الجمع، ويقولون: هلك هذا، فإذا أتى على آخر حسناته، قيل: هذه حسناتك، وقد رددتها عليك، ويؤمر بتحويله، ويقرأ سيئاته حتى يأتي على آخرها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: "يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ: "يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج والبذج ولد الشاة، فيقول له ربه: أين ما خولتك؟ أين ما ملكتك؟ أين ما أعطيتك؟ فيقول: يا رب جمعته وثمرته، وتركته أكثر ما يكون فيقول: ما قدمت فيه؟ فينظر فلا يرى قدم شيئا، فليس يراجع الله بعده".
وحدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، وقتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ بنحوه، وزاد فيه فيقول: يا رب ارجعني آتك به كله، فإذا أعيد لم يقدم شيئا فيمضي به إلى النار، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس عن النبي ﷺ بنحوه، وقد قال الله تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم".
وفي الصحيح لمسلم: أن رسول الله ﷺ قال: يقول ابن آدم: مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست، فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس، وقال الله تعالى: "يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا سيف بن محمد، ابن أخت سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره، فيم أفناه؟ وعن جسده، فيم أبلاه؟ وعن علمه، ما عمل فيه؟ وعن ماله، من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وقد تقدم عن ابن مسعود نحوه. وروي عن أبي ذر قريب منه، والله أعلم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سريج بن يونس، حدثنا الوليد بن مسلم، عن المنصور بن عتيق عن مكحول، قال: قال رسول الله ﷺ: "يا غريم يا أبا الدرداء، كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة: علمت أو جهلت؟ فإن قلت: علمت فيقول: ماذا عملت فيما علمت؟ وإن قلت: جهلت، قيل: فماذا كان عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت". وقد روي من وجه آخر موقوف على أبي الدرداء فالله أعلم.
فصل قال البخاري رحمه الله باب يدعى الناس بآبائهم
ثم أورد حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، ومحمد بن بكار، قالا. حدثنا هشيم، عن داود بن عمرو، وعن عبد الله بن أبي زكريا، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم".
وقال البزار: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضيل، حدثني أبي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال النبي ﷺ: "تلقى الأرض أفلاذ كبدها، فيمر السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ويجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع الرحم، فيقول: في هذا قطعت رحمي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيا".
فصل قال الله تعالى يوم تبيض وجوه
قال الله تعالى: "يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".
وقال تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة".
وقال تعالى: "وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئد عليها غبرة قي ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة".
وقال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم، كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، ومحمد بن عثمان، ابن كرامة، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قوله تعالى: "يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا".
قال: يدعى آخرهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسده، ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ، يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد، فيقولون: اللهم ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد له في جسمه، فيراه أصحابه، فيقولون: نعوذ بالله من هذا، من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن العباس بن محمد، بن عبيد الله، بن موسى، العبسي به.
وروى ابن أبي الدنيا: عن بعض السلف، وهو الحسن البصري، أنه قال: إذا قال الله تعالى للعبد: خذوه فغلوه، ابتدره سبعون ألف ملك، فتسلسل السلسلة من فيه، فتخرج من دبره، وينظم في سلسلة كما ينظم الخرز في الخيط، ويغمس في النار، غمسة، فيخرج عظاما، فيقع، ثم تسجر تلك العظام في النار، ثم يعاد غضا طريا.
وقال بعضهم: إذا قال الله: خذوه، ابتدره أكثر من ربيعة ومضر، وعن معتمر بن سليمان، عنأبيه، أنه قال: لا يبقى شيء إلا ذمه، فيقول: ما ترحمني؟ فيقول: كيف أرحمك، ولم يرحمك أرحم الراحمين؟!
فصل
قال ابن ماجه في كتاب الرقائق من سننه: ما يرجى من رحمة الله تعالى يوم القيامة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هارون، حدثنا عبد الملك بن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "إن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين جميع الخلق، فبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة".
ورواه مسلم: عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار". انفرد به البخاري عن هذا الوجه.
ثم قال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب، وأحمد بن سنان، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ "خلق الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، فجعل في الأرض منها رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والبهائم بعضها على بعض، والطير، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة"، انفرد به، وهو على شرط الصحيحين، وورد من طرق عن أبي هريرة: أن الله كتب كتابا يوم خلق السموات والأرض: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية سبقت غضبي، وفي رواية: فهو موضوع عنده فوق العرش.
وقد قال الله تعالى: "كتب ربكم على نفسه الرحمة".
وقال: "ورحمتي وسعت كل شيء فسسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا. يؤمنون".
ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي مليكة، عن معاذ: أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم قال. أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم، وهو ثابت في صحيح البخاري، من طريق الأسود بن هلال، وأنس بن مالك، عن معاذ.
وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سهيل بن عبد الله أخو حزم القطيعي، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية: "هو أهل التقوى وأهل المغفرة".
ثم قال الله تعالى: "أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله آخر، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له".
ثم قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إبراهيم بن أعين، حدثنا اسماعيل بن يحيى الشيباني، عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنا مع النبي ﷺ في بعض غزواته فمر بقوم، فقال: من القوم؟ فقالوا: نحن المسلمون: وامرأة تحصب تنورها، ومعها ابن لها، فإذا ارتفع وهج التنور نجت به، فأتت النبي ﷺ فقالت: أنت رسول الله؟ قال: نعم: قالت: بأبي أنت وأمي، أليس الله بأرحم الراحمين؟ قال: بلى. قالت: أو ليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها. قال: بلى. فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم، ويخاطفونه". والحديث بتمامه وهو غريب جدا.
طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحنطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال: "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجعلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى".
قال شعيب: عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي ﷺ "فيحملون" وقال عقيل: "فيجلون" وقال الزبيدي: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، وهذا كله تعليق ولم أر أحدا أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث: فيجلون عنه: فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أجدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره: عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم إمام مسجد قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين عن الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقولا: لا، واعطشاه.
رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، قالت: قال النبي ﷺ: "إني على الحوض، حتى أنظر من يرد منكم علي، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب، هؤلاء مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك.
قال رسول الله ﷺ: "إن الأم لا تلقي ولدها في النار، فأكب رسول ﷺ يبكي ثم رفع رأسه إلينا، فقال: إن الله عز وجل لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد، الذي يتمرد على الله، ويأبى أن يقول لا إله الله". إسناده فيه ضعف، وسياقه فيه غرابة.
وقد قال تعالى: "لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى" الليل. وقال: "فلا صدق ولا صلى، ولكن كذب وتولى" القيامة.
الله عز وجل أرحم بعباده من المرضعة بوليدها
وقد قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قدم على النبي ﷺ سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فأرضعته، فقال النبي ﷺ: " أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي لا تقدر أن تطرحه، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها". ورواه مسلم، عن حسن الحلواني، ومحمد بن سهل بن عسكر، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسان محمد بن مطرف به، وفي رواية: "والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها".
ثم قال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، حدثنا عمرو بن هاشم، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن سعيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل النار إلا شقي، قيل: يا رسول الله: ومن الشقي؟ قال: من لم يعمل لله بطاعة، ولم يترك له معصية" إسناد هذا ضعف.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل مسلم يهودي، أو نصراني، فيقال: هذا فكاكك من النار".
وفي رواية: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه الى النار يهوديا أو نصرانيا" قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله ﷺ قال: فحلف له، وفي رواية: لمسلم أيضا، قال رسول الله ﷺ: "يجيء ناس من المسلمين يوم القيامة بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، وضعها على اليهود والنصارى".
وقال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون طويلا، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار".
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سعد أبو عيدان الشيباني، عن حماد بن سليمان، عن إبراهيم، عن صلة بن زغر، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه، الأحمق في مغيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه ".
ذكر من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب
قال! البخاري: حدثنا عمران بن ميسرة، حدثنا ابن فضيل، حدثنا حصين، وحدثنا أسيد بن زيد، حدثنا هشيم عن حصين قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: حدثني ابن عباس قال: قال النبي ﷺ: "عرضت علي الأمم، فأجد النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي معه العشرة، والنبي معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت، فإذا سواد كثير، فقال قائل: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم، لا حساب عليهم، ولا عقاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم: ثم قال رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة". ورواه مسلم، عن سعيد بن منصور، عن هشيم به بنحوه وهو أطول من هذا ثم أورد البخاري، ومسلم أيضا من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه وقال فيه: "ثم قام رجل من الأنصار فقال: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة"
حديث آخر
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: "سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي رب: إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذا أكملهم لك من الأعراب".
قال أحمد: حدثنا يزيد إسماعيل: عن زياد المخزومي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أول زمرة من أمتي تدخل الجنة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، صورة كل رجل منهم على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد ضوء كوكب من السماء، ثم هم بعد ذلك منازل".
ثم رواه أحمد عن حسن، عن ابن لهيعة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحو ما تقدم، وكذا رواه أحمد، عن ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد عن أبي أمامة كما سيأتي.
حديث آخر
ثم قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل ابن سعد، قال: قال رسول الله ﷺ: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف، -شك في إحداهما- متماسكين آخذا بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على ضوء القمر ليلة البدر". وقد رواه البخاري، ومسلم عن قتيبة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، به.
حديث آخر
وقال الإمام أحمد. حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا المسعودي، حدثني بكير بن الأخنس، عن رجل، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله ﷺ: "أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني جمع كل واحد سبعين ألفا". وقال أبو بكر: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومضيت فأتيت البوادي.
طريق آخر
وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد: عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود. "أن رسول الله ﷺ أري الأمم في النوم، فمرت عليه أمته، قال. فأعجبته كثرتهم، قد ملأوا السهل والجبل، قال. فقيل لي: إن لك مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فقام رجل آخر من الأنصار فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال ﷺ: سبقك بها عكاشة". قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط مسلم.
طريق أخرى عنه
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر: عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، عن ابن مسعود قال: أكثرنا الحديث عند رسول الله ﷺ ذات ليلة، ثم غدونا إليه فقال: "عرضت علي الأنبياء الليلة بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي ومعه العصابة، والنبي ومعه النفر، والنبي ليس معه أحد، حتى مر على موسى، معه كبكبة من بني إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل، قال: قلت: فأين أمتي؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال، ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، رضيت يا رب، قال: فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي ﷺ: فداء لكم أبي وأمي: إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفا فافعلوا؟ فإن قصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم ناسا يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني من السبعين ألفا، فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع الله يا رسول الله ﷺ أن يجعلني منهم، فقال: قد سبقك بها عكاشة" قال: ثم تحدثنا فقلنا. من ترون هؤلاء السبعين ألفا؟ فقيل: قوم ولدوا في الإسلام، لم يشركوا بالله شيئا، حتى ماتوا: فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: "هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".
حديث آخر
قال الطبراني: حدثنا محمد بن محمد الجذوعي: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله ﷺ: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول! الله. قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".
رواه مسلم عن يحيى بن خلف، عن المعتمر بن سليمان، عن هشام بن حسان، من غير ذكر عكاشة، وليس عنده في هذه الرواية يتطيرون، قال الحافظ الضياء: وقد روي عن عمران من غير طريق.
حديث آخر
قال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سصر جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ فذكر حديثا وفيه: "فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم، كأضواء نجم في السماء ثم كذلك " وذكر بقيته.
ورواه مسلم من حديث روح فلم يرفعه، وقد روى البزار، عن عمر بن إسماعيل، عن مجالد، عن أبيه، عن جده، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ نحو الذي قبله سواء.
حديث آخر
قال البزار: حدثنا محمد بن مرداس، حدثنا مبارك، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي ﷺ، أنه قال: "سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ".
طريق آخر
قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو عاصم العيلاني، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل واحد من السبعين سبعون ألفا" وهذا يحتمل أن يكون مع كل واحد من الألوف، ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الآحاد، وهو أشمل وأكثر.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر: عن قتادة، عن أنس أو عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف، فقال أبو بكر رضي الله عنه: زدنا رسول الله قال: وهكذا -وجمع كفيه- فقال: زدنا يا رسول الله قال: وهكذا. فقال عمر: حسبك يا أبا بكر. فقال أبو بكر: دعني يا عمر، وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا؟ فقال عمر: إن شاء أدخل خلقه الجنة برحمته بكف واحد". فقال النبي ﷺ "صدق عمر".
طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثنا حميد، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، قالوا: زدنا- وكان على كثيب- فحثا بيده، قالوا: زدنا يا رسول الله: فقال: هكذا، وحثا بيده، قالوا: يا نبي الله: أبعد الله من دخل النار بعد هذا".
قال الحافظ الضياء: لا أعلمه روي عن أنس إلا بهذا الإسناد، وقد سئل ابن معين عن عبد القاص فقال: صالح.
حديث آخر غريب
قال الطبراني: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي ومحمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قالا: حدثنا أبو حفص عمر بن علي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي بكر بن أنس، عن أبي بكر بن عمير، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال: هكذا بيده، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال عمر: حسبك يا عمير، فقال عمير: ما لنا ولك يا ابن الخطاب؟ وما عليك أن يدخلنا الله الجنة؟ فقال عمر: إن شاء الله أدخل الناس الجنة بحثية واحدة، فقال رسول الله ﷺ: "صدق عمر".
قال الحافظ الضياء: لا أعرف لعمير حديثا غيره.
حديث آخر غريب
قال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي ليلى عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم، فقام عكاشة فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعضهم لبعض: لو قلنا يا رسول الله ﷺ ادع الله أن يجعلنا منهم. فقال ﷺ: سبقكم بها عكاشة وصاحبه، أما إنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت ".
حديث آخر
قال أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا إسماعيل بن عباس، سمعت محمد بن زياد يحدث عن أبي أمامة الباهلي. عن النبي ﷺ، وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا أبي إسماعيل بن عياش، أخبر محمد بن زياد، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ولا عتاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل". واللفظ لابن أبي شيبة، وليس عند الطبراني مع كل ألف سبعون ألفا.
طريق أخرى عنه
قال أبو بكر بن أبي عاصم. حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ قال: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب".
قال أبو يزيد بن الأخنس: والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله ﷺ إلا مثل الذباب الأصهب في الذباب، فقال رسول الله ﷺ: "فإن الله قد وعدني سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، وزادني ثلاث حثيات ".
قال الضياء: رجاله رجال الصحيح إلا الهوزني، واسمه عامر بن عبد الله بن لحي، وما علمت فيه جرحا.
حديث آخر
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة، حدثنا محمد بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن يزيد البكالي: أن سمع عقبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله ﷺ: "إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا، وزادني ثلاث حثيات، فكبر عمر، وقال: إن السبعين الأولى يشفعهم الله في آبائهم، وأبنائهم، وعشائرهم، وأرجو أن يجعلني الله في أحد الحثيات الأواخر". قال الضياء: لا أعلم لهذا الإسناد علة، والله تعالى أعلم.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام يعني الدستوائي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، أن رفاعة الجهني حدثه قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ، حتى إذا كنا بالكديد أو قال: بقديد: فذكر حديثا قال فيه: "وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب وإني لأرجو أن يدخلها أحد من الأمم حتى تتبوأوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكنكم في الجنة".
ورواه يعقوب بن سفيان: عن آدم بن أبي إياس، عن شيبان، عن يحيى بن كثير، قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح، والله تعالى أعلم.
حديث آخر أيضا
قال الطبراني: حدثنا عمرو بن إسحاق بن زريق الحمصي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن ربي وعدني من أمتي سبعين ألفا لا يحاسبون، مع كل ألف سبعون ألفا".
حديث آخر
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله بن عامر: أن قيسا الكندي حدث: أن أبا سعيد الأنماري حدثه: أنه سمع رسول الله ﷺ قال: "إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، ويشفع كل ألف لسبعين ألفا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه".
قال قيس: فقلت لأبي سعيد: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ قال: نعم بأذني، ووعاه قلبي، قال أبو سعيد: فقال رسول الله ﷺ: "وذلك- إن شاء الله- يستوعب مهاجري أمتي، ويوفي الله بقيته من أعرابها ".
قال الطبراني: لم يرو عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد، وقد تفرد به معاوية بن سلام، وقال الحافظ الضياء، وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر، عن أبي ثوبة الربيع بن نافع بإسناده، قال أبو سعيد: فحسب ذلك عند رسول الله ﷺ فبلغ أربعة آلاف ألف ألف وسبعمائة ألف قال: فقال رسول الله ﷺ: "إن ذلك يستوعب- إن شاء الله- مهاجري أمتي ".
حديث آخر
قال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي يعلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم، فقام عكاشة: فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعض لبعض، أو قلنا: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنا منهم، قال: سبقكم بها عكاشة وصاحبه، إما أنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت".
حديث آخر
رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور، من حديث الضحاك بن نبراس، حدثني ثابت بن أسلم البناني، عن أبي يزيد المديني، عن عمرو بن حزم الأنصاري، قال: تغيب عنا رسول الله ﷺ ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة، ثم يرجع، فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا، فقلنا: يا رسول الله، احتبست عنا حتى ظننا أنه قد حدث حدث؟ فقال: "إنه لم يحدث إلا خير، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد، فوجدت ربي واحدا، ماجدا، كريما، أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا، قال قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا. قال: أكمل لك العمد من الأعراب". الضحاك هذا قد تكلموا فيه، وقال النسائي: متروك.
حديث آخر
قال الطبراني: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثنا أبي، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك قال: قال رسول الله ﷺ: "أما والذي نفس محمد بيده، ليبعثن الله بكم يوم القيامة إلى الجنة مثل الليل الأسود، زمرة جميعا، يحيطون بالأرض، تقول الملائكة، لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء".
ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف الحساب وما إليه أمرهم ففريق من الجنة وفريق من السعير
قال الله تعالى: "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون" [مريم]
وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون" وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يصدعون" [الروم]
قال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين، وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين، وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين، وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون، وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين، ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون، فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".
وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتيكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين".
وقال تعالى: "يوم يأت لا تكلم نفسن إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ".
وقال تعالى: "يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير".
وقال تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا".
وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوة فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".
والآيات في هذا كثيرة جدا، لو سردناها كلها لطال الحديث جدا، فلنذكر من الأحاديث ما يناسب هذا المقام، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل، وسنشير إليها.
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عثمان العجلي، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن مقول، عن القاسم بن الوليد في قوله تعالى: "فإذا جاءت الطامة الكبرى". قال: يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.
إيراد الأحاديث في ذلك آخر أهل الجنة دخولا اليها
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد: أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي ﷺ، وحدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله ﷺ: "هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس له دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه يوم القيامة، كذلك يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، من كان يعبد الشمس فليتبع الشمس، من كان يعبد القمر فليتبع القمر، من كان يعبد الطواغيت فليتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، حتى إذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم... قال رسول الله ﷺ: "فأكون أول من يمر، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفيه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوكة السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخذول ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله في القصاص بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه. ممن كان يشهد أن لا إله الا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم وقد انحبسوا، فيصب ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار فيقول: يا رب، قد مستني ريحها، وأحرقني حرها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول الله: لعلك إن أعطيتك ذلك لا تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ فيقول: وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من العهود والمواثيق أن لا يسأل غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، فيقول: أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك؟ فيقول:. يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقال: لك هذا ومثله".
قال أبو هريرة رضي الله عنه: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا في الجنة: قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة، لا يغير عليه شيئا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله "لك هذا ومثله" قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ولك عشرة أمثاله"، قال أبو هريرة: ومثله معه. وهكذا رواه البخاري: من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري به، وزاد فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله ﷺ قوله وله عشر أمثاله. وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إثبات أبي سعيد لما معه من زيادة الثقة المقبولة، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة كابن مسعود، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحوا. قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤيتها، قال: ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم، تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون. قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم. لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. قال: فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن مريم، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، ثم يقال: ما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تستقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله عز وجل، من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم؟ فقد ذهب الناس، فيقال: فارقنا ونحن أحوج إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنا ننتظر ربنا تعالى عز وجل، قال: فيأتيهم الجبار تعالى، عز وجل، في صورة غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا. حتى يأتينا ربنا، حتى إذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، غير الصورة التى رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، لا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: هل بينكم وبينه علامة تعرفونها؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه كما قال تعالى عز وجل: "يوم يكشف عن ساق". ويسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله: الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخر يسحب سحبا، فما أنتم بأشد منها شدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ، يقولون للجبار: إذا رأوا أنهم قد نجوا، شافعين في إخوانهم، فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يقاتلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوهم، ويحرم الله صورهم على النار، وبعضهم، قد غاص في النار إلى قدميه، وبعضهم قد غاص إلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا... قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا إن شئتم: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها".
فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار عز وجل: "بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة، فيخرج أقواما قد انحبسوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل الله في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه،. ثم يقال لهم: لكم ما رأيتم، ومثله معه".
وقال مسلم: حدثنا عبيد الله بن سعيد، وإسحاق بن منصور، كلاهما عن روح، قال عبيد الله: حدثنا روح بن عبادة القيسي، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال: "نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول. ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنتظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم، ويتبعونه، ويعطى لكل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا يتبعه، وعلى جسر جهنم كلاليب، وحسك، يأخذ من شاء الله، ثم ينطفىء نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البر سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوء نجم في السماء، كذلك، ثم تحل الشفاعة، فيشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة. ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتون نبات الحب في السبل، ويذهب خوفه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها".
وقال مسلم: حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبو مالك، عن ربعي، عن حذيفة قالا: قال رسول الله ﷺ: "يجمع الله الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا أبواب الجنة. فيقول: هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء، اعمدوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا، فيقوم، ويؤذن له، وترسل الأمانة والرحمة فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا، فيمر بكم كالبرق قال: قلت بأبي أنت وأمي، كيف يمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ويمر كمر الريح، ثم كمر المطر، وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم، رب سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خيثمة، حدثنا عثمان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر الله الأمم في صعيد واحد، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه، مثل لكم قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم، حتى يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع فيقول: ما أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا، فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون نعم. فيقول: وكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكا، فيقول: أبشروا معشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد وعفان، عن حماد بن سلمة به مثله، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه، ولكن روى مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا".
فصل ذكر الصراط غير ما ذكر آنفا من الأحاديث الشريفة
ثم ينتهي الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف، إلى الظلمة التي دون الصراط وهي على جسر جهنم كما تقدم عن عائشة أن رسول الله ﷺ سئل أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال: "هم في الظلمة دون الجسر".
وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحالبينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم كما قال تعالى: "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغزور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير".
وقال تعالى: "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم يقولون ر بنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير".
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانىء، والحسن بن يعقوب، وإبراهيم بن عصمة. قالوا: حدثنا المزي بن خزيمة، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا عبد السلام بن حرب، أخبرنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، حدثنا المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: يجمع الله الناس يوم القيامة، فينادي مناد، يا أيها الناس: ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا؟ قال: فيتمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى تتمثل لهم الشجرة، والعود، والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيقال لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما ينطلق الناس. فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد. قال: فيقال: أتعرفون ر بكم إن رأيتموه. فيقولون: بيننا و بينه علامة إن رأيناه عرفناه. قالوا: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق. قال: فيكشف عند ذلك عن ساق، قال: فيخر- أظنه قال- من كان يعبده ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر. يريدون السجود، قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رؤوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل النخلة، بيمنيه ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، وينطفىء مرة، إذا أضاء قدم قدمه، وإذا انطفأ قام قال: فيمرون على الصراط، كحد السيف، دحض مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخريد، وتعلو يد، وتخر رجل، وتعلو رجل، وتصيب جوانبه النار، تقال: فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن رأيناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا، قال مسروق. فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديت إلا ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن: لقد حدثت هذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت، فقال عبد الله: سمعت رسول الله ﷺ يحدثه مرارا، فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك، حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه، يقول الإنسان: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا، ولكني على ذلك،... فضحك ابن مسعود ثم ذكره.
وقد أورده البيهقي بعد هذا من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود فذكره موقوفا، وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي مزاحم، حدثنا أبو سعيد المؤذن، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك، سمعت النبي ﷺ يقول: "الصراط كحد الشعرة، وكحد السيف، وإن الملائكة تحجز المؤمنين والمؤمنات، وأن جبريل عليه الصلاة والسلام يحجزني، وإني لأقول: يا رب: سلم سلم: فالزالون والزالات يومئذ كثير".
وروى البيهقي من حديث سعيد بن زيد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعا نحو ما تقدم بأبسط منه، وإسناده ضعيف، ولكن يتقوى بما قبله والله أعلم.
وقال الثوري: عن حصين، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، وحلاكم، ونجواكم، ومجالسكم فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذ ا نورك، يا فلان لا نور لك، وقرأ: "يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم".
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطي يوم القيامة نورا، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم، كما أطفىء نور المنافقين فقالوا: "ربنا أتمم لنا نورنا".
وقال إسحاق بن بشير أبو حذيفة، حدثني ابن جريج، عن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم، سترا منه على عباده، فأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا، وكل منافق نورا، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: ر بنا أتمم لنا نورنا: ولا يذكر عند ذلك أحد".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن وهب، أخبرنا عمي أبو يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن مسعود، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران، عن النبي ﷺ قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له فيرفع رأسه، فأنظر من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فأعرف أمتي من بين الأمم، فقال له رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك. قال: أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم، ووجوههم، وأعرفهم بنورهم، يسعى بين أيديهم وأيدي ذريتهم".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبده بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر. قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلى على الجنازة، وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: أيها الناس، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، في بعض تلك المواطن يغشى الناس أمر من أمر الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور، فيعطى المؤمن نورا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئا وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: "ومن لم يجعل الله لة نورا فما له من نور".
لا يستضيء الكافر والمنافق، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير ويقول المنافقون للذين آمنوا: "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا".
وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقون حيث قال: "يخادعون الله وهو خادعهم".
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئا، فيصرفون إليهم وقد: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب".
قالا: هو حائط بين الجنة والنار، وهو الذي قال الله تعالى فيه: "وبينهما حجاب".
وهذا هو الصحيح، وما روي عن عبد الله بن عمرو وكعب الأحبار عن كتب الإسرائيليين أنه سور بيت المقدس ضعيف جدا، فإن كان أراد المتكلم بهذا الكلام ضرب مثال وتقريبا للمغيب بالشاهد فذاك، ولعله مرادهم والله أعلم.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني الربيع بن ثعلب، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن المطعم بن المقدام الصنعاني وغيره، عن أحمد قال. كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لا تؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يجاء بصاحب الدنيا الذي أطاع الله فيها وماله بين يديه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: امض، فقد أديت حق الله في؟، قال: ثم يجاء بصاحب الدنيا الذي لم يطع الله فيها، ماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ألا أديت حق الله في؟ فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور".
وعن عبيد بن عمير، أنه كان يقول: "أيها الناس إنه جسر مجسور، أعلاه دحض مزلة، والملائكة على جنبات الجسر يقولون: رب سلم قال: وإن الصراط مثل السيف على جسر جهنم، وإن عليه كلاليب وحسكا، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلاب الواحد أكثر من ربيعة ومضر".
وعن سعيد بن أبي هلال قال: "بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو على الجسر يكون على بعض الناس أدق من الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع" ر واه ابن أبي الدنيا.
وقال أيضا: حدثني الخليل بن عمرو، حدثنا ابن السماك، عن أبي واعظ الزاهد قال: "بلغني أن الصراط ثلاثة آلاف سنة. ألف سنة يصعد الناس عليه، وألف سنة يستوي الناس، وألف سنة يهبط الناس".
وقال أيضا، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شريك عن أبي قتادة، عن سالم بن أبي الجعد قال: إن جهنم ثلاثة قناطر: قنطرة عليها الأمانة، وقنطرة عليها الرحم، وقنطرة عليها الله، وهي المرصاد فمن نجا من هاتين لم ينج من هذه ثم قرأ: "إن ربك لبالمرصاد".
وقال عبيد الله بن الفراء: "يمد الصراط يوم القيامة بين الأمانة والرحم، وينادي مناد: ألا من أدى الأمانة، ووصل الرحم، فليمض آمنا غير خائف". رواه ابن أبي الدنيا.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس، حدثنا أبو ثوبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الرحمن، حدثني رجل من كندة قال: دخلت على عائشة وبيني وبينها حجاب، فقلت: إن في نفسي حاجة لم أجد أحدا يشفيني منها، قالت لي: مم أنت؟ قلت: من كندة، قالت: من أي الأجناد أنت؟ قلت: من أهل حمص، قالت: ما حاجتك؟ قلت: أحدثك رسول الله ﷺ أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا، وأنا وهو في شعار واحد، فقال: نعم حين يوضع الصراط، لا أملك لأحد شيئا، حتى أعلم أين يسلك بي، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ما يفعل بي، وعند الجسر حين يستحد ويستحر قال: وما يستحد ويستحر؟ قال: يستحد حتى يكون مثل شعرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمر، فأما المؤمن فيجتازه ولا يضره، وأما المنافق فيتعلق حتى يبلغ أوسطه حر في قدميه، فيهوي بيده إلى قدميه، قالت: هل رأيت من يسعى حافيا فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ من قدميه؟ فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه وقدميه، فيضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه، فيقذف به في جهنم، يهوي فيها مقدار خمسين عاما، فقلت: ما مثل الرجل؟ قالت: مثل عشر خلفات سمان، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم، فيؤخذ بالنواصي والأقدام.
قال الله تعالى: "فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة، أنه سيجمع بني آدم، ممن كان يطيع الشياطين في جهنم جثيا، أي جلوسا على الركب كما قال: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها".
وعن ابن مسعود: قياما وهم يعاينون هولها، ومكاره منظرها، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة كما قال تعالى: "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ر بك وعدا مسئولا".
وقال تعالى: "لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم".
ثم أقسم الله تعالى أن الخلائق كلهم سيرون جهنم فقال تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا".
قال ابن مسعود: قسما واجبا. وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم". وروى الإمام أحمد، عن حسن، عن ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ، بن أنس، عن أبيه: أن رسول الله ﷺ قال: "من حرس من وراء المسلمين متطوعا، لا بأجر سلطان، لم ير النار بعينه، إلا تحلة القسم".
قال الله تعالى: "وإن منكم إلا واردها" وقد ذكر تمام الحديث، وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود، وما هو، والأظهر كما قررناه في التفسير أنه المرور على الصراط ".
قال الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".
وقال مجاهد: الحمى حظ كل مؤمن من النار: "وإن منكم إلا واردها".
وقد روى ابن جرير: حدثنا بشبه هذا فقال، حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عبد الرحمن، عن تميم، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله ﷺ يعود رجلا من أصحابه وعكا وأنا معه ثم قال: "إن الله تعالى يقول: "هي نار أسلطها على عبدي المؤمن، لتكون حظه من النار، في الآخرة". وهذا إسناد حسن.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، في تفسير قول الله تعالى: "وإن منكم إلا واردها" قال: قال النبي ﷺ: "يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم".
وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل، عن السدي به مرفوعا، ثم رواه من حديث شعبة، عن السدي، به فوقفه، وهكذا رواه أسباط عن السدي، عن مرة، عن ابن مسعود قال: "يرد الناس جميعا الصراط، وورودهم قيامهم حول النار، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر كمر البرق، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كأجاويد الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه، ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحضا مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه عليهما ملائكة، معهم كلاليب من نار، يخطفون بها الناس". وذكر تمام الحديث، وله شواهد مما مضى، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزهراء، عن ابن مسعود قال: يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم، أولهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كأسرع البهائم كذلك، حتى يمر الرجل سعيا، حتى يمر الرجل ماشيا، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه، ثم يقول: يارب: لم أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطىء بك، إنما أبطأ بك عملك.
وروي نحوه من وجه آخر، عن ابن مسعود مرفوعا، والوقوف أصح والله أعلم، وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب الإنانة: أخبرنا محمد بن محمد بن الحجاج، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي، حدثنا علي بن الحسين أبو عبيد الله، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا أبو همام الفرسي، عن سليمان بن المغيرة، عن قيس بن قيس بن مسلم، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثا برأيك". ثم قال: وهذا غريب الإسناد، والمتن حسن أورده القرطبي.
وقال الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن معاوية، عن بكار بن أبي مروان، عن خالد بن معدان قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ فيقال: قد مررتم عليها وهي خامدة.
وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول، قاله ابن عباس وعبد الله بن رواحة، وأبو ميسرة، وغير واحد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد البرساني، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين آمنوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعا. وقال سلمان: يدخلونها جميعا، وأهوى بإصبعه إلى أذنيه وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم، حتى إن للناس ضجيجا من ورودهم، ثم تلا قول الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".
لم يخرجوه في كتبهم، وهو حسن.
وقال أبو بكر أحمد بن سليمان النجار: حدثنا أبو الحسن محمد ابن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشتجي، حدثنا سليم بن منصور بن عمار، حدثني منصور بن عمار، حدثني بشير بن طلحة الخزامي، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن رسول الله ﷺ قال: "تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جزيا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي". وهذا حديث غريب جدا..
وقال ابن المبارك: عن سفيان، عن رجل، عن خالد بن معدان قال: قالوا ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار؟ فيقال: إنكم مررتم عليها وهي خامدة.
وفي رواية عن خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا إنا نرد النار؟ فيقال: إنكم وردتموها فألفيتموها رمادا.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس قال: ذكروا ورود النار، فقال: تمسك النار بالناس بأنها تحتف إهالة، حتى تشوى عليها أقدام الخلائق، برهم وفاجرهم، ثم يناديها مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكل ولي لها والله أعلم بهم من الرجل بولده- ويخرج المؤمنين بيديه، وروى مثله عن كعب الأحبار.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إدريس حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم ميسرة امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله ﷺ في بيت حفصة، فقال: "لا يدخل النار أحد شهد بدرا، والحديبية، فقالت حفصة: أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها". فتلا رسول الله ﷺ قول الله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".
ورواه أحمد أيضا، عن معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عن أم ميسرة، عن حفصة، عن النبي ﷺ فذكر مثله، ورواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير سمع عن جابر، عن أم ميسرة، فذكر نحوه وقد تقدم، وستأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز المؤمنين على الصراط وتفاوت سيرهم عليه، بحسب أعمالهم، وقد تقدم أنه ﷺ أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط.
وعن عبد الله بن سلام: محمد ﷺ أول الرسل إجازة، ثم عيسى، ثم موسى، ثم إبراهيم، حتى يكون آخرهم إجازة نوح عليه السلام، فإذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة، يهدونهم إلى الجنة. وثبت في الصحيح: "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها- وللجنة ثمانية أبواب-: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: يا رسول الله: ما على امرء يدعى من أيها شاء من ضرورة، فهل يدعى أحد منها كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر..." وإذا دخلوا إلى الجنة هدوا إلى منازلهم، فهم أعرف بها من منازلهم التي كانت في الدنيا، كما سيأتي بيانه في الصحيح عند البخاري رحمه الله.
وقد قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عطاء بن يسار، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخل الجنة إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله، لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية"..
وقد رواه الحافظ الضياء من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، أن رسول الله ﷺ قال: "يعطى المؤمن جوازا على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لفلان، أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية".
وروى الترمذي في جامعه: عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله ﷺ: "شعار المؤمن على الصراط: رب سلم سلم: ثم قال: غريب.
وفي صحيح مسلم: "نبيكم يقول: رب سلم سلم". وجاء: أن الأنبياء تقول ذلك، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك وثبت في صحيح البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: "إذا خلص المؤمنون من الصراط، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن بدخول الجنة، فلأحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا".
وقد تكلم القرطبي في التذكرة على الحديث، وجعل هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة، وليس يسقط منه أحد في النار.
قلت : هذه بعد مجاوزة النار، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة على هول آخر، مما يعلمه الله، ولا نعلمه، وهو أعلم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا مؤيد بن سعيد، حدثنا صالح بن موسى، عن ليث، عن عثمان، عن محمد بن أنس بن مالك، قال. قال رسول الله ﷺ: "يقول الله تعالى يوم القيامة: جوزوا النار بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بفضائل أعمالكم".
وهذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن قتادة. عن عبد الله من قوله مثله، وهو منقطع، بل معضل، وقد قال بعض الوعاظ فيما حكاه القرطبي في التذكرة: "توهم نفسك يا أخي إذا سرت على الصراط، ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مدلهمة، وقد تلظى سعيرها، وعلا لهيبها وأنت تمشي أحيانا، وتزحف أحيانا أخرى، ثم أنشد:
أبت نفسي تثوب فما احتيالي.......إذا برز العباد لذي الجلال؟
وقاموا من قبورهم حيارى........بأوزار كأمثال الجبال
وقد نصب الصراط لكي يجوزوا........فمنهم من يكب على الشمال
ومنهم من يسير لدار عدن.........تلقاه العرائس بالغزالي
يقول له المهيمن: ياوليي.........غفرت لك الذنوب فلا تبالي
قال الله تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا".
ورد في الحديث: كما سيأتي: "أنهم يؤتون بنجائب من الجنة يركبونها". وفي الحديث: "أنهم يؤتون بها عند قيامهم من قبورهم".
وفي صحة ذلك نظر، إذ قد تقدم في حديث: "إن الناس كلهم يحشرون مشاة، ورسول الله ﷺ راكب ناقة، وبلال ينادي بالأذان بين يديه، فإذا قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله: صدقه الأولون والآخرون".
فإذا كان هذا من خصائص رسول الله ﷺ، فإنما يكون إتيانهم بالنجائب بعد الجواز على الصراط، وهو الأشبه والله أعلم. وقد ورد في حديث الصور: "أنه يضرب لهم حياض، بعد مجاوزة الصراط، وأنهم إذا وصلوا إلى باب الجنة يستشفعون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيكون رسول الله ﷺ هو الشفيع لهم في ذلك".
كما ثبت في الصحيح عند مسلم، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، ورواه ابن الإمام أحمد عنه، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، عن رسول الله ﷺ أنه قال. "آتي باب الجنة، فأستفتح، فيقول خازنها: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك ". وقال مسلم: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن المختار ابن فليفل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا أكثر الأنبياء تبعا ليوم القيامة وأول من يقرع باب الجنة".
وفي صحيح مسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا اشفع لنا، فيقول لهم: أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك".
وذكر تمام الحديث، وهو شاهد قوي لما ذكر في حديث الصور، من ذهابهم إلى الأنبياء مرة ثانية، يستشفعون بهم إلى الله، ليستأذنوه لهم في دخولهم الجنة، ويتعين لها رسول الله ﷺ، كما تعين للشفاعة الأولى العظمى، كما تقدم. والله أعلم.
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا سويد بن سعيد قال: كنا جلوسا عند علي فقرأ هذه الآية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا". فقال: "والله ما على أرجلهم يحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، ليركبوا عليها حتى يضربوا أبواب الجنة".
ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وزاد بعدها: "رحائل من ذهب أين منها الزبرجد" والباقي مثله.
وقال ابن حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان، حدثنا مالك إسماعيل النهدي: حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي: سمعت أبا معاذ البصري قال: إن عليا كان يوما عند رسول الله ﷺ فقرأ علي هذه الآية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا". فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله؟ فقال النبي ﷺ: "والذي نفسي بيده إنهم إذ يخرجون من قبورهم يستقبلوق، أو يؤتون بنوق بيض، لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ، كما خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى، فلا تشعث أبشارهم بعدها أبدا، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون، أو فيأتون باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون باب الحلقة على الصفائح، فسمع لها طنين، بأعلى، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيمها فيفتح له، فإذا رآه خر له. قال مسلمة: أراه قال: ساجدا فيقول: ارفع رأسك؟ إنما أنا قيمك، وكلت بأمرك، فيتبعه ويقفو أثره، فيستخف الحوراء بالعجلة، فتخرج من خيام الدر والياقوت، حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت حبي. وأنا حبك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظن، فيدخل بيتا من أسه إلى سقفه مائة ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ، طرائقه أحمر وأخضر وأصفر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها، وفي البيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه، الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن قال: صاف لا كدر فيه، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، فيستحلى الثمار، فإن شاء أكل قائما، وإن شاء متكئا ثم تلا: "ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا". فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض قال: وربما قال: أخضر، فيرفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء، ثم تطير، فيذهب، فيدخل الملك، فيقول سلام عليكم: "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون". ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لصارت الشمس معها سوادا في نور"، وقد رويناه في الجعديات من كلام علي موقوفا عليه، وهو أشبه بالصحة والله أعلم.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي قال: ذكر النار فعظم أمرها ذكرا لا أحفظه ثم تلا قول الله تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا". ثم قال: حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من قذى، أو أذى، أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم نضرة النعيم، ولم تتغير أشعارهم بعدها أبدا، ولا تشعث رؤوسهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم إذا انتهوا إلى الجنة، فقال لهم خزنتها: "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين". ثم يلقاهم الولدان: فيطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم، يقدمون عليهم فيقولون: أبشر بما أعد الله لكم من الكرامة، ثم ينطلق غلام من تلك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين، فيقول: جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا، قالت: أنت رأيته؟ قال: أنا رأيته، وهو ما رآني، فيستخف إحداهن الفرح، حتى يكون، على أسكفة الباب، فإذا انتهى إلى منزلة نظر إلى أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أحمر، وأخضر، وأصفر، من كل لون، ثم رفع رأسه، فنظر إلى سقفه، فإذا مثل البرق، ولولا أن الله قدره لذهب بصره، ثم طأطأ رأسه، فإذا أزواجه، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، و زرابي مبثوثة، ثم اتكأ فقال: "الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون... ثم ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبدا، وتقيمون فلا تظعنون أبدا، وتصحون فلا تمرضون أبدا.
وهذا لا يقتضي تغير الشكل من الحال التي كان الناس عليهم في الدنيا، إلى طول ستين ذراعا، وعرض ستة أذرع، كما هي صفة كل من دخل الجنة، كما ورد به الحديث، يكون عند العينين اللتين يغتسلون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من الأذى، ومن الأخرى، فتجري عليهم نضرة النعيم، وكلهم أنسب وأقرب مما جاء في الحديث المتقدم: "أن ذلك يكون في العرصات " لضعف إسناده.
وقد أبعد من زعم أن ذلك يكون عند المقام من القبور، لما يعارضه من الأدلة القائمة على خلاف ذلك، والله تعالى أعلم.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: ذكر لنا أن الرجل اذا دخل الجنة، وصور صورة أهل الجنة، وألبس لباسهم، وحلى حليهم، وأري أزواجه وخدمه، يأخذه سوار فرح. ولو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه؟ فإنها قائمة لك أبدا"..
وقال ابن المبارك: أخبرنا رشدين بن سعد، عن زهرة، عن معد القرشي، عن أبي عبد الرحمن الجيلي قال: إن العبد أول من يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ.
قال ابن المبارك: وأنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زحر، عن محمد بن أيوب، عن أبي عبد الرحمن المعافري، قال: "إنه ليصنف للرجل من أهل الجنة سماطان، لا يرى طرفاهما من غلمانه، حتى إذا مر مشوا وراءه".
وروى أبو نعيم عن مسلمة، عن الضحاك بن مزاحم، قال: "إذا دخل المؤمن الجنة، دخل أمامه ملك، فيأخذ به في سككها، فيقول له: انظر، ماذا ترى؟ فيقول: أرى أكثر القصور التي رأيتها من ذهب وفضة، فيقول الملك: إن هذا لك، حتى إذا ظهر لمن فيها، استقبلوه من كل باب، ومن كل مكان، قائلين: نحن لك، ثم يقول: امش. فيقول: ماذا ترى؟ فيقول: خيام هي أكثر خيام رأيتها عساكر، وأكثرها أنيسا، فيقول: "إن هذا أجمع لك، فإذا ظهر لمن فيها استقبلوه قائلين: نحن لك.
وقال أحمد بن أبي الحواري: عن أبي سليمان الدارني في قوله تعالى: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا". إن الملك ليأتي بالتحفة إلى ولي الله عز وجل، فما يصل إليه إلا بإذن، فيقول لحاجبه: استأذن لي على ولي الله، فيعلم ذلك الحاجب حاجبا آخر، وحاجبا بعد حاجب، ومن داره إلى دار السلام، باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن، ورسول رب العزة لا يدخل عليه إلا بإذن".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الملك بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، قال: كنا جلوسا الى عبد الله بن سلام فقال: "إن أكرم خليقة الله على الله- سبحانه وتعالى- هو أبو القاسم ﷺ: "وإن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة أمة، ونبيا نبيا، ثم يوضع جسر على جهنم، ثم ينادي مناد: أين أحمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته، برها، وفاجرها، فيأخذون الجسر، ويطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها، من شمال ويمين، وينجو النبي ﷺ، والصالحون معه، وتتلقاهم الملائكة، وبناء بيوتهم ومنازلهم من الجنة على يمينك، وعلى يسارك، حتى ينتهي إلى ربه، فيلقى له كرسي من الجانب الآخر، ثم يتبعهم الأنبياء والأمم، حتى يكون آخرهم نوح عليه الصلاة والسلام". وهذا موقوف على ابن سلام رضي الله عنه.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: "يوضع الصراط يوم القيامة، وله حد كحد الموسى، فتقول الملائكة: ربنا: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: ربنا: ما عبدناك حق عبادتك".
فصل ذكر بعض صفات أهل الجنة وبعض ما أعد من نعيم لهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق