قال الله تعالى: "حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وثبت في الصحيحين: واللفظ لمسلم: من حديث أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، قال: قال رسولى الله ﷺ: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا" . وفي رواية للبخاري: "ثلاثون ميلا" وصح. "ستون ميلا".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن حفص، حدثنا منصور، حدثنا يوسف بن الصباح، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: "الخيمة من درة مجوفة، طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، ولها ألف باب من ذهب، حولها سرادق دورة خمسون فرسخا، يدخل عليه من كل باب بهدية من الله عز وجل، وذلك قوله: "والملائكة يدخلون عليهم من باب".
وقال ابن المبارك: أخبرنا همام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "الخيمة درة، من درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب".
وقال قتادة: عن خالد العصري عن أبي الدرداء قال: "الخيمة لؤلؤة واحدة، لها سبعون بابا كلها من در".
ذكر تربة الجنة
ثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن أنس بن مالك، عن أبي ذر، في حديث المعراج، قال رسول الله ﷺ: "أدخلت الجنة فإذا فيها جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد، حدثنا الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ سأل ابن صائد عن تربة الجنة فقال: "هي در مكة بيضاء، مسك خالص". فقال رسول الله ﷺ: "صدق".
هكذا رواه الإمام أحمد: ورواه مسلم: من حديث أبي سلمة، عن أبي نضرة بنحوه، وقد رواه مسلم أيضا: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن ابن صياد سأل النبي ﷺ عن تربة الجنة فقال: "هي درمكة بيضاء مسك خالص".
وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله ﷺ في اليهود: "إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي درمكة بيضاء، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله ﷺ: "الخبز من الدر".
وتقدم في حديث أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما: في صفة بناء الجنة، أن: "ملاطها المسك، وحصباءها اللؤلؤ، والياقوت، وترابها الزعفران".
والملاط في اللغة: عبارة عن الطين الذي يجعل بين ساقي البناء، يملط به الحائط، فلعل بعض بقاعها ترابه المسك، وبعضها ترابه الزعفران، والله أعلم.
ومع هذه العظمة والاتساع، فقد تقدم في الصحيح عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال: "وقاب قوس أحدكم أو موضع قده خير من الدنيا وما فيها".
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن تمام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير من السماء والأرض". على شرط الشيخين.
وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سليمان بن جنيد حدثه: أن عامر بن سعد بن أبي وقاص- قال سليمان: لا أعلم ألا أنه حدثني عن أبيه- عن رسول الله ﷺ قال: "لو أن أقل نور من الجنة ظهر للدنيا، لزخرف له ما بين السماء والأرض".
ذكر أنهار الجنة وأشجارها وثمارها
قال الله تعالى: "تجري من تحتها الأنهار".
وقال: "من تحتهم الأنهار".
وقال الله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم".
وقال تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الحريري، عن حكيم بن معاوية بن أبي بهز، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "في الجنة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد".
رواه الترمذي، عن بندار، عن يزيد بن هارون به، وقال: حسن صحيح، وقال أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عبد الله بن محمد بن السمان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإيادي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن قيس، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: "تظنون أن لأنهار الجنة حدودا في الأرض. لا والله، إنها لسابحة على وجه الأرض، حافاتها اللؤلؤ، وقبابها اللؤلؤ، وطيبها المسك الأذفر".
وقد قيل: يا رسول الله: وما الأذفر؟ قال: " الذي لا خلط له".
وقد رواه ابن أبي الدنيا: عن يعقوب بن عبيد، عن يزيد بن هارون، به، موقوفا، وروى البيهقي: عن الحاكم، وغيره، عن الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن أبي ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبداللة بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركه في الدنيا، ومن سره أن يكسيه الله الحرير في الآخرة، فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعا، لكانت حلية أدنى أهل الجنة، أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا".
وروي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن عبد الله، قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك".
قلت: وهذا بالموقوف أصح.
صفة الكوثر
وهو أشهر أنهار الجنة سقانا الله تعالى منه بمنه وكرمه
قال الله تعالى: "إنا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر".
وثبت في صحيح مسلم: من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، أن رسول الله ﷺ حين أنزلت عليه هذه السورة قال: "أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل، عليه خير كثير".
وفي الصحيحين: من حديث سنان، عن قتادة، عن أنس، في حديث المعراج، قال رسول الله ﷺ: "أتيت على نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل".
ورواه أحمد: عن ابن عدي، عن حميد، عن أنس، به.
وفي رواية: "فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر".
ولهذا طرق كثيرة: عن أنس، وغيره من الصحابة، وله ألفاظ متعددة.
قال أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: "الكوثر نهر في الجنة، وعدنيه ربي عز وجل".
ورواه مسلم: عن أبي كريب، عن ابن فضيل.
وقال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "أعطيت الكوثر، فإذا نهر يجري على وجه الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفا، فضربت بيدي إلى ترتبه، فإذا ترابه مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ".
قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني محمد بن عبيد الله ابن شهاب ابن أخي شهاب، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله ﷺ عن الكوثر فقال: "هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور". فقال أبو بكر: يا رسول الله: إنها لناعمة: فقال: "أكلها أنعم منها".
وقال الحاكم: أخبرنا الأصم، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا إدريس بن يحيى، حدثني الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن حصين بن محصن الخطمي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي".
فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله: "فقال: "أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر".
ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة: عن قتادة، مرسلا.
وقال أحمد: حدثنا مسلمة الخراجي، حدثنا ثابت، عن يزيد بن المهاد، عن عبد الوهاب بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مسلم، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ سئل عن الكوثر فقال: "نهر أعطانيه الله عز وجل، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه طير أعناقها كأعناق الجزور". فقال عمر: يا رسول الله: إن تلك الطيور الناعمة؟ فقال: "أكلها أنعم منها يا عمر".
وكذلك رواه الدراوردي: عن ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس.
رواية ابن عمر
قال أحمد: حدثنا ابن حفص، أخبرنا ورقاء، قال: وقال عطاء: عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ، إن ماءه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".
وقد رواه إسماعيل بن علية، ومحمد بن فضيل: عن عطاء بن السائب، عن محارب، عن ابن عمر، مرفوعا: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه الذهب، مجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، ماؤه أشد بياضا من الثلج".
وفي رواية: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن الزبد".
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، من حديث محمد بن فضيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية ابن عباس
قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في الكوثر: "هو الخير الذي أعطاه الله إياه". قال ابن بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه".
وقد روى ابن جرير: عن أبي كريب، حدثنا عمر بن عبيد؟ عن عطاء بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل".
كذا رواه العوفي، عن ابن عباس.
رواية عاثشة
قال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قال: سألتها عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" فقالت: "الكوثر نهر أعطيه نبيكم ﷺ، شاطئاه در مجوف آنيته كعدد النجوم".
ثم قال البخاري: وقد رواه زكريا، وأبو الأحوص، ومطرف، عن أبي إسحاق، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "هو الجنة".
وقالت عائشة: "هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر".
وروى ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: "من أحب أن يسمع، خرير الكوثر- أي صوت سير مياهه- فإنه لا يسمعه بعينه، بل إن دويه كدوي ما يسمع إذا وضع الإنسان إصبعيه في أذنيه".
ذكر نهر البيدخ في الجنة
قال أحمد: حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: "كان رسول الله ﷺ: تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فإذا رأى الرجل رؤيا، يسأل عنه، فإذا كان ليس به بأس، أعجب برؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله: رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت وجبة انتحب لها أهل الجنة، فنظرت، فإذا قد جيء بفلان ابن فلان، وفلان ابن فلان، حتى عددت اثني عشر رجلا، وقد بعثت رسول الله ﷺ سرية قبل ذلك، قال: فجيء بهم، عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى البيدخ قال نهر البيدخ- قال: فغمسوا فيه، فخرجوا وجوههم كالقمر ليلة البدر، قالت: ثم أتوا بكراسي من ذهب، فقعدوا عليها، فأتى بصحفة أو مبكلة فيها بسر فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية، فقال: يا رسول الله: كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة، فقال رسول الله ﷺ: علي بالمرأة، فجاءت، فقال: قضي على هذا رؤياك: فقصت، فقال: هو كما قالت يا رسول الله.
نهر بارق على باب الجنة
قال أحمد: حدثنا يعقوب: حدثنا أبي، عن ابن سحاق، عن الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: "الشهداء على بارق نهر على باب الجنة في قبة خضراء، يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا".
في حديث الإسراء: في ذكر سدرة المنهى قال: "فإذا بها يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران، فالباطنان في الجنة والظاهران النيل والفرات".
وفي مسند أحمد، وصحيح مسلم، واللفظ له: من حديث عبيد الله بن عمر، عن حبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي بريزة، قال: قال رسول الله ﷺ: "سيحان وجيحان والفرات والنيل وكل من أنهار الجنة".
وروى الحافظ الضياء: من طريق عثمان بن سعيد بن سابق، عن سلمة بن علي الخشني، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: "أنزل الله من الجنة خمسة أنهار: سيحون، وهو نهر الهند، وجيحون، وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل، وهو نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة، من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، من أصناف معايشهم، فذلك قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض". فإذا كان خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله جبريل، فرفع من الأرض القرآن العظيم، والعلم كله، والحجر الأسود، من ركن البيت بمقام إبراهيم، وتابوت موسى، بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فرفع كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: "وإنا على ذهاب به لقادرون". "فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض، فقد حرم أهلها خير الدنيا والآخرة".
وهذا حديث غريب جدا، بل منكر، ومسلمة بن علي ضعيف الحديث عند الأئمة...
وقد وصف الله سبحانه وتعالى أنهار الجنة بكثرة الجريان، وأن أهل الجنة يجرونها حيث شاءوا أي يستنبطونها في أي المحال أحبوا، يبعث لهم العيون بفنون المسارب والمياه، وقد قال ابن مسعود: "ما في الجنة عين إلا تنبع من تحت جبل مسكة".
وروى الأعمش: عن عمر بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، أنه قال: "أنهار الجنة تفجر من جبل مسك".
وقد جاء هذا الحديث مرفوعا، رواه الحاكم في مستدركه فقال: أخبرنا الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أسد بن موسى، حدثنا ابن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من سره أن يسقيه الله من الخمرة في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال- أو جبال- المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا".
فصل أشجار الجنة
قال الله تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا".
وقال تعالى: "ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان". والأفنان: الأغصان.
وقال تعالى: "مدهامتان". أي مائلتان إلى السواد، من شدة خضرتهما، واشتباك أشجارهما.
وقال تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان". أي قريب من التناول وهم على الفراش.
كما قال تعالى: "قطوفها دانية".
وقال تعالى: "وذللت قطوفها تذليلا".
وقال تعالى: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود "وظل ممدود وماء مسكوب "وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة "وفرش مرفوعة".
وقال تعالى: "فيهما فاكهة ونخل ورمان".
وقال تعالى: "فيهما من كل فاكهة زوجان".
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات الفرار، عن أبيه، عن جده، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب".
وكذا رواه الترمذي: عن أبي سعيد، عبد الله بن سعيد الكندي الأشج- وقال: حسن صحيح.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وفروعها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم، وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء. أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، واللبن من الزبد، ليس فيه عجم".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا ربعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "الظل الممدود شجرة في الجنة، على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام، أي كل نواحيها قال: فيخرج إليها أهل الجنة، أهل الغرف، وغيرهم فيتحدثون في ظلها". قال: "فيشتهي بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة، فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا".
في الجنة شجرة يسير راكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها
ثبت في الصحيحن: من رواية وهب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" . قال: فحدثت به النعمان بن أبي العباس الزرقي: فقال: حدثني أبوسعيد الخدري: عن النبي ﷺ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها".
وفي صحيح البخاري: من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي ﷺ في قول الله تعالى: "وظل ممدود". قال: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
وقال أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة". اقرأوا إن شئتم: "وظل ممدود".
قال رسول الله ﷺ: "لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب".
ورواه البخاري عن محمد بن سنان، عن فليح.
ولمسلم من طريق الأعرج: عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، لا يقطعها".
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ليث بن سويد، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المدني عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة".
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم ﷺ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة".
قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة قال: سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: "إن الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج، عن عقبة، سمعت أبا الضحاك تحدث عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين- أو مائة- سنة هي شجرة الخلد".
شجرة طوبى
قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبيد الله السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فسأله عن الحوض، وذكر الجنة، فقال الأعرابي: فيها فاكهة. قال: نعم. وفيها شجرة تدعى طوبى؟ فذكر شيئا لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئا من شجر أرضك، فقال النبي ﷺ: أتيت الشام؟ قال: لا. قال: تشبه شجرة بالشام، تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها. قال: ما عظم أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك، ما أحطت بأصلها حتى ينكسر عرقوبها هرما. قال: فيها عنب؟ قال: نعم. قال: فما عظم العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر. قال: فما عظم الحبة أنتخذ منها دلوا؟ قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الجنة لتسعني وأهل بيتي؟ قال: وعامة عشيرتك.
وقال حرملة عن عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، أن دراجا حدثه، أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ أن رجلا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فقال: "طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني " فقال رجل: يا رسول الله: وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
سدرة المنتهى
قال الله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى".
وذكرنا في التفسير: أنه غشيها نور الرب جل جلاله، وأنه غشيتها الملائكة، عليها مثل الغربان، يعني كثرة- وأنه غشيتها فراش من ذهب، وغشيتها ألوان متعددة.
قال رسول الله ﷺ: "يغشاها الألوان، لا أدري ما هي، ما يستطيع أحد أن ينعتها".
وفي الصحيحين: عنه ﷺ أنه قال في حديث المعراج: "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، في السماء السابعة، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، وإذا هي يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، قلت: يا جبريل: ما هذا؟ قال: أما النهران الباطنان ففي الجنة، وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات".
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله ﷺ وذكر سدرة المنتهى- فقال: "يسير في ظل العين منها الراكب مائة سنة- أو قال-: يستظل في ظل العين منها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبيد الله بن عثمان، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: أصحاب رسول الله ﷺ يقولون: "إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم: قال: أقبل أعرابي يوما فقال: يا رسول الله: ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها بشوكها". فقال رسول الله ﷺ: "أليس الله يقول: "في سدر مخضود". خضد الله شوكه، فجعل الله مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرا ينفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا، ما فيها لون يشبه الآخر".
وقد روى هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر.
فقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا حبيب بن عتبة بن عبد السلام قال: كنت جالسا مع رسول الله ﷺ فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله: أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكبر شوكا منها:- يعني الطلح-: فقال رسول الله ﷺ: "إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لونا من الطعام، لا يشبه منها لون لونا آخر". والملبود: الذي يتلبد صوفه بعضه على بعض.
وروى الترمذي: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد: اقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. ثم قال: حسن غريب.
وفي الباب عن أبي هريرة، وقد روى ابن ماجه: عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ مر عليه وهو يغرس غرسا، فقال: "ألا أدلك على غراس خير من هذا؟ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة".
وروى الترمذي عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له شجرة في الجنة" ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
فصل ثمار الجنة
نسأل الله تعالى أن يطعمنا منها بمنه وكرمه آمين
قال الله تعالى: "فيهما فاكهة ونخل ورمان".
وقال: "فيهما من كل فاكهة زوجان".
وقال: "متكئين على فرثس بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان". أي قريب من المتناول كما قال تعالى: "وذللت قطوفها تذليلا".
وقال تعالى: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة". أي لا تنقطع في بعض الأزمان، بل هي موجودة في كل أوان، كما قال تعالى: "أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا". أي ليس كالدنيا، التي تأتي ثمارها في بعض الفصول، وتفقد في وقت آخر، وتكتسي أشجارها الأوراق في وقت، وتخلعها في وقت آخر، ولا ممنوعة: أي من أرادها فإنها ليس دونها حجاب، ولا مانع، بل من أرادها فهي موجودة، سهلة، منالها قريب، حتى ولو كانت الثمرة في أعلى الشجرة، فأراد أخذها، اقتربت منه وتدلت إليه.
قال أبو إسحاق: عن البراء، "وذللت قطوفها تذليلا" أدنيت حتى يتناولوها وهم نيام.
وقال تعالى: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون".
وقال تعالى: "إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزي المحسنين".
وقال تعالى: "وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون".
وقد سبق فيما أوردناه من الأحاديث: أن تربة الجنة من مسك وزعفران، وأنه ما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب فإذا كانت تربة الجنة هذه، والأصول كما ذكرنا، فما ظنك بما يتولد منها، من الثمرة الرائقة، الناضجة، الأنيقة، التي ليس في الدنيا منها إلا الأسماء؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: "ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء".
وإذا كان السدر الذي في الدنيا وهو لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل، يكونان في الجنة في غابة من كثرة الثمار وحسنها، حتى إن الثمرة الواحدة منها تنفتق عن سبعين نوعا من الطعوم، والألوان، التي يشبه بعضها بعضا، فما ظنك بثمار الأشجار، التي تكون في الدنيا حسنة الثمار، كالتفاح، والنخل، والعنب، وغير ذلك؟ وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير؟ وبالجملة، فإن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله منها فضله.
وفى الصحيحين: من حديث مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، في حديث صلاة الكسوف. قالوا: يا رسول الله: رأيناك تناولت شيئا من مكانك هذا ثم رأيناك تكفكفت، فقال: "إني رأيت- أو أريت- الجنة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه، ما بقيت الدنيا".
وفي المسند: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، لنقال: "إني عرضت على الجنة. وما فيها من الزهرة، والنضرة، فتناولت منها قطفا من عنب، لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به، لأكل منه من بين السماء والأرض ينقصونه". وفي صحيح مسلم: من رواية أبي الزبير، عن جابر، شاهد ذلك.
وتقدم في المسند: عن عتبة بن عبد الله السلمي، أن أعرابيا سأل رسول الله ﷺ عن الجنة: فيها عنب؟ فقال: "نعم. فقال: فما عظم العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبفقع لا يفتر" وقال القاسم الطبراني: حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا علي بن المديني، حدثنا ريحان بن سعيد، عن عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى". قال الحافظ أيضا: عبادتكم فيه بعض العلماء.
وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عقبة بن مكرم العمي، حدثنا ربعي بن إبراهيم بن علية، حدثنا عون: عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ﷺ: "لما أهبط آدم من الجنة، علمه الله صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أنها تتغير، وتلك لا تغير".
قال الله تعالى: "وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون".
قال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه، فيخر بين يديك مشويا"..
وفي الترمذي:- وحسنه- عن أنس، سئل رسول الله ﷺ عن الكوثر فقال: "نهر أعطانية الله عز وجل، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقه كأعناق الجزور". فقال عمر: إنها لناعمة: فقال رسول الله ﷺ: "أكلها أنعم منها" وفي تفسير الثعلبي عن أبي الدرداء، مرفوعا: "إن في الجنة طيرا أعناقه كأعناق البخت، يصطف على يد ولي الله، فيقول أحدها: يا ولي الله رعيت في مروج تحت العرش، وشربت من عيون النسيم، فكل مني: فلا يزال يفتخر بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها، فيخر بين يديه على ألوان مختلفة، فيأكل منه ما أراد، حتى إذا شبع، تجمعت عظام الطائر، فصار يرعى في الجنة حيث شاء، فقال عمر: يا نبي الله: إنها لناعمة؟ فقال: "أكلها أنعم منها". غريب: من رواية أبي الدرداء.
ذكر طعام أهل الجنة وأكلهم فيها وشرابهم وشربهم فيها نسأل الله من فضله أن يمن علينا بها
وقال الله تعالى: "كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية".
وقال: "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما".
وقال تعالى: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا".
وقال تعالى: وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون".
وقال تعالى: "يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون".
وقال تعالى: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا".
وقال تعالى: "ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا".. أي في صفاء الزجاج، وهي من فضة، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، وهي مقدارة على قدر كفاية ولي الله في شربه، لا يزيد عليه، ولا ينقص من كفايته شيئا، وهذا يدل على الاعتناء والشرف.
وقال تعالى: "ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا".
وقال تعالى: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها". أي كلما جاءتهم الخدم بشيء من ثمار وغيرها، حسبوه الذي أتوا به قبل هذا، لمشابهته له في الظاهر، وهو في الحقيقة خلافه، فتشابهت الأشكال واختلفت الحقائق، والطعوم، والروائح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا مسكين بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، من له سبع درجات، وثلاثمائة خادم، يغدون عليه ويروحون كل يوم بثلاثمائة صحفة، ولا أعلمه إلا قال: من ذهب صحفة لون، ليس في الأخرى، وإنه، ليلذ أوله، كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء، في كل إناء لون، ليس في الآخر، وإنه ليلذ أوله، كما يلذ آخره، وإنه ليقول: يا رب: لو أذنت، لأطعمت أهل الجنة، وسقيتهم، لم ينقص ذلك مما عندي شيئا، وأنه له من الحور العين، اثنتين وسبعين زوجة، سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض". تفرد به أحمد، وهو غريب وفيه انقطاع.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم، قال: أتى النبي ﷺ رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم: ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ وكان قد قال لأصحابه: إن أقر لي بهذا خصمته- قال: فقال رسول الله ﷺ: "بلى والذي نفسي بيده: إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع "، قال: فقال اليهودي: إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة: قال: فقال النبي ﷺ: "حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك، فإذا البطن قد ضمر".
ثم رواه أحمد: عن وكيع، عن الأعمش، عن ثمامة، سمعت زيد بن أرقم، فذكره، وقد رواه النسائي: عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن الأعمش به، ورواه أبو جعفر الرازي: عن الأعمش، فذكره. قال اليهودي: فإن يأكل ويشرب تكن له الحاجة، وليس في الجنة أذى؟ فقال رسول الله ﷺ: "تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك، فيضمر بطنه".
قال الحافظ الضياء: وهذا عندي على شرط مسلم، لأن ثمامة ثقة، وقد صرح بسماعه من زيد بن أرقم.
حديث آخر في ذلك
قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يتمخطون، ولا يبزقون، طعامهم جشاء، ورشح كرشح المسك".
وقد رواه مسلم: من حديث أبي طلحة. عن نافع، عن جابر، فذكره قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء"، ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد".
وكذا أخرجه من حديث أبي جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، فذكره وقال: "طعامهم ذلك جشاء كريح المسك، ويلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس".
طريق ثالثة عن جابر
قال أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التيمي، عن جابر بن عبد الله، قال: سئل النبي ﷺ: "أيأكل أهل الجنة؟ فقال: "نعم: ويشربون، ولا يبولون فيها، ولا يتغوطون، ولا يتنخمون، إنما يكون ذلك سحما ورشحا كرشح المسك، يلهمون التسبيح، والتحميد، كما يلهمون النفس".
طريق رابعة عن جابر
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة- وهو يعرف بعبدان-، حدثنا أبو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون، يلهمون التسبيح، والحمد، كما يلهمون النفس". عن أبي سفيان، ولم يصح سماعه منه وسماعه من أبي صالح صحيح.
أحاديث آخرى شتى
قال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة، عن حمد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود، قال: قال لي رسول الله ﷺ: "إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه، فيخر بين يديك مشويا".
يشتهي بعض أهل الجنة أن يزرع فيجيبه الله عز وجل إلى ما يطلب، وكلمة مستملحة من أعرابي بدوي يضحك لها رسول الله ﷺ
وقال أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، عن فليح بن هلال، عن علي بن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال يوما وهو يحدث وعنده رجل من أهل البادية: "إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز وجل في الزرع، فقال له ربه: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكن أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته، واستواؤه، واستحضاره، فكان أمثال الجبال، قال: فيقول له ربه عز وجل: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء، قال: فقال الأعرابي: ما نجده إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحابه، قال: فضحك رسول الله ﷺ.
ورواه البخاري: من حديث أبي عامر العقدي: عن عبد الملك بن عمرو، به.
ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة
وروى أحمد: عن إسماعيل بن علقمة، عن حميد. وأخرجه البخاري: من حديثه، عن أنس بن عبد الله بن سلام، قال: سئل رسول الله ﷺ لما قدم المدينة، عن أشياء منها "وما أول شيء يأكله أهل الجنة؟ فقال: زيادة كبد حوت".
وفي صحيح مسلم: من رواية أبي أسماء، عن ثوبان، أن يهوديا سأل رسول الله ﷺ قال: "فما تحفتهم حين يدخلون الجنة". قال: "زيادة كبد حوت". قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: "يخر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها". قال فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا، قال: "صدقت".
وفي الصحيحين: من حديث عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفأها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود، فقال بارك الله فيك يا أبا القاسم: الأهل الجنة نزلا يوم القيامة؟ قال: بلى، قال: ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة يوم القيامة، قال: ألا أخبرك بإدامهم. قال: بلى، قال: إدامهم بالام، ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادة كبد أحدهما سبعون ألفا".
وقال الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، وفي قوله تعالى: "يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك". قال: "الرحيق: الخمر، مختوم: يجدون عاقبتها ريح المسك".
وقال سفيان بن عطاء بن السائب: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: "ومزاجه من تسنيم". قال "هو أشرف شراب أهل الجنة، يشربه المقربون صرفا ويمزج لأهل اليمين".
قلت: وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة بصفات جميلة حسنة، ليست في خمور الدنيا، فذكر أنها أنهار جارية، كما قال تعالى: "فيها عين جارية". وكما قال الله تعالى: "فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهاز من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى". فهذه الخمرة أنهار جارية، مستمدة من بحار كبار هناك، ومن عيون تنبع من تحت كثبان المسك، ومما يشاء الله عز وجل، وليست بأرجل الرجال في أسوأ الأحوال، وذكر أنها لذة للشاربين، لا كما توصف به خمرة الدنيا من كراهة المطعم، وسوء الفعل في العقل، ومغص البطن، وصداع الرأس وقد نزهها تعالى عن ذلك في الجنة فقال تعالى: "يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء". أي حسنة المنظر. "لذة للشاربين" طيبة الطعم "لا فيها غول" وهو وجع البطن "ولا هم عنها ينزفون" أي لا تذهب عقولهم. وذلك أن المقصود من الخمر: إنما هو الشدة المطربة، وهي الحالة البهجة التي يحصل بها السرور للنفس، وهذا حاصل في خمر الجنة، فأما إذهاب العقل، بحيث يبقى شاربها كالحيوان أو الجماد، فهذا نقص، إنما ينشأ من خمر الدنيا، فأما خمر الجنة فلا تحدث هذا، إنما يحصل عنها السرور والابتهاج ولهذا قال: "لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون". أي ولا هم عنها أي بسببها تنزف عقولهم، فتذهب بالكلية.
وقال في الآية الأخرى: "يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون". أي لا يورث لهم صداعا في رؤوسهم، ولا تنزف عقولهم.
وقال في الآية الأخرى: ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون".
وقد ذكرنا التفسير عن عبد الله بن عباس: "أن الجماعة من أصحاب الجنة، يجتمعون على شرابهم، كما يجتمع أهل الدنيا، فتمر بهم السحابة، فلا يسألون شيئا إلا أمطرت عليهم، حتى إن منهم من يقول: أمطرينا كواعب أتراب، فتمطرهم كواهب أترابا".
وتقدم أنهم يجتمعون عن شجرة طوبى، فيذكرون لهو الدنيا- وهو الطرب- فيبعث الله ريحا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا.
وفي بعض الآثار: أن الجماعة من أهل الجنة يجتازون وهم ركبان على نجائب الجنة وهم صف بالأشجار، فتتفرق الأشجار عن طريقهم ذات اليمين، وذات الشمال، لئلا يفرق بينهم. هذا كله من فضل الله عليهم ورحمته بهم، فعله الحمد والمنة.
والأكواب: هي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، والأباريق بخلافها من الوجهين، والكأس هو القدح فيه الشراب وقال تعالى: "وكأسا دهاقا". أي ملأى مترعة ليس فيها نقص.
وقال تعالى: "لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا". أي لا يصدر عنهم على شرابهم لشيء من اللغو، وهو الكلام الساقط، التافه ولا تكذيب. كما قال تعالى: "لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما".
وقال تعالى: "لا لغوؤ فيها ولا تأثيم"..
وقال تعالى: "لا تسمع فيها لاغية".
وقال: "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما".
وثبت في الصحيحين: عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة".
ذكر لباس أهل الجنة وحليهم وثيابهم وجمالهم نسأل الله تعالى منها
قال الله تعالى: "عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا".
وقال تعالى: "جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير".
وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا".
وقد ثبت في الصحيحين: عن رسول الله ﷺ قال: "تبلغ الحلة من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
وقال الحسن البصري: "الحلة في الجنة على الرجال أحسن منها على النساء".
وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة: عن عبيد بن خالد، عن الحسن، عن أبي هريرة، أن أبا أمامة حدثه: أن رسول الله ﷺ حدثهم- وذكر أهل الجنة- فقال: "إنهم مسورون بالذهب، والفضة، مكللون بالدر، وعليهم أكاليل در، وياقوت وعليهم تاج كتاج الملوك، شباب، جرد، مكحولن".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن داود بن عامر بن سعد أبي وقاص، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ قال: "لو أن رجلا من الجنة أطلع قيد سواره لطمس ضوءه الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من يدخل الجنة ينعم، ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
وأخرجه مسلم: من حديث زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، إلى قوله: "لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله؟ حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الجلاس، عن أبي رافع، أن نبي الله ﷺ قال: "للمؤمن زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما".
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الحلواني، والحسن بن علي النسوي، قالا: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: "أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية كأحسن كوكب دري في السماء، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء".
قال الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح.
وقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي، حدثنا أبو أيوب- مولى لعثمان ابن عفان- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: قيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة الى الأرض، لملأت ما بينهما ريحا، ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". قال: قلت: يا أبا هريرة: وما النصيف في ذلك؟ قال: الخمار. قلت: الخزرج بن عثمان البصري تكلموا فيه، ولكن له شاهد في الصحيح، كما تقدم في صحيح البخاري، عن أنس، عن النبي ﷺ، وفيه: "لنصيفها- يعني الخمار- خير من الدنيا وما فيها".
وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرنا عمر، أن دراجا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ: "إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحرك، ثم تأتيه زوجته- أراه قال-: فتضربه على منكبيه، فينظر وجهه فى خدها أصفى. من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه، فيرد السلام، ويسألها: من أنت؟ فتقول: أنا المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها التيجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب".
ورواه أحمد عن حسن، عن ابن لهيعة، عن دراج به بطوله.
وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ تلا قوله تعالى: "جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب". فقال: "إن عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب".
وقد روى الترمذي في ذكر التيجان من حديث عمرو بن الحارث.
وروى الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن مهدي، عن جبار بن خارجة السلمي، عن عبد الله بن عمر، قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب الجنة: أخلق يخلق أم نسيج ينسج؟ فضحك بعض القوم. فقال رسول الله ﷺ: "مم تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما. ثم أكب رسول الله ﷺ فقال: أين السائل؟ قال: هوذا أنا يا رسول الله. قال: لا، بل تنشق عنها ثمر الجنة". قالها ثلاث مرات.
ورواه أحمد أيضا عن أبي كامل، عن زياد بن عبد الله بن علاثة القاص أبو سهل، عن العلاء بن رافع، عن الفرزدق بن حنان القاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه. في حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد: قال رجل: يا رسول الله وما طوبى؟ قال: "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا عتبة، حدثنا أبو إسماعيل بن عباس، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن سلام الأسود، سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله ﷺ: قال: "ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى، فتفتح له أكمامها يأخذ من أي ذلك، إن شاء أبيض، وإن شاء أخضر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان، وأرق وأحسن". غريب حسن.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سويد بن سعد، حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي، عن خاله الرميل بن سماك، أنه سمع أباه قال: قلت لابن عباس: ما حلل أهل الجنة؟ قال: فيها شجر فيها ثمر كأنه الرمان، فإذا أراد ولي الله كسوة، انحدرت إليه من غصنها، فانقلعت عن سبعين حلة، ألوانا بعد ألوان، ثم ينطلق فترجع كما كانت".
وتقدم عن الثوري، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وفروعها من ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم".
صفة فرش أهل الجنة
قال الله تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان".
قال ابن مسعود: إذا كانت البطائن من إستبرق، فما بالك بالظهائر؟
وقوله تعالى: "وفرش مرفوعة".
روى أحمد: والترمذي: من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ تلا قول الله تعالى: "وفرش مرفوعة". ثم قال: "والذي نفسي بيده، إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة عام".
ثم قال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين.- يعني عمرو بن الحارث- عن دراج.
قلت: ورواه حرملة، عن ابن وهب. ثم قال الترمذي: وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث: "إن معناه ارتفاع الفرش في الدرجات وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض".
قلت: ومما يقوي هذا ما رواه عبد الله بن وهب، عن عمر، وعن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ في قوله تعالى: "وفرش مرفوعة" قال: "ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض". وهذا يشبه أن يكون محفوظا.
وقال حماد بن سلمة: عن علي بن زيد بن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن كعب الأحبار، في قوله نعالى: "وفرش مرفوعة". قال: مسيرة أربعين سنة.
يعني أن الفرش في كل محل وموطن موجودة مهيأة، لاحتمال الاحتياج إليها في ذلك الموضع، كما قال تعالى: "فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة". أي النمارق، وهي المخاد، مصفوفة مسومة هاهنا، وهاهنا في كل مكان من الجنة كما قال تعالى: "متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان".
والعبقري: هي عتاق البسط أي جيادها، وخيارها، وحسانها، وقد خوطب العرب بما هو عندهم أحسن، وفيها أعظم مما في النفوس وأجل، من كل صنف ونوع، من أجناس الملاذ والمناظر، وبالله المستعان.
والنمارق: جمع نمرقة بضم النون وحكى كسرها، وهي الوسائد، وهي المساند، وقد يعمها اللفظ.
والزرابي: البسط، والرفرف: قيل رياض الجنة، وقيل ضرب من الثياب، والعبقري، جياد البسط، والله أعلم.
حلية الحور العين وبنات آدم وشرفهن عليهن وكم لكل واحدة منهن
قال الله تعالى: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربنكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقال تعالى: "فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام".
وقال تعالى: "لهم فيها أزواج مطهرة". أي من الحيض، والنفاس، والبول، والغائط والبزاق، والمخاط، لا يصدر منهن شيء من ذلك، وكذلك طهرت أخلاقهن وأنفاسهن وألفاظهن ولباسهن وسجيتهن.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، عن أبي نضرة، عن أبيط سعيد، عن النبي ﷺ في قوله تعالى: "ولهم فيها أزواج مطهرة". قال: "من الحيض والغائط والنخامة والبزاق".
وقال أبو الأحوص: عند قوله: "مقصورات في الخيام". "بلغنا فى الرواية أن سحابة أمطرت من تحت العرش فخلقن من قطراتها، ثم ضربت على كل واحدة خيمة على شاطىء الآنهار، سعتها أربعون ميلا، وليس لها باب، حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب، ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة، والخدم، لم تأخذها، فهن مقصورات قد قصرت عن أبصار المخلوقين".
وقال تعالى: "وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون".
وقال في الآية الآخرى: "كأنهن بيض مكنون".
قيل: إنه بيض النعام المكنون في الرمل: وبياضه عند العرب أحسن ألوان البياض، وقيل: المراد به اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفة.
وقال تعالى: "إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين". أي أنشأهن الله بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا، فصرن في الجنة شبابا طريا أبكارا عربا أي: متحببات إلى بعولهن، أترابا لأصحاب اليمين أي: في مثل أعمارهم.
أسئلة من أم سلمة رضي الله عنها وأجوبة من رسول الله ﷺ حول نساء أهل الجنة
قال الطبراني: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمر بن هاشم البروي، حدثنا سليمان بن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أبيه، عن أم سلمة: قالت: قلت يا رسول الله: أخبرني عن قول الله: "حور عين". فقال: حور عين: ضخام العيون أشفار الحور بمنزلة جناح النسر. قلت: أخبرني عن قوله: "كأمثال اللؤلؤ المكنون". قال: صفاء من صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: فيهن خيرات حسان. قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: كأنهن بيض مكنون. قال: رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القصرة وهو آخر الغرقى. قلت: يا رسول الله: أخبرني عن قوله: عربا أترابا. قال: هن اللواتي قد صرن فى دار الدنيا عجائز رمصا شمطا يصرن في الجنة متعشقات متحببات، أترابا على ميلاد واحد. قلت: يا رسول الله: أخبرني نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة. قلت: يا رسول الله، بماذا؟ قال: بصلاتهن وصيامهن، وعبادتهن الله، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلى، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كان لنا وكنا له. قلت: يا رسول الله: المرأة منا تتزوج الزوجين، والثلاثة، والأربعة، فتموت، فتدخل الجنة، ويدخلون معها، من يكون زوجها؟ قال: يا أم سلمة، إنها تخير، فتختار أحسنهم خلقا، فتقول: يا رب: إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا مسعدة بن اليسع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا يدخلها عجوز، فذهب رسول الله ﷺ فصلى ثم رجع إلى عائشة، فقالت لقيت من كلمتك مشقة وشدة، فقال: إن ذلك كذلك، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا..
وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة قال: "فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله، واثنتين من ولد آدم، لهما فضل على من يشاء الله تعالى، لعبادتهما الله تعالى في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، فيه سبعون درجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها ولحمها وجلدها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظرأحدكم إلى السلك من الفضة في الياقوت، فبينما هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، ألا إن لك أزواجا غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: "والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك" ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت، وستأتي إن شاء الله تعالى وبه الثقة، وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد: من حديث شعيب الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ "وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض وقال حرملة: عن ابن وهب، حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه: عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: أدنى أهل الجنة منزلة، الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، تنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد، وياقوت، كما بين الجابية وصنعاء". وأسنده أحمد: عن حسن، عن ابن لهيعة، عن دراج به.
ورواه الترمذي: عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن رشدين، عن عمرو بن الحارث، فذكر بإسناده نحوه.
وقال محمد بن جعفر الفريابي: حدثنا أبو أيوب، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان عن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة اثنتين من الحور العين وسبعين من أهل زمانه من أهل الدنيا".
وهذا حديث غريب جدا، والمحفوظ مما تقدم خلافه، وهو أن الاثنتين من بنات آدم، والسبعين من الحور العين، والله أعلم.
وراويه خالد بن يزيد بن أبي مالك هذا تكلم فيه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وغيرهما، ومثله قد يغلط ولا يتيقن.
وروى أحمد والترمذي، وصححه، وابن ماجه: من حديث مجالد بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن للشهيد عند الله ست خصال، يغفر الله له عند أول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه".
فأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: حدثني عمرو الناقد، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعا، عن ابن علية،- واللفظ ليعقوب- قال: حدثنا ابن علية، أخبرنا أيوب بن محمد، قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أو لم يقل أبو القاسم ﷺ: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب".
وفي الصحيحين: من رواية همام، عن أبي هريرة، نحوه.
فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم، ومعهما من الحور العين ما شاء الله عز وجل، كما تقدم تفصيل ذلك آنفا، والله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا يونس، عن محمد بن سيرين، عن أبيهريرة، عن النبي ﷺ قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما".
وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في الصحيحين: "واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". إذ قد يكن أكثر أهل الجنة، وأكثر أهل النار، أو قد يكن أكثر أهل النار، ثم يخرج من يخرج منهن بالشفاعات. فيصرن إلى الجنة، حتى يكثر أهلها، والله أعلم.
وفي حديث دراج عن الهيثم، عن أبي سعيد، مرفوعا: "إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، و إن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه فيرد السلام، ويسألها من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد، و إنه ليكون عليها سبعون ثوبا، أدناها مثل النعمان، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك". رواه أحمد في المسند.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده- يعني سوطه- من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا، ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
ورواه البخاري: من حديث إسماعيل بن جعفر، وأبي إسحاق، كلاهما عن حميد، عن أنس، بمثله، وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة.
وعند البخاري: "ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا سعيد بن أبزى، عن عبد الملك الجوني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس، لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض".
وذكر ابن وهب: عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر، فكيف الصورة؟ وما خلق الله شيئا يلبسه لابس هو أمثل مما عليها من الثياب والحلى".
وقال أبو هريرة: إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف، وهي تقول: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟" أوردهما القرطبي.
وقال القرطبي: حدثنا أحمد بن رشدين، حدثنا الحسن بن هارون الأنصاري، حدثنا الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم، عن مجاهد بن أبي أسامة عن النبي ﷺ قال: "خلق الحور العين من الزعفران". هذا حديث غريب. وروي هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين.
وفي مراسيل عكرمة: "إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا، يقلن اللهم أعنه على دينك، وأقبل بقلبه على طاعتك، وبلغه إلينا بعزتك، يا أرحم الراحمين".
وفي مسند الإمام أحمد: من حديث كثير بن مرة، عن معاذ، مرفوعا، "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: قاتلك الله: إنما هو دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا".
وهذا ما ورد من غناء الحور العين في الجنة:
روى الترمذي: وغيره من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة مجتمعا للحور العين، يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له".
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي سعيد، والحسن، وحديث علي غريب.
وروى ابن أبي ذؤيب، عن عون بن الخطاب، عن عبد الله بن رافع، عن ابن أنس بن مالك، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط، وإن مما يغنين: نحن الخالدات فلا نموت، نحن الآمنات فلا نخاف، نحن المقيمات فلا نظعن".
وقال الليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن الوليد بن عبدة، قال: قال رسول الله ﷺ لجبريل: "قف بي على الحور العين، فأوقفه عليهن، فقال: من أنتن؟ قلن: نحن جواري قوم حلوا فلم يظعنوا، وشبوا فلم يهرموا، واتقوا فلم يذنبوا".
وقال القرطبي بعد ما أورد الحديث المتقدم في غناء الحور العين، إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا. "نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن". قالت عائشة: "يغلبن" والله أعلم.
هكذا ذكره في التذكرة، ولم ينسبه إلى كتاب، والله أعلم.
ذكر جماع أهل الجنة نساءهم ولا أولاد إلا أن يشاء أحدهم
قال الله تعالى: "إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم".
قال ابن مسعود: وابن عباس: وغير واحد من المفسرين: في قوله "شغل" أي افتضاض الأبكار.
وقال تعالى: "إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم".
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا عمران هو ابن داود القطان، عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله ﷺ قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الرجال قلت: يا رسول الله: ويطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة". ورواه الترمذي: من حديث أبي داود، قال: صحيح غريب.
وروى الطبراني: من حديث الحسن بن علي الجعفي، عن زائدة، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، "قيل يا رسول الله: هل يفضي الرجل في الجنة؟، وفي رواية، هل نفضي إلى نسائنا؟ فقال: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء". قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح.
وقال البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عمارة بن راشد، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله ﷺ: هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟ فقال: نعم، بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع".
ثم قال البزار: لا يعلم أحد يروي عن عمارة بن راشد سوى عبد الرحمن بن زياد، وقد كان عبد الرحمن هذا حسن العقل، ولكن وقع على شيوخ مجاهيل، فحدث عنه بأحاديث مناكير، فضعف حديثه، وهذا مما أنكر عليه..
وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج عن عبد الرحمن بن حميرة، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ أنه سئل: "أنطأ في الجنة؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده دحما دحما، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا".
وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي، حدثنا شريك، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا". ثم قال: تفرد به معلى.
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، أن رسول الله ﷺ سئل: أيجامع أهل الجنة؟ فقال: "دحما دحما ولكن لا مني ولا منية".
لما كان المني يقطع لذة الجماع، والمنية تقطع لذة الحياة، كانا منفيين من الجنة.
قال الطبراني: أخبرنا عثمان بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم البرقي، أخبرنا عمرو بن أبي سلمة، أخبرنا صدقة، عن هاشم بن البريد، عن سليم أبي يحيى أنه سمع أبا أمامة يحدث: أنه سمع رسول الله ﷺ وقد سئل- هل يتناكح أهل الجنة؟ قال: "نعم بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع".
ما قيل من منح الأطفال ولادة لأهل الجنة
فأما إذا أراد أحدهم أن يولد له، كما كان في الدنيا حب الأولاد، فقد قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبيد، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن عامر الأحول ، عن أبي الصديق، عن أبي سعيد، أن نبي الله ﷺ قال: "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة، كان حمله، ووضعه، وسنه، في ساعة كما يشتهي".
وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، جميعا، عن محمد بن يسار، عن معاذ. وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الحافظ الضياء المقدسي: وهذا عندي على شرط مسلم.
وقد رواه الحاكم: عن الأصم، عن محمد بن عيسى، عن سلام بن سليمان، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، به، وضعفه البيهقي.
وقال سفيان الثوري، عن أبان، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد قال: يا رسول الله، أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور؟ فقال: "نعم: والذي نفسي بيده، ما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم، فيكون حمله ورضاعه وشبابه".
وهذا السياق يدل على أن هذا أمر يقع، خلافا لما رواه البخاري، والترمذي: عن إسحاق بن راهويه، من أن ذلك محمول على أنه لو أراد ذلك، ولكنه لا يريده، ونقل عن جماعة من التابعين، كطاووس ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وغيرهم: "إن الجنة لا يولد فيها".
وهذا صحيح: وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يراد منها بقاء النسل لتعمر، وأما الجنة فالمراد بقاء الملك، ولهذا لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة الجماع، ولكن إذا أحب أحدهم الولد يقع كما يريد، قال الله تعالى: "لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين".
ذكر أن أهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم وكما فهم في ازدياد من قوة الشباب
ونضرة الوجوه وحسن الهيئة وطيب العيش ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنهم لا ينامون لئلا يشتغلوا بالنوم عن الملاذ والحياة الهنية، جعلنا الله منهم قال الله تعالى: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم".
وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا". أي لا يختارون غيرها، بل هم أرغب شيء فيها، وليس يعتريهم فيها ملل ولا ضجر، كما قد يسأم أهل الدنيا بعض أحوالهم، وإن كانت لذيذة.
وما أحسن ما قال فيها الشعراء، وفصحاء الأدباء:
فحلت سويدا القلب لا أنا باغيا.........سواها ولا عن حالها أتحول
ولقد تقدم حديث ذبح الموت بين الجنة والنار، وأنه ينادي مناد: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، كل خالد فيما هو فيه": وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حمزة، حدثنا أبو إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: "فينادى مع ذلك: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، قال: ينادى بهذه الأربع".
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، قال: قال الثوري: حدثنا أبو إسحاق: أن الأغر حدثه، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: "ينادى مناد يوم القيامة: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وان لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". قال: فذلك قوله تعالى: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون".
ورواه مسلم: عن إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، بنحوه.
أهل الجنة لا ينامون
وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري، حدثنا المقدام بن داود، حدثنا عبد الله بن المغيرة، حدثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: "النوم أخو الموت وإن أهل الجنة لا ينامون".
ورواه الطبراني: من حديث مصعب بن إبراهيم، عن عمران بن الربيع الكوفي، عن يحيى بنسعيد الأنصاري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: سئل رسول الله أينام أهل الجنة؟ فقال: "النوم أخو الموت، وإن أهل الجنة لا ينامون".
ورواه البيهقي: من حديث عبد الله بن حيلة بن أبي داود، عن سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكره.
ثم روى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن عباس الدوري، عن يونس بن محمد، عن سعيد بن أبزى، عن نفيع بن الحارث، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: "سأل رجل رسول الله ﷺ فقال: النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا: فهل ينام أهل الجنة؟ فقال رسول الله ﷺ: "إن الموت شريك النوم، وليس في الجنة موت". قالوا: يا رسول الله؟ فما راحتهم؟ قال: "إنه ليس فيها لغوب، كل أمرهم راحة" فأنزل الله: "لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب". ضعيف الإسناد>
ذكر إحلال الرضوان عليهم وذلك فضل عما لديهم
قال الله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم".
وقال الله تعالى: "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم".
إحلال الله عز وجل رضوانه الدائم على أهل الجنة
وقال مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: "يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: إنما أعطيكم أفضل من ذلك: فيقولون: ياربنا: فأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا". وأخرجاه في الصحيحين: من حديث مالك، به.
وقال أبو بكر البزار: حدثنا سلمة بن شبيب، والفضل بن يعقوب، قالا: حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله: ألا أعطيكم- أحسبه قال:- أفضل؟ قالوا: يا ربنا: أي شيء أفضل مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر".
وهذا الحديث على شرط البخاري، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه.
ذكر نظر الرب وتقدس إليهم ونظرهم إليه سبحانه
قال الله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما".
وقال تعالى: "سلام قولا من رب رحيم".
وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتاب السنة من سننه: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عاصم العباداني، حدثنا الفضل الرقاشي، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فضله من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. قال: وذلك قول الله عز وجل: "سلام قولا من رب رحيم".قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه، ولا يلتفتون الى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم". وقد رواه البيهقي مطولا من هذا الوجه فقال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا الكريمي، حدثنا يعقوب بن إسماعيل بن يوسف السلال، حدثنا أبو عاصم العباداني: عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: "بينما أهل الجنة في مجلس لهم، إذ سطع لهم نور على باب الجنة، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف. فقال: يا أهل الجنة سلوني. فقالوا: نسألك الرضاء عنا. قال: رضائي أحلكم داري، وأنا لكم كرامتي، هذا أوانها فسلوني. قالوا: نسألك الزيادة. فيؤتون بنجائب من ياقوت أحمر، أزمتها زمرد أخضر وياقوت أحمر، فيجلسون عليها، تضع حوافرها عند منتهى طرفها، فيأمر الله فيجيء جوار من الحور العين وهن يقلن: "نحن الناعمات فلا نيأس، ونحن الخالدات فلا نموت، أزواج قوم مؤمنين كرام" ويأمر الله بكثبان من مسك أذفر أبيض، فينثر عليهم ريحا يقال لها المنثرة، حتى ينتهي بهم إلى جنة عدن-، وهي قصبة الجنة-، فتقول الملائكة: يا ربنا قد جاء القوم، فيقول: مرحبا بالصادقين، مرحبا بالطائعين، قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله عز وجل فيتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا فيقول: أرجعوهم إلى قصورهم بالتحف، فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضا. قال رسول الله ﷺ: "وذلك قول الله عز وجل ": "نزلا من غفور رحيم" [فصلت: 132.]
ثم قال البيهقي: وقد مضى في هذا الكتاب أي في كتاب الرؤية ما يؤكد ما روي في هذا الحديث،والله أعلم.
وذكر أبو المعالي الجويني في الرد على السجزي:" أن الرب تبارك وتعالى إذا كشف لأهل الجنة الحجاب، وتجلى لأهل الجنة، تدفقت الأنهار، واصطفقت الأشجار، وتجاوبت السرر والغرفات بالصرير، والأعين المتدفقات بالخرير، واسترسلت الريح، وفاحت الحور والقصور بالمسك الأذفر والكافور، وغردت الطيور، وأشرفت الحور العين ".
والفضل بن عيسى ضعيف، ولكن روى للضياء: من حديث عبدالله بن عبدالله، عن محمد بن المنكمر، عن جابر، مرفوعا مثله.
ذكر رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معه لذلك هنالك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق