ذكر رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معه لذلك هنالك
قال الله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ر بها ناظرة " [القيامة: 22.]
وقال تعالى: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينطرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم". [المطففين: 22 24.]
وقد تقدم في حديث أبي موسى الأشعري: أن رسول الله-س!م قال: "جنتان من ذهب نبتهما وما فيهما، وجنتان من فضة نبتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن ".
أخرجاه في الحديث الآخرعن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر: "وأعلاهم من ينظر إلى الله في اليوم مرتين ".
وله شاهد في الصحيحين: عن جرير، مرفوعا، عند ذكر رؤية المؤمنين ربهم عز وجل يوم القيامة "كما يرون الشمس والقمر".
ثم بعد ذلك:"فإن استطعتم ألا تغفلوا عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
ثم قرأ: "وسبح بحمدربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" [ق: 39.]
وفي صحيح البخاري: "إنكم سترون ربكم عيانا". فأرشد هذا السياق إلى أن الرؤية تقع في مثل أوقات العبادة، فكأن المريدين من الأخيار يرون الله عز وجل في مثل طرفي النهار غدوة وعشية، وهذا مقام عال، حتى إنهم يرون ربهم عز وجل وهم على أرائكهم وسررهم كما يرى القمرفي الدنيا في مثل هذه الأحوال، يرون الله تعالى أيضا في المجمع الأعم الأشمل، وهو في مثل أيام الجمع، حيث يجتمع أهل الجنة في واد أفيح- أي متسع- من مسك أبيض، ويجلسون فيه على قدر منازلهم، فمنهم من يجلسى على منابر من نور، ومنهم من يجلس على منابر من ذهب، وغير ذلك من أنواع الجواهر وغيرها، ثم تفاض عليهم الخلع، وتوضع بين أيديهم الموائد بأنواع الأطعمة والأشربة، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ثم يطيبون بأنواع الطيب كذلك، ويباشرون من أنواع الإكرام ما لم يخطر في بال أحد قبل ذلك، ثم يتجلى لهم الحق جل جلاله سبحانه وتعالى، ويخاطبهم واحدا واحدا، كما دلت على ذلك الأحاديث، كما سيأتي إيرادها قريبا إن شاء الله تعالى.
وقد حكى بعض العلماء خلافا في النساء: هل يرين الله عز وجل كما يراه الرجال فقيل: لا، لأنهن مقصورات في الخيام، وقيل: بلى، لأنه لا مانع من رؤيته تعالى في الخيام وغيرها: وقد قال تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون".
وقال تعالى: "هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون".
وقال رسول الله ﷺ: "إنكم سترون ربكم عز وجل، كما ترون هذا القمر، لا تمارون في رؤيته، فإن استطعتم فداوموا على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".
وهذا عام في الرجال والنساء، والله أعلم.
وقال بعض العلماء قولا ثالثا: وهو أنهن يرين الله في مثل أيام الأعياد، فإنه تعالى يتجلى في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجليا عاما، فيرينه في مثل هذه الحال دون غيرها، وهذا القول يحتاج إلى دليل خاص عليه، والله أعلم.
وقال الله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".
وقد روي عن جماعة من الصحابة تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل، منهم أبو بكر الصديق، وأبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف، والخلف، رحمهم الله، وأكرم مثواهم أجمعين.
وقد روي حديث رؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الدار الآخرة: عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكرالصديق رضي الله عنه وقد تقدم حديثه مطولا.
ومنهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وقد روى حديثه يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا سويد بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله ﷺ: "يرى أهل الجنة الرب تعالى في كل جمعة"..وذكر تمام الحديث: وفيه "إذا كشف الحجاب كأنه لم ير قبل ذلك". وقوله تعالى: "ولدينا مزيد".
ومنهم أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وجابر بن عبد الله، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وسلمان الفارسي، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، وصهيب بن سنان الرومي، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى عبد الله بن قيس، وعبد الله بن مسعود، وعدي بن حاتم، وعمار بن ياسر. وعمارة بن رويبة، وأبو رزين العقيلي، وأبو هريرة رجل من الصحابة، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد تقدم كثير منها، وسيأتي ذكر شيء منها مما يليق بهذا المقام إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.
يوم الجمعة يوم المزيد
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي سلمة، عن صهيب، أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".
وقال: "إذا أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة: إن لكم عند الله وعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم تثقل موازيننا، وتبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم. وهكذا رواه مسلم: من حديث حماد بن سلمة.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر الألقاني، أخبرني أبو تميمة الهجيمي، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة: يقول: "إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة، فيقول: يا أهل الجنة: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينظرون ويرون الحلى والحلل والأنهار والأزواج المطهرة، فيقولون: نعم، قد أنجزنا ما وعدنا، يقولون ذلك ثلاث مرات فيقول: قد بقي شيء: إن الله يقول: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة". ألا إن الحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل" وهذا موقوف.
وقد روى ابن جرير، وابن أبي حاتم: من حديث أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي: يا أهل الجنة- بصوت يسمع أولهم وآخرهم- إن الله وعدكم الحسنى وزيادة، الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن".
وروى أيضا: من حديث زهير: عمن سمع أبا العالية يقول: حدثنا أبي بن كعب: أنه سأل رسول الله ﷺ، عن قول الله عز وجل: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".
قال: "الحسنى الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل".
ورواه ابن جرير أيضا: عن ابن حميد، عن إبراهيم بن المختار، عن ابن جرير، عن عطاء، عن كعب بن عجرة، عن النبي ﷺ، في قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة". قال: "للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، والزيادة، النظر إلى وجه الله عز وجل". مسلم وشيخه نوح متكلم فيهما، والله أعلم.
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في كتاب الحجة من مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبيد، عن عمير، أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها نكتة، إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ: "ما هذه؟ فقال: هذه الجمعة، فضلت بها أنت وأمتك، والناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها من يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، فقال النبي ﷺ: "يا جبريل: ما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح، فيه كثب مسك، فإذا كان يوم الجمعة نزل سبحانه وتعالى، وأنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور، عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بكراسي من ذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب، فيقول الله عز وجل: أنا ربكم أنا ربكم، وقد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم علي ما تمنيتم، ولدي مزيد": "فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربهم على العرش، وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة".
وقد رواه البزار: من حديث جهضم بن عبد الله، عن أبي طيبة، عن عثمان بن عمير، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "أتاني جبريل في يده مرآة بيضاء، فيها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك، فتكون لك عيدا ولقومك من بعدك، تكون أنت الأول، ويكون اليهود والنصارى من بعدك، قال: ما لنا فيها؟ قال لكم فيها ساعة ما دعا فيها مؤمن ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه، وما دعاه بخير لم يقسم إلا ادخر له ما هو أعظم منه، وما تعوذ من شر هو عليه مكتوب إلا أعاذه من أعظم منه قال: قلت: ما هذه النكتة السوداء؟ قال: هي الساعة، تقوم يوم الجمعة، وهو سيد الأيام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد: قال: وما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح، من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب، فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الذي صدقتكم وأتممت عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيبيح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم يبقى إلى مقدار منصرف الناس من يوم الجمعة، ثم يصعد تعالى على كرسيه، ويصعد معه الشهداء والصديقون- أحسبه قال:- ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم المخلوقة من درة بيضاء، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، منها غرفها وأبوابها مطرزة، فيها أشجار متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجها وخدمها، وليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، فيها أزواجها وخدمها، وليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فيه كرامة، ويزدادوا نظرا إلى وجهه تعالى، ولذلك سمي يوم المزيد".
ثم قال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن أنس عن عثمان بن عمير- أبو اليقظان- وعثمان بن صالح، هكذا قال.
وقد رويناه: من طريق زياد بن خيثمة، عن عثمان بن سلم، عن أنس: فذكر الحديث بطوله مثل هذا السياق أو نحوه.
وتقدم في رواية الشافعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عنه فقد اختلف الرواة فيه، وكان بعضهم يدلسه لئلا يعلم أمره، وذلك لما يتوهم من ضعفه، والله أعلم.
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: عن شيبان بن فروخ، عن الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم البناني، عن أنس، وذكر الحديث وهذه طرق جيدة عن أنس، شاهدة لرواية عثمان بن عمير.
وقد اعتنى بهذا الحديث الحافظ أبو حسن والدارقطني فأورداه من طرق.
قال الحافظ الضياء: وقد روي من طريق جيد: عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني، عن أحمد بن زهير، عن محمد بن عثمان بن كرامة، عن خالد بن مخلد القطواني، عن عبد السلام بن حفص، عن أبي عمران الجوني، عن أنس، فذكره. وقد رواه غير أنس من الصحابة.
قال البزار: حدثنا ابراهيم بن المبارك، عن القاسم بن مطيب، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "أتاني جبريل فذكر يوم المزيد قال: فيوحي الله إلى حملة العرش أن هجوا الحجب فيما بينه وبينهم، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ واتبعوا رسلي وصدقوا أمري؟ سلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، ويرجع في قوله: يا أهل الجنة: إني لو لم أرض عنكم لم أسكنتكم جنتي، هذا يوم المزيد فسلوني، فيجتمعون على كلمة واحدة، أرنا وجهك يا رب ننظر إليك. قال: فيكشف الله الحجب، فيتجلى لهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتوا لأحرقوا، ثم يقال لهم: ارجعوا إلى منازلكم، فيرجعون إلى منازلهم، ولهم في كل سبعة أيام يوم، وذلك يوم الجمعة".
ذكر سوق الجنة
قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: "اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة، فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله ﷺ: "أن أهل الجنة إذا دخلوها بفضل أعمالهم، فإنه يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون الله فى روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ياقوت، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم- وما فيهم أدنى- على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلسا، فقال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال: نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا. قال: فكذلك لا تمارون فى رؤية ربكم، ما يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره محاضرة، فيقول: يا فلان ابن فلان: أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ فيذكر بعض غدارته في الدنيا- فيقول: بلى، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه، قال: فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط، قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، قال: فيجدون سوقا قد حفت به الملائكة، ما فيه لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه ولا يشترى، في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا، فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه،- وما فيهم دني- فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبا وأهلا وسهلا بحبنا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، فنقول: إنا جالسنا ربنا الجبار عز وجل فحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
وهكذا رواه ابن ماجه: عن هشام بن عمار، ورواه الترمذي: عن محمد بن إسماعيل، عن هشام بن عمار، ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا: عن الحكم ابن موسى، عن المعلى بن زياد، عن الأوزاعي.
قال سنان: سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة، فذكره..
وقال مسلم: حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار المصري: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: "إن في الجنة لسوقا يأتونه كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم، والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا".
وهكذا رواه أحمد: عن عفان، عن حماد، وعنده: "إن في الجنة لسوقا فيها كثبان المسك، فإذا خرجوا إليها هبت الريح" وذكر تمامه.
ما ورد في وصف أرض الجنة وطيب عرفها وانتشاره
وروى أبو بكر بن أبي شيبة: عن عمرو، عن عطاء بن وراد، عن سالم، عن أبي العنس، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "أرض الجنة بيضاء، عرصتها صخور الكافور، وقد أحاط به المسك، مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهل الجنة، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا، فتقول له: لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة، وأنا الآن بك أشد إعجابا".
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو عيسى الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، وهناد، قالا: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن فى الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها". فإنه حديث غريب كما ذكره الترمذي رحمه الله، ويحمل معناه على أن الرجال إنما يشتهون الدخول في مثل صور الرجال، وكذلك النساء إنما يشتهين الدخول في مثل صور النساء، ويكون مفسرا بالحديث المتقدم، وهو الشكل والهيئة، والبزة واللباس كما ذكرنا في حديث أبي هريرة في سوق الجنة: "فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من دونه، فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها".
هذا الحديث، إن كان قد حفظ لفظ الحديث، والظاهر أنه لم يحفظ فإنه قد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث، وهو أبو شيبة الواسطي، ويقال الكوفي روى عن أبيه، وخاله النعمان بن سعد، والشعبي وغيرهم، وعن جماعة، منهم حفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، وهشام. قال الإمام أحمد: ليس بشيء، وهو منكر الحديث، وكذبه في روايته عن النعمان بن سعد، عن المغيرة بن شعبة، في أحاديث رفعها، وكذلك ضعفه يحيى بن معين، ومحمد بن سعد، ويعقوب بن سفيان، والبخاري، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وابن خزيمة، وابن عدي، وغيرهم. وقد استقصيت كلامهم فيه مفصلا في التكميل، فلله الحمد والمنة. ومثل هذا الرجل لا يقبل منه ما تفرد به، ولا سيما هذا الحديث، فإنه منكر جدا، وأحسن أحواله أن يكون قد سمع شيئا ولم يفهمه جيدا، وعبر عنه بعبارة ناقصة، ويكون أصل الحديث كما ذكرنا من رواية ابن أبي الحرير الدمشقي، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في سوق الجنة والله أعلم.
وقد روي من وجه آخر غريب، فقال محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ المعروف بمطر: حدثنا أحمد بن محمد بن طريف البجلي، حدثنا محمد بن كثير، حدثني جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين، عن جابر بن عبد الله، قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن مجتمعون فقال: "يا معاشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها". جابر بن يزيد الجعفي ضعيف الحديث، والله أعلم.
ذكر ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من مسيرة سنين عديدة ومسافة بعيدة
قال الله تعالى: "والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم".
قال بعضهم: طيبها لهم، من العرف، وهو الريح الطيبة.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي ﷺ: "من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين عاما". ورواه أحمد عن غندر، عن شعبة وقال: "سبعين عاما".
وقال أحمد: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد قال: أراد فلان أن يدعى جنادة بن أبي أمية، فقال عبد الله بن عمرو: قال رسول الله ﷺ: "من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنه وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين- أو من مسيرة سبعين عاما- قال: ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
قال البخاري: حدثنا قيس بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوحد من مسيرة أربعين عاما".
وهكذا رواه ابن ماجه: عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الحسن بن عمرو، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد أخبرنا إبراهيم المعقب، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مجاهد، عن جنادة عن أبي أمية، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة عام". هذا لفظه.
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا معقل بن نفيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة، وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة عام ".
وقد رواه أبو داود، والترمذي: من حديث محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا وقال: "سبعين خريفا". وقال حسن: صحيح، قال: وفي الباب عن أبي بكرة. وقال الحافظ الضياء: هو عندي على شرط الصحيح: يعني حديث أبي هريرة.
وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة، عن الحسن- أو غيره- عن أبي بكرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام".
وقال سعيد بن أبي عروبه: عن قتادة: "خمسمائة عام". وكذلك رواه حماد بن سلمة: عن يونس ابن عبيد، عن الحسن.
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب صفة الجنة: من طريق الربيع بن بدر وهو ضعيف عن هارون بن رباب، عن مجاهد، عن أبي هريرة، مرفوعا: "رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام".
وقال مالك: عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنه قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة سنة".
قال الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ: عن مالك، يرفعه إلى النبي ﷺ، وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن أحمد بن طريف، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن كثير، حدثني جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن محمد، عن علي، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: "ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجدها عاق. ولا قاطع رحم".
وثبت في الصحيحين: "أن سعد بن معاذ مر بأنس بن النضر يوم أحد حين قتل، ولم يعرفه من كثرة الجراح، وما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه، ووجد به بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف وطعنة ورمية" رضي الله عنه: فقال معاذ: "وجد أنس ريح الجنة". وهو في الأرض، وهي فوق السموات، اللهم إلا أن تكون قد اقتربت يومئذ من المؤمنين، والله تعالى أعلم.
ذكر نور الجنة وبهائها وطيب فنائها وحسن منظرها في صباحها ومسائها
قال الله تعالى: "إذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ر بهم شرابا طهورا".
وقال تعالى: "خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما".
وقال تعالى: "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى".
وقال تعالى: "لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عبد ربه الحنفي، عن خاله الرميل بن سماك، سمع أباه يحدث: "أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره، فقال: يا ابن عباس: ما أرض الجنة؟ فقال: هي مرمرة بيضاء من فضة، كأنها مرآة. قلت: ما نورها؟ قال: أما رأيت الساعة التي تكون قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها، إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير".
وذكرنا في الحديت: كما سيأتي إن شاء الله، وتقدم في سؤال ابن صياد عن تربة الجنة: "أنها درمكة بيضاء مسك أذفر".
وقال أحمد بن منصور الرمادي: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام، عن حبيب ابن الشهيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ قال: "خلق الله الجنة بيضاء، وأحب الزي إلى الله البياض، فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم".
ثم أمر برعاء الشاء فجمعوا، فقال: من كان ذا غنم فليخلطها بيضاء، فجاءته امرأة فقالت: يا رسول الله: إني اتخذت غنما سودا فلا أراها تزكو قال: "عفري" أي بيضي، معناه: اخلطي معها بيضاء.
وقال أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي حدثنا محمد بن مهاجر، عن الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، حدثنا كريب: أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله ﷺ: "ألا مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا مثل لها وهي ورب الكعبة نور يتلالأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمر نضيج، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبد، في دار سليمة، وفاكهة وخضر، وجيرة ونعمة، في محلة عالية بهية. قالوا يا رسول الله: نحن المشمرون لها. قال فقولوا: إن شاء الله: فقال القوم: إن شاء الله. ثم قال البزار: لا نعلم له طريقا إلا هذا.
وقد رواه ابن ماجه: من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر، بنحوه، ورواه أبو بكر بن داود، عن عمرو بن عثمان، عن أبيه، عن محمد بن مهاجر، وتقدم في الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن عمرو، عن عطاء، عن وراد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، مرفوعا: "أرض الجنة بيضاء، عرصتها صخور الكافور، وقد أحاط بها المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهل الجنة، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا" فتقول له: "لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة، والآن أنا أشد بك إعجابا".
ذكر الأمر بطلب الجنة وترغيب الله تعالى عباده فيها وأمرهم بالمبادرة إليها
قال الله تعالى: "والله يدعوا إلى دار السلام".
وقال: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".
وقال: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
وقال تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله". وقد روى البخاري، وغيره: من حديث سعيد بن ميناء: عن جابر: "أن ملائكة جاءوا إلى رسول الله ﷺ وهو نائم، فقال بعضهم: هو نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان: مثله كمثل رجل بنى دارا، واتخذ فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المائدة، فأولوها له، وقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: الدار الجنة، والداعي محمد، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس".
وروى الترمذي هذا الحديث: ولفظه: "خرج علينا رسول الله ﷺ يوما فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل كان عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع، سمعت أذنك، وأعقل عقل قلبك! إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم عمل فيها بيتا، ثم اتخذ مائدة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل أكل مما فيها". وللترمذي: عن ابن مسعود، نحوه، وصححه أيضا.
وقال حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: "إن سيدا بنى دارا، واتخذ مائدة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المائدة، ورضي عنه السيد، ألا وإن السيد الله، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد".
من استجار بالله من النار أجاره ومن طلب الجنة من الله أدخله الجنة إذا صدقت النية وصح العمل
وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن يونس هو ابن خباب، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "ما استجار عبد من النار ثلاث مرات، إلا قالت النار: يا رب: إن عبدك فلانا قد استجار مني فأجره، ولا سأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة". على شرط مسلم.
وروى الترمذي، والنسائي: عن ابن ماجه، عن هناد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استعاذ بالله من النار ثلاثا. قالت النار: اللهم أجره من النار".
الجنة والنار شافعتان مشفعتان
وقال الحسن بن سفيان: حدثنا المقدمي، حدثنا عمر، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "أكثروا مسألة الجنة، واستعيذوا به من النار، فإنهما شافعتان مشفعتان، وإن العبد إذا أكثر مسألة الجنة، قالت الجنة: يا رب: عبدك هذا الذي سألنيك فأسكنه إياي، وتقول النار: يا رب: عبدك هذا الذي استعاذ بك مني فأعذه".
اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم
وقال أبو بكر الشافعي: عن كليب بن حرب، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة بالشهوات، فلا تلهينكم عن الآخرة".
ذكر أن الجنة حفت بالمكاره وهي الأعمال الشاقة من فعل الخيرات وترك المحرمات وأن النار حفت بالشهوات
قال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".
وهكذا رواه مسلم، والترمذي: من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، زاد مسلم وحميد كلاهما: عن أنس، به. وقال الترمذي: صحيح غريب.
وقال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن يحيى بن النضر، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" تفرد به أحمد: وإسناده جيد حسن، لما له من الشواهد.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: "لما خلق الله الجنة، أرسل جبريل، فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها، فجاء، فنظر إليها، وإلى ما أعد الله لأهلها، فرجع إليه تعالى فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمرها فحجبت بالمكاره، ثم قال: ارجع إليها، فانظر إليها، فجاء فنظر إليها، فإذا هي قد حجبت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد". تفرد به أحمد: وإسناده صحيح.
وقال أحمد: حدثنا حسين، حدثنا المسعودي، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "أكثر ما يلج به الإنسان النار الأجوفان الفرج والفم، وأكثر ما يلج به الإنسان الجنة تقوى الله وحسن الخلق".
ألا إن النار حفت بالشهوات، وداخلها كله مضرات وحشرات، والجنة محفوفة بالمكاره، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من اللذات والمسرات، كما أوردناه في الآيات المحكمات، والأحاديث الثابثات. فمن نعيمهم المقيم، ولذتهم المستمرة، الطرب الذي لم تسمع الآذان بمثله.
قال الله تعالى: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون".
قال الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير: "هو السماع في الجنة":
غناء الحور في جنة الله
وقد ذكرنا ما رواه الترمذي: من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة لمجتمعا للحور العين، يغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد أبدا، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كان لنا وكنا له".
قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وأنس.
قلت: وكذا روي من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وابن عمر وأبي أمامة: رضي الله عنهم أجمعين.
حديث أبي هريرة
قال جعفر الفريابي: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن عمرو، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: "إن في الجنة نهرا طول الجنة، على حافتيه العذارى قياما متقابلات، يغنين بأصوات يسمعها الخلائق، ما يرون في الجنة لذة مثلها. قلت: يا أبا هريرة: وما ذاك الغناء؟ قال: إن شاء الله التسبيح، والتحميد، والتقديس وثناء على الرب عز وجل".
وروى أبو نعيم في صفة الجنة من طريق سليم بن علي، عن زيد بن واقد، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا: "إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، تهب عليها ريح فتصطفق، فما يسمع السامعون بشيء قط ألذ منه".
وقد تقدم عن ابن عباس: "أنها تحركها الرياح، فتتحرك بصوت كل لهو كان في الدنيا".
حديث أنس
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خيثمة، حدثنا إسماعيل، عن عمرو بن أبي ذؤيب، عن عبد الله بن رافع، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الحور العين تغنين في الجنة: نحن الحور الحسان، خلقن لأزواج كرام ".
حديث عبد الله بن أبي أوفى، وهو حديث غريب جدا
قال الحافظ أبو نعيم محمد بن جعفر بن أصيلة، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا الوليد بن أبي ثور، حدثني سعد الطائي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله ﷺ: "يزوج كل رجل من أهل الجنة أربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف أيم، ومائة حوراء، فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له".
حديث ابن عمر
قال الطبراني: حدثنا أبو رفاعة عمارة البصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف، نحن المقيمات فلا نظعن".
حديث أبي أمامة
قال جعفر الفريابي: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا خالد بن زيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه ورجليه ثنتان من الحور العين، يغنيانه بأحسن صوت يسمعه الإنس والجن، وليس بمزامير الشيطان".
وقال ابن وهب: حدثني سعيد بن أبي أيوب، قال: قال رجل من قريش لابن شهاب: هل في الجنة سماع؟ فإنه حبب إلي السماع، فقال: إي والذي نفس ابن شهاب بيده: إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد، تحته حور ناهدات يتغنين بالقرآن ويقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت، فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فأعجبت بصوت صفقه الجواري، فلا يدرى، أ أصوات الجواري أحسن، أم أصوات الشجر"؟ قال ابن وهب: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد؟ أن الجواري يغنين أزواجهن فيقلن، نحن الخيرات الحسان، أزواج شباب كرام، ونحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، في صدر إحداهن مكتوب: أنت حبي، وأنا حبك، لم تر عيناي مثلك".
وقال ابن المبارك: حدثني الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير: أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند باب الجنة فيقلن: طالما انتظرناكم، نحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت: بأحسن أصوات سمعت.
وتقول الحورية لزوجها: "أنت حبي وأنا حبك، ليس دونك مقصد ولا وراءك معدل".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد، حدثني علي بن عاصم، حدثني سعيد بن أبي سعيد، قال: حدثنا أن في الجنة آجاما من قصب من ذهب، حملها اللؤلؤ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يسمعوا صوتا، بعث الله على تلك الآجام ريحا، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه.
فرع آخر أعلى من الذي قبله
ذكر حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وحجاج بن الأسود، عن شهر بن حوشب، قال: إن الله عز وجل يقول لملائكته: "إن عبادي كانوا يحبون الصوث الحسن في الدنيا، ويدعونه من أجلي، فأسمعوا عبادي: فيأخذون بأصوات، من تهليل، وتسبيح، وتكبير، لم يسمعوا بمثلها قط.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني داود بن عمرو الضبي، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن مالك بن أنس، عن محمد بن المنكدر، قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تحميدي وتمجيدي".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا دهيم بن الفضل القرشي، حدثنا داود بن الجراح: عن الأوزاعي، قال: "بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل، فيأمره الله فيأخذ في الاسماع، فلا يبقى ملك في السموات إلا قطع عليه صلاته، فيمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، فيقول الله عز وجل: وعزتي لو تعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري".
وحدثني محمد بن الحسين، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، في قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب".
قال: "إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنة، ثم نودي: يا داود مجدني بذلك الصوت الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا، قال: فيرتفع صوت داود، يعم أهل الجنة، فذلك قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب".
وهو سماعهم كلام الرب جل جلاله إذا خاطبهم في المجامع التي يجتمعون لها بين يديه- تعالى وتقدس- ليخاطب كل واحد، ويذكره بأعماله التي سلفت منه في الدنيا، وكذلك إذا تجلى لهم جهرة فسلم عليهم، وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: "سلام قولا من رب رحيم".
وقد سبق حديث جابر في ذلك في سنن ابن ماجه وغيره.
وقد ذكر أبو الشيخ الأصبهاني: من طريق صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة: قال: "إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار- جل جلاله- فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه، على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد، فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى رحالهم بأعين قريرة، وأعينهم إلى مثلها من الغد".
وروى أبو نعيم: من حديث حسن بن فرقد السبخي، عن أبيه، عن الحسن، عن أبي برزة الأسلمي، مرفوعا: "إن أهل الجنة ليغدون في حلة ويروحون فى أخرى، كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا، كذلك يغدون ويروحون إلى زيارة ربهم عز وجل، وذلك لهم بمقادير ومعالم، يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها ربهم عز وجل".
ذكر خيل الجنة
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا المسعودي، عن عقبة بن علقمة بن خديج، عن سليمان بن أبي بريدة، عن أبيه أن رجلا سأل. رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله: هل في الجنة من خيل؟ فقال: "إن الله إذا أدخلك الجنة فإنك لا تشاء أن تحمل فيها على فرس، إلا حملت على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك فى الجنة حيث شئت". قال: وسأله رجل: فقال: يا رسول الله، إني رجل حببت إلى الخيل، فهل في الجنة خيل؟ فقال رسول الله ﷺ: "والذي نفسي بيده إن في الجنة لخيلا وإبلا هفافة مرهفة تسير خلال ورق الجنة، يتزاورون عليها حيث شاءوا".
وقال الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا أبو معاوية بن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب قال: أتى النبي ﷺ أعرابي فقال: يا رسول الله: إني أحب الخيل، أفي الجنة خيل؟ فقال رسول الله ﷺ: "إذا دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة، له جناحان فحملت عليه، ثم طار بك حيث شئت".
ثم ضعف الترمذي هذا الإسناد من جهة أبي سورة ابن أخي أبي أيوب، فإنه قد ضعفه غير واحد، واستنكر البخاري حديثه هذا، والله أعلم.
قال القرطبي: وذكر ابن وهب، حدثنا ابن يزيد، قال الحسن البصري يذكر عن رسول الله ﷺ: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف ألف من خدمه من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت أحمر لها أجنحة من ذهب. ثم تلا قوله تعالى: "وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا".
قلت: فيه انقطاع بين عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف- وبين الحسن، ثم هو مرسل.
وروى أبو نعيم: من طريق جابر بن نوح، عن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب مرفوعا: "إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت، وليس في الجنة بهائم إلا الخيل والإبل".
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن عمر، قال: "في الجنة عتاق الخيل، وكرام النجائب، يركبها أهلها".
وهذه الصيغة لا تدل على الحصر كما دلت عليه رواية أبي نعيم في حديث أبي أيوب ثم هو معارض بما رواه ابن ماجه في سننه، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: "الشاة من دواب الجنة" وهذا منكر.
وفي مسند البزار، عن النبي ﷺ قال: "أحسنوا إلى المعزى، وأميطوا عنها الأذى، فإنها من دواب الجنة".
وقال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا القاسم بن زكريا، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحكم بن أبي خالد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، جاءتهم خيول من ياقوت أحمر لها أجنحة، لا تبول، ولا تروث، فقعدوا عليها، ثم طارت بهم في الجنة. فيتجلى لهم الجبار، فإذا رأوه، خروا له سجدا، فيقول لهم الجبار: ارفعوا رؤوسكم فإن هذا اليوم ليس بيوم عمل، إنما هو يوم نعيم، وكرامة، فيرفعون رؤوسهم، فيمطر الله عليهم طيبا، ثم تمر بهم على كثبان المسك، فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا، فتهيجها عليهم، حتى إنهم ليرجعون إلى أهلهم، وإنهم لشعث غبر".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الفضل بن جعفر، حدثنا جعفر بن بشر، حدثنا أبي، عن الحسن بن علي، عن علي، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن في الجنة لشجرة، يخرج من أعلاها ومن أسفلها خيل من ذهب، مسرجة، ملجمة، من در، وياقوت، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة، خطوها مد بصرها، يركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، ويقول الذين أسفل منهم درجة، بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها؟ فيقول لهم: كانوا يصلون الليل، وكنتم تنامون، وكانوا يصومون، وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون، وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتلون، وكنتم تخشون".
ذكر زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا واجتماعهم وتذاكرهم أمورا كانت منهم في الدنيا من طاعات وزلات
قال الله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سعد بن دينار، عن الربيع، عن صبيح، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دخل أهل الجنة، واشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، يسير سرير هذا إلى سرير هذا، حتى يجتمعا جميعا، فيقول أحدهما لصاحبه: أتعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه: كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا".
وقال تعالى: "فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين "يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون، قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون". وهذا الفوز، يشمل الجني، والإنسي. يقول: كان يوسوس إلي بالكفر واستبعاد أمر المعاد، فبرحمة الله نجوت منه، ثم أمر أصحابه ليطلعوا على النار، فرآه في غمراتها يعذب، فحمد الله على ما نجاه منه.
قال الله تعالى: "قال تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي، لكنت من المحضرين". ثم ذكر الغبطة التي هو فيها، وشكر الله عليها وقال: "أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى، وما نحن بمعذبين"؟ أي إنا قد نجونا من الموت والعذاب، بدخولنا الجنة، إن هذا لهو الفوز العظيم وقوله: "لمثل هذا، فليعمل العاملون". يحتمل أن يكون من تمام مقالته، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل، لقوله: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". ولهذا نظائر كثيرة، قد ذكرنا بعضها في التفسير.
وذكر في أول البخاري: في كتاب الإيمان، في حديث حارثة بن سراقة، حين قال له رسولالله ﷺ: "كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت مؤمنا بالله حقا، قال: فما حقيقة إيمانك؟ قال: صرفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يعذبون فيها، فقال: "عبد نور الله قلبه".
وقال سليمان بن المغيرة: عن حميد بن هلال: بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل منهم ولا يزور الأسفل الأعلى"
قلت: وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن صاحب الرتبة السافلة، لا يصلح له أن يتعداها، وليس فيه أهلية لذلك. الثاني: لئلا يرى فوق ما هو فيه من النعيم فيحزن لذلك، وليس في الجنة حزن، وقد ورد ما قاله حميد بن هلال في حديث مرفوع، وفيه زيادة على ما قال، فقال الطبراني: حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا شريك بن عثمان. حدثنا المسيب بن شريك، عن بشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: سئل رسول الله ﷺ هل يتزاور أهل الجنة؟ فقال: "يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل، الأعلى، إلا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاءوا على النوق، محتقبين الحشايا".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، أن إسماعيل بن عياش قال: حدثني ثعلبة بن مسلم، عن أيوب بن بشير العجلي، عن شفي بن ماتع، أن رسول الله ﷺ قال: "إن من نعيم الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والبخت، وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا إلى حيث شاء الله عز وجل، فيأتيهم مثل السحابة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فيقولون: أمطري علينا، فلا تزال تمطر عليهم حتى ينتهي ذلك، ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية، فتتسف كثبانا من مسك، عن أيمانهم، وعن شمائلهم، فيوجد ذلك المسك في نواصي خيلهم، وفي مفارقها، وفي رؤوسها، ولكل رجل منهم جهة على ما اشتهت نفسه، فيعلق المسك بهم، ويعلق بالخيل، ويعلق بما سوى ذلك من الثياب، ثم ينقلبون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله عز وجل، فإن المرأة تنادي بعض أولئك: يا عبد الله؟ أما لك فينا حاجة؟ فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا زوجتك، وحبك، فيقول: ما علمت بمكانك، فتقول أو ما علمت أن الله قال: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون". فيقول: بلى وربي، فلعله يشغل بعد ذلك الوقت، لا يلتفت، ولا يعود، ما يشغله عنها إلى ما هو فيه من النعمة والكرامة وهذا حديث مرسل غريب جدا.
وقال ابن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، حدثني ابن أنعم، عن أبي هريرة، قال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس الخور، عليها رحال المسك، على خياشمها غبار المسك، خطام- أو زمام- أحدها خير من الدنيا وما فيها".
وروى ابن أبي الدنيا: من طريق إسماعيل بن عياش، عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه سأل جبريل عن هذه الآية: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله". فقال: هم الشهداء، يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من الياقوت الأبيض، برجال الذهب، أعنتها السندس، والإستبرق، ونمارق من الحرير، تمد أبصارها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيولهم يقولون عند طول النزهة: انطلقي بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه؟ فيضحك إليهم الله عز وجل، وإذا ضحك الله إلى عبد فلا حساب عليه". وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الهروي، حدثنا القاسم بن زيد الموصلي، حدثني أبو إياس، حدثني محمد بن علي بن الحسين.
وروى أبو نعيم: في حديث المعافى. بن عمران، حدثني: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار مائة عام، ورقها زمرد أخضر، وزهرها رياط صفر، وأفناؤها سندس، وإستبرق، وثمرها حلل، وصمغها زنجبيل، وعسل، و بطحاؤها ياقوت أحمر، وزمرد أخضر، وترابها مسك، وخشيشها زعفران، يفوح من غير وقود، ويتفجر من أصلها أنهار السلسبيل، والرحيق، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة، يألفونه، ويتحدث فيه جميعهم. فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها، إذا جاءتهم الملائكة يقودون نجائب من الياقوت، قد نفخ فيها الروح، مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها المصابيح، عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت، مفصصة باللؤلؤ والمرجان صفاقها من الذهب الأحمر، الملبس بالعبقري والأرجوان، فأناخوا إليهم بتلك النجائب، وقالوا لهم: إن ربكم يقرئكم السلام، ويستزيركم، لينظر إليكم، و تنظروا إليه، وتحيوه، ويحييكم، وتكلموه، ويزيدكم من سعة فضله، إنه ذو رحمة واسعة، وفضل عظيم. فيتحول كل رجل منهم إلى راحلته، ثم ينطلقون صفا واحدا معتدلا، لا يفوت منه أحد أحدا، ولا تفوت أذن الناقة أذن صاحبتها، ولا ركبة الناقة ركبة صاحبتها ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرتها، ورحلت لهم عن طريقهم، كراهة أن ينثلم صفهم، أو يفرق بين الرجل ورفيقه. فإذا رفعوا إلى الجبار أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمة العظيم وقالوا: ربنا أنت السلام، ومنك السلام، ولك حق الجلال والإكرام فيقول لهم ربهم عز وجل: "إني السلام ومني السلام، ولي حق الجلال والإكرام، مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصتتي، ورعوا حقي، وخافوني بالغيب فكانوا مني على كل حال مشفقين". قالوا: وعزتك، وعلو مكانك، ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، فأذن لنا بالسجود لك. فيقول لهم ربهم: "إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة، وأرحت لكم أبدانكم، فطالما أنصبتم لي الأبدان، وأعنيتم لي الوجوه، فالآن أفضيتم إلي روحي، ورحمتي، وكرامتي، فسلوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم، ولكن بقدر رحمتي، وكرامتي، وطولي، وجلالي، وعلو مكاني، وعظمة شأني". فما يزالون في الأماني والعطايا، والموابه، حتى إن المقتصر في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم إفنائها". فيقول لهم الله عز وجل: "قد قصرتم في أمانيكم، ورضيتم بدون ما يحق لكم، لقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم، وألحقت بكم ذريتكم، ودونكم ما قصرت عنه أمانيكم".
وهذا مرسل ضعيف، غرب، وأحسن أحواله أن يكون من كلام بعض السلف، فوهم بعض رواته فجعله مرفوعا، وليس كذلك، والله أعلم.
باب جامع لأحكام تتعلق بالجنة ولأحاديث شتى
قال الله تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء".
ومعنى هذا: أن الله تعالى يرفع درجة الأولاد في الجنة، إلى درجة الآباء، وإن لم يعملوا بعملهم، ولا ينقص الآباء من أعمالهم، حتى يجمع بينهم وبين بنيهم، في الجنة التي يستحقها الآباء، فيرفع الناقص حتى يساويه مع العالي، ليجمع بينهم في الدرجة العالية: لتقر أعينهم لاجتماعهم وارتفاعهم".
قال الثوري عن عمر بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن إلى درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقربهم عينة ثم قرأ: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بآيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء".
كذا رواه ابن جبير، وابن أبي حاتم في تفسيرهما عن الثوري موقوفا، وكذا رواه ابن جرير، عن شعبة، عن عمرو، عن سعيد، عن ابن عباس موقوفا، وروراه البزار في مسنده، وابن مردويه في تفسيره، من حديث قيس بن الربيع، عن عمرو عن سعيد، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ.
ورواية الثوري وشعبة أثبت، والله أعلم.
وروى ابن أبي الدنيا، من طريق الليث، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية قال: "هم ذرية المؤمن، يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم، ألحقوا بآبائهم، ولم ينقص الأباء من أعمالهم التي عملوا شيئا".
وقال الطبراني: حدثنا حسين بن إسحاق التستري، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا: شريك، عن سالم الأقطش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: "إذا دخل الرجل الجنة، سأل عن أبويه، وزوحته، وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به". وقرأ ابن عباس: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان".
وقال العوفي: عن ابن عباس، في هذه الآية: يقول الله تعالى: "والذين أدرك ذريتهم الإيمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار تلحق بهم".
هذا التفسير هو أحد أقوال العلماء في معنى الذرية، أهم الصغار فقط؟ أم يشمل الصغار والكبار؟ كقوله: "ومن ذريته داود وسليمان". وقال: "ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا". فأطلق الذرية على الصغار، كما أطلقها على الكبار.
وتفسير العوفي عن ابن عباس، يشملهما، وهو اختيار الواحدي وغيره، والله أعلم.
وهو محكي عن الشعبي، وأبي مخلد، وسعيد بن جبير، وإ براهيم النخعي وأبي صالح، وقتادة، والربيع بن أنس. هذا فضله ورحمته على الأبناء ببركة عمل الآباء.
فضل الله عز وجل على الآباء ببركة عمل الأبناء
فأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء، فقد قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي عاصم بن النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب: أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".
وهذا إسناد صحيح: ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، ولكن له شاهد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
فصل الجنة والنار موجودتان
والجنة والنار موجودتان الآن، معدتان لأصحابهما، كما نطق بذلك القرآن؟ وتواترت بذلك الأخبار عن رسول الله ﷺ وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة، المستمسكين بالعروة الوثقى، وهي السنة المثلى إلى قيام الساعة، خلافا لمن زعم أن الجنة والنار لم يخلقا بعد، وإنما يخلقان يوم القيامة، وهذا القول صدر ممن لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها في الصحيحين وغيرهما من كتب الإسلام المعتددة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة، مما لا يمكن دفعه، ولا رده، لتواتره، واشتهاره.
وقد ثبت في الصحيحين: عن رسول الله ﷺ: "أنه رأى الجنة والنار ليلة الإسراء".
وقال ﷺ: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب: أكل بعضي بعضا، فأذن لها في نفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الزمهرير، من بردها، وأشد ما تجدون في الحر، من فيحها، فإذا كان الحر فأبردوا بالصلاة".
وثبت في الصحيحين: من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أؤثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم دون غيرهم؟ فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع قدمه عليها، فتقول: قط قط، فهنالك تمتلىء، وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحدا، وأما الجنة فينشىء الله لها خلقا". لفظ مسلم.
وثبت في الصحيحين: من طريق سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد، حتى يضع الجبار فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط. بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشىء الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة".
فأما ما وقع في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ من أنه سبحانه وتعالى ينشىء للنار من يشاء، فيلقى فيها، فتقول: هل من مزيد؟ وإشكال هذه الرواية، فقد قال بعض الحفاظ: هذا غلط من بعض الرواة، وكأنه اشتبه عليه، فدخل عليه لفظ في لفظ فنقل هذا الحكم من الجنة إلى النار: والله أعلم.
قلت: فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى امتحنهم في العرصات كما يمتحن غيرهم ممن لم تقم عليه الحجة في الدنيا، فمن عصى منهم أدخله النار، ومن استجاب أدخله الجنة، لقوله تعالى: "وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا".
ولقوله تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما".
فصل في بعض صفات أهل الجنة وبعض صفات أهل النار
وقد ذكرنا فيما سلف صفة أهل الجنة حال دخولهم إليها، وقدومهم عليها، وأنهم يحول خلقهم إلى طول ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع، وأنهم يكونون جردا مكحلين في سن أبناء ثلاث وثلاثين.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هاشم، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني داود بن الجراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رئاب عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم، ستين ذراعا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى، ثلاث وثلاثين، وعلى لسان محمد".
وروى داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "لسان أهل الجنة عربي".
وروى البيهقي: من طريقين فيهما ضعف: عن أبي كريمة المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "ما من أحد من الناس يموت سقطا ولا هرما أو فيما بين ذلك، إلا بعث ابن ثلاثين. وفي رواية- ثلاث وثلاثين- سنة فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة وصورة يوسف، وقلب أيوب، مردا مكحلين، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال".
وفي رواية: "حتى تصير جلدة يد أحدهم أربعين ذراعا وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد".
وثبت: "أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما ينصرف طعامهم بأنهم يعرقون عرقا، له رائحة كرائحة المسك الأذفر، وأنفاسهم تحميد وتكبير، وتسبيح".
وثبت: "أن أول زمرة منهم على صورة القمر، ثم الذين يلونهم في البهاء كأضواء كوكب دري في السماء، وأنهم يجامعون، ولا يتناسلون، ولا يتوالدون، إلا ما يشاؤون، وأنهم لا يموتون، ولا ينامون، لكمال حياتهم بكثرة لذاتهم، وتوالي طعامهم وشرابهم، وكلما ازدادوا خلودا ازدادوا حسنا، وجمالا، وشبابا، وقوة، وكمالا، وازدادت لهم الجنة حسنا، وبهاء، وطيبا، وضياء، وكانوا أرغب فيها، وأحرص عليها، فكانت لهم أعز وأغلى وألذ، وأحلى، قال الله تعالى: "خالدين فيها لا يبغون عنها حولا".
وقد ذكرنا: أن أول من يدخل الجنة من بني آدم على الإطلاق هو رسول الله ﷺ وهو أعلاهم منزلة، وأن أول من يدخلها من الأمم أمته، وأول من يدخل من هذه الأمة، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتقدم، أن أفراد هذه الأمة يكثرون في الجنة، وأنهم فيها يعدلون ثلثي أهل الجنة، كما تقدم: "أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الأمة ثمانون صفا".
يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة
وفي المسند، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، من حديث محمد بن عمرو: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام". وإسناده على شرط مسلم.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الطبراني: من حديث الثوري، عن محمد بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، مرفوعا، مثله.
وروى الترمذي: من طريق الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، مرفوعا، مثله، ثم حسنه.
والذي رواه مسلم: من طريق أبي عبد الرحمن الجعلي، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا".
وروى الترمذي: عن جابر بن عبد الله، مرفوعا، مثله، وصححه. وله: عن أنس أيضا، نحوه، واستغربه.
قلت: وإن كان الأول محفوظا، فيكون باعتبار أول الفقراء وآخر الأغنياء، والله أعلم.
أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار
وروى الإمام أحمد: عن إسماعيل بن علية، وأبو بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، كلاهما عن هشام الدستوري، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر العقلي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار، قال: فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة: فشهيد، وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وفقير متعفف، ذو عيال، وأما أول ثلاثة يدخلون النار: فأمير مسلط، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله، وفقير فخور".
ورواه الترمذي: من طريق ابن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، وقال: حسن، ولم يذكر الثلاثة من أهل النار.
وثبت في صحيح مسلم: عن عياض بن حماد المجاشعي، عن النبي ﷺ، أنه قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع- وإن دق- إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل- أو الكذب- والشنظير الفحاش".
وثبت في الصحيحين: من حديث سفيان الثوري، وشعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، عن النبي ﷺ، قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ متكبر".
وقال أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، أخبرنا موسى بن علي بن رباح، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله ﷺ قال: "أهل النار كل جعظري جواظ، مستكبر، جماع، مناع، وأهل الجنة الضعفاء، المغلوبون".
وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو هلال الراسي، حدثنا عقبة بن نبيت، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع". وكذا رواه ابن ماجه: من حديث مسلم بن إبراهيم.
وقال القاضي أبو عبيد علي بن الحسين، حدثنا محمد بن صالح، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: "أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا الله في الجنة، ونساؤكم من أهل الجنة، العؤود الولود، التي إذا غضب زوجها جاءت حتى تضع يدها عليه: ثم تقول: لا أذوق غمضا حتى ترضى".
وروى النسائي بعضه من حديث خلف بن خليفة، عن أبي هاشم، عن يحيى بن دينار، به.
وتقدم في الأحاديث الصحيحة: عن رسول الله ﷺ، قال: "أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء".
الحمادون لله عز وجل في السراء والضراء هم أول من يدعى يوم القيامة لدخول الجنة
وتقدم الحديث الوارد من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد، عن ابن عباس: مرفوعا: "أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء".
فصل في أمة محمد عليه السلام أكثر أهل الجنة عددا وأعلاهم مكانا ومكانة
هذه الأمة أكثر أهل الجنة، وأغناهم فيها، وأعلاهم منازل، وهم صدورها كما قال الله تعالى في صفة المقربين: "ثلة من الأولين وقليل من الآخرين". وقال في صفة أهل اليمين: "ثلة من الأولين وثلة من الآخرين".
وثبت في الصحيحين: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تحت الشمس- أو السماء- ينذرون ولا يفون، ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون".
الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة
وخيار الأمة، الصدر الأوائل من الصحابة، كما قال ابن مسعود: "فمن كان منكم مقتديا فليقتد بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد، آمن هذه الأمة قلوبا، وأعظمها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، فاعرفوا لهم قدرهم، واقتدوا بهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
بعض الآثار الواردة في دخول أعداد كبيرة من هذه الأمة إلى الجنة بغير حساب
وتقدم أن هذه الأمة يدخل منهم إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وفي صحيح مسلم: "مع كل ألف سبعون ألفا".
وفي ر واية أحمد: "مع كل واحد سبعون ألفا". وإليك ذكر الحديث: وإشارة إلى طرقه وألفاظه.
سبقك بها عكاشة
ثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر". فقام عكاشة بن محصن الأسدي يدفع نمرة فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا له رسول الله ﷺ أن يجعله الله منهم. فقام رجل من. الأنصار فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله ﷺ: "سبقك بها عكاشة".
ولهما من رواية أبي حازم: عن سهل بن سعد، مثله.
ولهما من رواية حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ، قال: "عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ﷺ ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والرجلان، والنبي ليس معه أحد، فرفع سواد، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب.
وفيه: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة، فذكره.
ولمسلم من طريق محمد بن سيرين، وعمران بن الحصين، عن النبي ﷺ قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، ولا عذاب، قيل من هم؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".
ولمسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، نحوه..
وروى عاصم عن رزين بن مسعود، نحوه. وإسناده على شرط مسلم بن الحجاج.
وقال هشام بن عمار خطيب دمشق: وأبو بكر بن أبي شيبة، واللفظ له. أخبرنا إسماعيل بن عباس: أخبرني محمد بن زياد الألهاني، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل".
وكذا رواه أبو بكر بن عاصم: عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي سليم بن عامر، عن أبي اليمان عامر بن عبد الله بن يحيى الهوزي، عن أبي أمامة، فذكرمثله.
وروى الطبراني: من حديث عامر بن سعد البجلي، عن عتبة بن عبد السلمي، عن النبي ﷺ مثله..
وروى الطبراني: من طريق أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، مثله... ولم يذكر ثلاث حثيات...
وله: من حديث قيس الكندي، عن أبي سعيد الأنصاري، مثله- بذكر الحثيات- وقد قدمنا بقية طرقه بألفاظها.
فصل في بيان وجود الجنة والنار وأنهما مخلوقان خلافا لمن زعم خلاف ذلك من أهل البطلان
قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".
وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
وقال تعالى: "واتقوا النار التي أعدت للكافرين".
وقال في حق آل فرعون: "النار يعرضون عليها عدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب".
وقال تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".
وثبت في الصحيحين: عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، أنه قال: "يقول الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا من بله ما أطلعتم عليه؟ ثم قرأ: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين".
وفي الصحيحين: من حديث مالك: أن رسول الله ﷺ قال: "إن أحدكم إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فقيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
وفي صحيح مسلم: عن أبي مسعود: "أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش".
وروينا من حديث الإمام أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أن رسول الله ﷺ قال: "إنما نسمة المؤمن في طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه". وتقدم الحديث المتفق عليه: من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال.: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".
وذكر الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: "لما خلق الله الجنة قال يا جبريل: اذهب فانظر إليها" الحديث.
وتقدم الحديث الآخر: "لما خلق الله الجنة، قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون".
وفي الصحيحين: عن أبي هريرة، وعند مسلم: عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: "تحاجت الجنة والنار" الحديث.
وفيهما: عن ابن عمر، مرفوعا: "الحمى من فيح جهنم".
وفيهما: عن أبي ذر، مرفوعا: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".
وفي الصحيحين: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار".
وقد ذكرنا في حديث الإسراء: أن رسول الله ﷺ رأى الجنة والنار ليلتئذ.
وقال الله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى".
وقال في صفة سدرة المنتهى: "إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان، وذكر الباطنين في الجنة".
وفي الصحيحين: "ثم أدخلت الجنة، فإذا جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".
وفي صحيح مسلم: من طريق قتادة، عن أنس، عن رسول الله ﷺ، قال: "بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك".
وفي مناقب عمر أنه ﷺ قال: "أدخلت الجنة فرأيت جارية تتوضأ عند قصر، فقلت: لمن أنت؟ قالت لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك". فبكى عمر وقال: أو عليك أغار يا رسول الله"؟ والحديث في الصحيحين، عن جابر.
وقال لبلال: "دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك بين يدي في الجنة، فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فقال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي".
وأخبرني عن الرميصاء أنه رآها في الجنة". أخرجاه عن جابر بن عبد الله.
وأخبر في يوم صلاة الكسوف: "أنه عرضت عليه الجنة والنار، وأنه دنت منه الجنة، وأنه هم أن يأخذ منها قطفا من عنب. ولو أخذ ثمة لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".
وفي الصحيحين: من طريق الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "رأيت عمرو بن عامر بن الخزاعي ابن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار".
وقال في الحديث الآخر: "ورأيت فيها صاحب المحجن".
وقال رسول الله ﷺ: "دخلت امرأة النار، في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". ولقد رأيتها تحمشها".
وأخبر عن الرجل الذي ينحي غصن شوك عن طريق المارة. فقال: "فلقد رأيته يستظل به في الجنة".
وفي الحديث: في صحيح مسلم: عن أبي هريرة بلفظ أخر.
وفي الصحيحين: عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ قال: "أطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء".
وفي صحيح مسلم: من طريق المختار بن فلفل المخزومي، عن أنس، عن رسول الله ﷺ قال: "والذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قالوا: يا رسول الله فما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار".
وأخبر أن المتوضىء إذا تشهد بعد وضوئه فإنه تفتح له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء".
وفي صحيح البخاري: من حديث شعبة، عن عدي بن حاتم، عن البراء بن عازب، قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله ﷺ قال: "إن له لمرضعا في الجنة".
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، حدثنا ابن عباس الرملي، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن الأصبهاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "أولاد المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة".
وكذا رواه وكيع: عن سفيان- وهو الثوري- والأحاديث في هذا كثيرة جدا، وقد أوردنا كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم.
وقال الله تعالى: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة".
والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى، وذهب طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض، خلقها الله تعالى له، ثم أخرجه منها.
وقد ذكرنا ذلك مبسوطا في قصة آدم، من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته، وبالله المستعان.
وثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله ﷺ قال: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا".
كذا روى الترمذي: من حديث جابر، وصححه أنس واستغربه.
وللترمذي من حديث أبي هريرة، وصححه، وأ بي سعيد، وحسنه: "بنصف يوم، خمسمائة عام".
قلت: فإن كان محفوظا- كما صححه الترمذي- فتحصل أن ذلك باعتبار أول دخول الفقراء، وآخر الأغنياء، ويكون الأربعون خريفا، باعتبار ما بين دخول آخر الفقراء، وأول الأغنياء، والله أعلم.
وقد أشار إلى ذلك القرطبي في التذكرة حيث قال: "وقد يكون ذلك باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء" يشير الى ما ذكرناه.
قال الزهري: "كلام أهل الجنة عربي، وبلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة بالسريانية، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية".
فصل في المرأة تتزوج في الدنيا بأزاواج وتكون في الجنة لمن كان في الدنيا أحسنهم خلقا
ذكر القرطبي في التذكرة: من طريق وهب، عن مالك، أن أسماء بنت أبي بكر شكت زوجها الزبير إلى أبيها فقال: "يا بنية، اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله يكون زوجك في الجنة". وقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر المرأة، تزوجها في الجنة.
وقال أبو بكر بن العربي: هذا حديث غريب.
وقد روي عن أبي الدرداء، وحذيفة بن اليمان. أن المرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا، وجاء: أنها تكون لأحسنهم خلقا.
قال أبو بكر النجاد: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن شاكر، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار، حدثنا يسار بن هارون، عن حميد بن أنس، أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله: المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا، فلأيهما تكون؟ فقال: "لأحسنهما خلقا كان معها في الدنيا".
ثم قال: "يا أم حبيبة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" .
وقد روي عن أم سلمة، نحو هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإليه المرجع والمآب.
.... انتهى بفضل الله وكرمه ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق