ج م لا

 

مدونة في وداع الله يا امي/يا الله /جاري جاري / مدونات لا شرك لا شرك /قانون الحق الالهي/نوتة الصلاة //في وداع الله يااماي/تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست/اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا/حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين/قانون الحق الالهي اا./قانون الحق الالهي/قانون العدل الالهي/قانون ثبات سنة الله في الخلق/كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين/مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27/المدونة التعليمية المساعدة/مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية/أمي الحنون الغالية/الكشكول الأبيض2ثانوي/الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم /ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة} /ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد //الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث //الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي //الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي //الخلاصة الحثيثة في الفيزياء //الديوان الشامل لاحكام الطلاق //السيرة النبوية //الطلاق المختلف عليه//الفيزياء الثالث الثانوي روابط //اللغة الفرنسية 2ثانوي //الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول//المنهج في الطلاق //النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 //النخبة في شرعة الطلاق //الهندسة بأفرعها //بيت المعرفة العامة //ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. //تفوق وانطلق للعلا //ثالثة ثانوي مدونة//ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني //روابط المواقع التعليمية //روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام//رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني //عبد الواحد ترم أول2ثانوي //عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2.//علم المناعة //فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول//فيزياء ثاني ثانوي ترم أول //فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني //كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري //كتاب الزكاة //كتب ثاني ثانوي ترم1و2 //كشكول //كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني //كيمياء ثاني ثانوي ترم أول //لغة انجليزية2ث.ترم أول //مدونة الأميرة الصغيرة//أسماء صلاح التعليمية 3ث //مدونة الإختصارات //مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة/الطلاق7/5هـ//مدونة اللغة الإيطالية //مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية //مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني//مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول //منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام //ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول //نهاية البداية

 

ممـــــ

برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد/برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد// الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَ... أقوال النووي في المتأولات*النووي وقواعده الفجة في التأويل في كتابه: الم.نصوص الشفاعة كيف فهمها الناس وكيف تربصوا بها وحادولتوبة هي كل الاسلامفاستبدلوا اشارة الشرع الي الكلام عن ذات المؤمن بإ الشئ هو أقل مخلوق في الوجود (مثقال الذرة التوبة فرض وتكليف لا يقوم الإسلام إلا بها*التوبة هي كل الإسلامهل من قال لا اله الا الله الشواهد علي صحة من قاللماذا قالوا أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فهرست مدونة قانون الحق الالهيمن قانون الحق الالهي عرض آخر لمصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه.الفرق بين التعامل بين المسلمين وبعضهم وبين الله وا../ .........................

.........................

دليل المدونات العلمية

مدونة في وداع الله يا امي /يا الله /جاري جاري /مدونات لا شرك لا شرك / قانون الحق الالهي /نوتة الصلاة /في وداع الله يااماي /تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست /اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /قانون الحق الالهي اا. /قانون الحق الالهي /قانون العدل الالهي /قانون ثبات سنة الله في الخلق /كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27 . المدونة التعليمية المساعدة /مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية /أمي الحنون الغالية /الكشكول الأبيض2ثانوي /(الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم / 2ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة / 2ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /الديوان الشامل لاحكام الطلاق /السيرة النبوية /الطلاق المختلف عليه /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /اللغة الفرنسية 2ثانوي /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /المنهج في الطلاق /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /النخبة في شرعة الطلاق /الهندسة بأفرعها /بيت المعرفة العامة /ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. /تفوق وانطلق للعلا /ثالثة ثانوي مدونة /ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني /روابط المواقع التعليمية /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني /عبد الواحد ترم أول2ثانوي /عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2. /علم المناعة /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /فيزياء ثاني ثانوي ترم أول /فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني /كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري /كتاب الزكاة /كتب ثاني ثانوي ترم1و2 /كشكول /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /كيمياء ثاني ثانوي ترم أول /لغة انجليزية2ث.ترم أول /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة الإختصارات /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /مدونة اللغة الإيطالية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /نهاية البداية

الخميس، 22 أكتوبر 2020

النهاية 8..




الرسول ﷺ أكثر أنبياء الله تابعين يوم القيامة

رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه

قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوني، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: "إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أبيض من اللبن، وآنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".

ورواه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: "إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان، ومنهم من يأتيه الرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: قد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".
بين قبر الرسول عليه الصلاة والسلام ومنبره روضة من رياض الجنة

وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن حبيب، عن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".

ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر عن مالك، وأخرجاه من حديث عبد الله بن عمر عن حبيب بدون ذكر سعيد.

رواية أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله بن حبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي".

ورواه البخاري أيضا ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري من حديث مالك، كلاهما عن حبيب بن عبد الرحمن به، والله تعالى أعلم.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثنا هلال، عن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: "بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم. فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة أخرى، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل بيني وبينهم، فقال: هلم قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم" انفرد به.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثني الربيع يعني ابن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: "لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل".

وحدثنيه عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، أنه سمع أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ مثله.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر جميعا، عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر، حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، هو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله: أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم. لكم سيماء ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء".

هذا لفظه أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة به، والله سبحانه وتعالى أعلم.

طريق أخرى عن أبي هريرة

روى الحافظ الضياء أيضا: من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن هلال، حدثنا إبراهيم ابن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "إذا أنا هلكت فأنا فرطكم على الحوض، قيل يا رسول الله وما الحوض؟ قال: عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن، وهو أحلى من العسل والسكر، آنيته مثل نجوم السماء، من ورد على شرب، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، وإياكم أن يرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، فيحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بعدا أو سحقا لمن بدل".

ثم قال الحافظ الضياء: لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي ﷺ إلا في هذا الحديث.

قلت: بل قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار: "أن رسول الله ﷺ حضر عقدا فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه". الحديث بتمامه، وهو غريب جدا.

طريق أخرى عن أبي هريرة

قال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الخيطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال: "يرد علي يوم القيامة رهط. من أصحابي، فيجفلون من الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى".

قال: قال شعيب، عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي ﷺ، فيجفلون وقال عقيل: فيجلون. وقال الزبيري: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.

وهذا كله تعليق ولم أر أحد أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي ﷺ فيقول: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم امام مسجد بني قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبى هريرة قال: "كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: واعطشاه".

رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قال النبي ﷺ: "إني على الحوض، حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب: مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.

ورواه مسلم: عن داود بن عمر، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء مثله.

رواية أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما

قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر فقالت: "هو نهر أعطيه نبيكم ﷺ في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم".

رواه البيهقي، ورواه البخاري، عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل واستشهد برواية مطرف.

وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن أبي أسلم، عن ابن خيثم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله ﷺ وهو بين ظهراني أصحابه يقول: "إني على الحوض انتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب، مني، ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم". تفرد به مسلم، والله تعالى الموفق للصواب.

رواية أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها

قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن نافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله ﷺ فلما كنت يوما، والجارية تمشطني، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أيها الناس: فقلت للجارية: استأخري عني، فقالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول الله ﷺ: "إني فرط لكم على الحوض، فأنا انتظر من يرد علي منكم، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذاب البعير الضال، فأقول فيم هذا، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا".

ثم رواه مسلم، والنسائي، من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع عنها، فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم، من شراب الجنة، من نهر الكوثر، الذي هو أشهد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك وهو في غاية الإشباع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وأنه ينبت في حال من المسك، ورضراض من اللؤلؤ، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه.
ذكر أن لكل نبي حوضا وأن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم عظمها وأجلها وأكثرها ورادا

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال: حدثنا محمد ابن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: "إن لي حوضا ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر ومنهم من يأتيه الرجلان، والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة".

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن سعيد العوني، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ بنحوه والله أعلم بالصواب.
أولياء الله يردون حياض أنبياء الله عليه الصلاة والسلام حديث آخر

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا الحسن بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن أبي عثمان، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: "إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء".

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة، وتقدم ما رواه الترمذي وغيره من حديث شعبة بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سميرة بن جندب أن رسول الله ﷺ قال. "إن لكل نبي حوضا، يتباهون أيهم أكثر وارده، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارده".

ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه أشعث بن عبد الملك عن الحسن مرسلا وهو أصح.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن حراش، حدثنا حزم بن أبي حزم، سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله ﷺ: "إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا، وهو قائم على حوضه، بيده عصا يدعو من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا".

وذكر تمام الحديث، وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان، وغيره، وقد أفتى شيخنا المزي بصحته من هذه الطرق.
فصل الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول

إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال ﷺ: "أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء".

ثم من جاوز لا يكون إلا ناجيا مسلما فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط، فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: سألت رسول الله ﷺ أن يشفع لي يوم القيامة قال: "أنا فاعل قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت: فإن لم ألقك؟ قال: فاطلبني عند المنبر، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة" ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الغلاس وقوفا بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا صاحب الأدعية وضعفا هذا، وأما البخاري فجعلهما واحدا، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثا واحدا وقال شيخنا المزي: جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح.

قلت: وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضا، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي للفصل أو بعد ذلك

هذا مما يحتمل كلا من الأمرين؟ ولم أر في ذلك شيئا فاصلا، فالله أعلم أي ذلك يكون.

صحيح العلماء أن الحوض قبل الميزان

وقال العلامة أبو عبد الله القرطبي في التذكرة أيضا، واختلف في كون الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل، قال القرطبي: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم، فيقدم على الميزان والصراط، قال أبوحامد الغزالي في كتاب علم كشف الآخرة، حكى بعض السلف من أهل التصنيف: أن الحوض يورد عبد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم القهقرى عنه، ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط من جاز عليه سلم، كما سيأتي، قلت: وهذا التوجيه قد أسلفناه ولله الحمد.
اختلاف تحديد الرسول عليه السلام لحجم الحوض طولا وعرضا لاختلاف المخاطبين فحدد لكل بالأمكنة التي يعرف

قال القرطبي: وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح، وتارة بما بين الكعبة إلى كذا وتارة بغير ذلك اضطرابا، قال: وليس الأمر كذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام حدث أصحابه مرات متعددة، فخاطب في كل مرة القوم بما يعرفون من الأماكن، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر، قال: ولا يخطر في بالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تطهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء، قال: ورد في الحديث: أن على كل جانب منه واحدا من الخلفاء الأربعة، فعلى الركن الأول أبو بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع علي، رضي الله عنهم، قلت: وقد رويناه في الغيلانيات، ولا يصح إسناده، لضعف بعض رجاله.
فصل مجيء الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة لفصل القضاء

ذكر في حديث الصوم المتقدم: أنه إذا ذهب رسول الله ﷺ ليشفع عند الله ليفصل بين عباده بعدما يسأل في ذلك آدم فمن بعده، فكل يقول لست بصاحب ذاكم، حتى ينتهي الأمر إليه صلوات الله وسلامه عليه، فيشفع عند ربه، وتنزل الملائكة تنزيلا، فينزل أهل السماء الدنيا، وهم قدر هل الأرض من الجن والإنس، فيحيطون بهم دائرة، ثم تنشق السماء الثانية وتنزل ملائكتها، وهم قدر أهل الأرض، فيحيطون بهم دائرة، ثم كذلك السماء الثالثة والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة، ثم تنزل الملائكة الكروبيون، وحملة العرش المقربون، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم، يقولون سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى، يميت الخلائق ولا يموت.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عوف، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا، وجمع الخلائق في صعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء الدنيا عن أهلها نشورا على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء وحدهم أكبر من جميع أهل الأرض، جنهم وإنسهم، بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم يقولون: أفيكم ر بنا فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا، ليس فينا، وهو آت، ثم يقبض السموات سماء سماء، كلما قبضت سماء كانت أكثر من أهل السماء التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض، بالضعف، جنهم وإنسهم، كلما مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهلها يقولون مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقبض السماء السابعة، ولأهلها وحدهم أكبر من أهل ست سموات، ومن أهل الأرض بالضعف ويجيء الله تعالى فيهم والأمم صفوف فينادي مناد: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون". فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثانية ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار". فيقومون، فيسرحون إلى الجنة فإذا أخذ هؤلاء، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان ولسان فصيح فيقول: إني وكلت بثلاثة وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم ثم يخرج الثانية فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس في جهنم، ثم يخرج الثالثة فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ هؤلاء، وهؤلاء نشرت الصحف، ووضعت الموازين، وعيت الخلائق للحساب.

وقد قال الله تعالى: "كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". وقال تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور".

وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا".

وقال في حديث الصور: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه يعني بذلك كرسي فصل القضاء، وليس هذا بالكرسي المذكور في الحديث المروي في صحيح ابن حبان: "ما السموات السبع، والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن، وما الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل".

وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث كما في الصحيحين: "سبعة يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" الحديث بتمامه.

وثبت في صحيح البخاري من حديث الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "إذا كان يوم القيامة، فإن يصعقون وأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"؟.

فقوله: أم جوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة، سببه تجلي الرب تعالى لعباده لفصل القضاء فيصعق الناس من العظمة والجلال، كما صعق موسى يوم الطور، حين سأل الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقا فموسى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذا صعق الناس، إما أن يكون جوزي بتلك الصعقة الأولى فما صعق عند هذا التجلي، وإما أن يكون صعق أخف من غيره، فأفاق قبل الناس كلهم، والله أعلم.

وقد ورد في بعض الأحاديث: "أن المؤمنين يرون الله عز وجل في عرصات القيامة".

كما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري من بشر بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته " وفي رواية للبخاري: "إنكم سترون ربكم عيانا".

وجاء أنهم يسجدون له تعالى، كما قال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس الجمالي، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون له طويلا، ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدتكم فداكم من النار".

له شواهد من وجوه أخر كما سيأتي.

وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش، عنأبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "حتى إن أحدكم ليلتفت فيكشف عن ساق، فيقعون سجودا، وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظما، كأنها صياصي البقر" ثم قال: لا تعلم من حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر، وذكر في حديث الصور: "أن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول: إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم لي يومكم هذا، أرى أعمالكم، وأسمع أقوالكم فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وروى الإمام أحمد: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، أنه اشترى راحلة فسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا، ليسمع منه حديثا بلغه عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يحشر الناس يوم القيامة- أو قال العباد- عراة، غرلا، بهما قال، قلنا: وما بهما قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت، يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق إلا قضيته له منه، حتى اللطمة، قال: قلنا: وكيف وإننا إنما نأتي الله بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات".

وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي ﷺ في الحديث الإلهي الطويل: "يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وقد قال الله تعالى: "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد".

ثم ذكر ما أعده للأشقياء وما وعد به السعداء، وقال تعالى: "رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا".

وثبت في الصحيح: ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله بابا في ذلك، في كتاب التوحيد في صحيحه.
كلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء

ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله بابا في ذلك فقال في باب التوحيد من صحيحه في باب كلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.

ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه وسيأتي، وحديث: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان".

وسيأتي حديث ابن عمر في النجوى أيضا، ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر مناسبة له أيضا، وبالله المستعان وقد قال تعالى: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب".

وقال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون".
شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم يوم القيامة

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا رشدين بن سعد، أخبرنا ابن أرقم المغافري، عن جبلان بن أبي جبلة، بسنده إلى النبي ﷺ قال: "إذا جمع الله عباده يوم القيامة، كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم قد بلغت، فيخلي عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي. فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فيقول الله عز وجل لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم، فيخلي عن جبريل، ويقال للرسل: ما فعلتم فعهدي فيقولون: بلغنا أممنا، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي فيقولون: بلغناهم فمنهم المكذب ومنهم المصدق، وإن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك، فيقول: من يشهد لكم فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقول الله تعالى لهم: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليهم فيقولون: نعم يا ربنا شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب: كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله تعالى: "وكذلك جعلنهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".

قال ابن أرقم: فبلغني أنه يشهد أمة أحمد إلا من كان في قلبه إحنة.
كلامه سبحانه وتعالى مع آدم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة
أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود

قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "أول من يدعى يوم القيامة آدم، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: رب لبيك وسعديك، فيقول له ربنا: أخرج نصيب جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب وكم؟ فيقول: من كل مائة تسعة وتسعين، فقلنا: يا رسول الله أرأيت إذا أخذ من كل مائة تسعة وتسعين فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود".
أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه الصلاة والسلام

ورواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلمي، عن سالم أبي الغيث مولى بن معطيع، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراه ذريته فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك فيقول، أخرج بعث جهنم من ذريتك". وذكر تمامه مثل ما تقدم.
رجاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون أتباعه نصف أهل الجنة

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك يا رب وما بعت النار فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. قال: فيومئذ يشيب المولود". وقد قال تعالى: "وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد". قال: فيقولون أين ذلك الواحد فقال رسول الله ﷺ: "تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومآجوج ومنكم واحد قال: فقال الناس الله أكبر، فقال رسول الله ﷺ: "والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"، قال: فكبر الناس، فقال رسول الله ﷺ: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض".

ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش به، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق آخر عن الأعمش به، وفي صحيح البخاري، عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله ﷺ في فيد فقال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر".

كلام الرب سبحانه وتعالى مع نوح عليه الصلاة والسلام وسؤاله إياه عن البلاغ كما قال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، قال: فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته": وذلك قوله: "وكذلك جعلنهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس". قال: والوسط العدل. قال رسول الله ﷺ: "فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم، وقال: وهكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقد رواه الإمام أحمد بلفظ أعم من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "يجيء النبي ﷺ يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد فيقال له: هل بلغ هذا قومه. فيقول: نعم، ثم تدعى أمة محمد ﷺ فيقال لهم: هل بلغ هذا أمته فيقولون: نعم، فيقال لهم: ومن أعلمكم فيقولون جاءنا محمد نبيا، وأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. قال: فذلك قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". قال: يقول عدلا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا".

وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية.
شهادة أمة محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأمم يوم القيامة دليل عدالة هذه الأمة وشرفها

قلت: شهادة أمة محمد ﷺ على جميع الأمم يوم القيامة برهان على عدالة هذه الأمة وشرفها، ومضمون هذا، أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولا عند سائر الأمم، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده أن رسول الله ﷺ قال: "إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله سبحانه وتعالى".
تشريف إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة على رؤوس الأشهاد

قال الله تعالى: "وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين".

قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ يخطب فقال: "إنكم تحشرون حفاة عراة". ثم تلا قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده". وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم" إلى قوله: "إنك أنت العزيز الحكيم". قال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم.
ذكر موسى عليه الصلاة والسلام وذكر شرفه وجلالته يوم القيامة وكثرة أتباعه وانتشار أمته
ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وكلام الرب عز وجل معه يوم القيامة

قال الله تعالى: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أفول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمتة تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم".

وهذا السؤال من الله تعالى لعيسى ابن مريم، مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئا من ذلك، إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك من ضلال النصارى وجهلة أهل الكتاب، فبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئا من الإلهية حيث يقول الله تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أ أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أوليآء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاءكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".
مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام

فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطهذا بها كل الخلائق من العالمين، من الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث والآثار، وأنه أول من يسجد بين يدي الله يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى بعد الخليل، يكسى الخليل ريطتين. بيضاوين، ويكسى محمد ﷺ حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد ﷺ عن يمين العرش فيقول: "يا رب إن هذا- ويشير إلى جبريل- أخبرني عنك أنك أرسلته إلي، فيقول الله عز وجل صدق جبريل".

وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءا كبيرا، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف، وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في صيدة له.

قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا شريح بن يونس، أخبرنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي ﷺ قال: "إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإنسان إلا موضع قدميه. قال النبي ﷺ: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب: إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله: صدق، ثم أشفع، فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض" فهو المقام المحمود.
ذكر في كلام الرب تعالى مع العلماء في فصل القضاء

إكرام الله عز وجل للعلماء يوم القيامة القضاء

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله ﷺ "يقول الله تعالى للعلماء إذا جلس على كرسيه لفصل القضاء إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم ولا أبالي".
أول كلامه عز وجل للمؤمنين

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن رجاء، عن خالد بن أبي عمران، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: "إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما تقولون له؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: فإن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي. فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: وما حملكم على ذلك؟ فيقولون: عفوك ورحمتك ورضوانك، فيقول: "فإني قد أوجبت لكم رحمتي".
فصل لا خلاق في الآخرة لمن يخون أمانة الله وعهده

قال الله تعالى: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم".

وقال تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطويهم إلا النار ولا يكلفهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد".

والمراد من هذا أنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاما ونظرا يرحمهم به، كما أنهم عن ربهم يومئذ محجوبون بقوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم".

وقال تعالى: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين". وقال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".

وقال تعالى: "يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون".

وقال بعد هذا: "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون".

والآيات في هذا كثيرة جدا.

وثبت في الصحيحين كما سيأتي من طريق خيثمة، عن عدي بن حاتم، أن رسول الله ﷺ قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فيلقى الرجل فيقول له: ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، أذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فاليوم أنساك كما نسيتني". فهذا فيه صراحة عظيمة في تكلم الله تعالى ومخاطبته لعبده الكافر.

وأما العصاة ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين كما سيأتي عن رسول الله ﷺ قال: "يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ثم يقرره بذنوبه فيقول: عملت في يوم كذا كذا وكذا؟ وفي يوم كذا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى": "إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".
فصل إبراز النيران والجنان ونصب الميزان ومحاسبة الديان

قال تعالى: "إذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت".

وقال تعالى: "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد "وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد".

وقال تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسن شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

وقال تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا".

وقال تعالى فيما أخبر به عن لقمان أنه قال: "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير".

والآثار في هذا كثيرة جدا، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل.
ذكر إبداء عين من النار على المحشر فتطلع على الناس

قال الله تعالى: "وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى".

وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهل، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".

وكذا ر واه الترمذي مرفوعا، ورواه من وجه آخر هو ابن جرير موقوفا.
يخرج عنق من النار يتكلم يقذف في جهنم الجبارين والمشركين والقائلين بغير حق

وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا شيبة، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم، فيقول: وكلت بثلاثة، بكل جبار، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم".

تفرد به من هذا الوجه، وسيأتي في باب الميزان عن خالد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها نحوه.

وقال الله تعالى: "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا".

قال الشعبي: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا، من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله، واتخذ معه إلها آخر، وفي الحديث: "من كذب علي، أو ادعى إلى غير أبيه، أو أنتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا بعيدا" قالوا يا رسول الله: وهل لها من عينين؟ قال: "أما سمعتم بقول الله إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا". رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب: ما كان هذا ظني بك، فيقول الله: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة الى البعير، وتزفر زفرة لا تبقي أحدا إلا أخفته، وإسناده صحيح.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن المنصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير قال: إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى معها ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك إلا نفسي اليوم.

وقال في حديث الصور: ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ثم يقول: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين أن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون".

فيمر الله بين الخلائق، وتجثو الأمم، وذلك قوله: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون".
ذكر الميزان

قال الله تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

وقال تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون".

وقال تعالى: "والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية".

وقال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا".
وزن الأعمال بعد القضاء والحساب

قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لنفس الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها، فيكون الجزاء بحسبهما، قال: وقوله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بيان كون الميزان له كفتان حسيتان

وبيان أن "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يثقل عليها شيء

قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، حدثني عبد الرحمن الجيلي واسمه عبد الله بن يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله ﷺ: "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله له: أتنكرمن هذا شيئا؟ ظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب: فيقول الملك: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول: أخبروه، فيقول: يا رب: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم".

وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا، من حديث الليث، ورواه الترمذي وابن لهيعة كلاهما عن عامر بن يحيى به، وقال الترمذي: حسن غريب.

سياق آخر لهذا الحديث: هل يوزن العامل يوم القيامة مع عمله؟

قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: "توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان قال: فيبعث به إلى النار قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن تبارك وتعالى يقول: لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله الا الله" فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان".

وهذا السياق فيه غرابة، وفيه فائدة جليلة، وهو أن العامل يوزن مع عمله.
شهادة ألا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ترجح بالذنوب في الميزان يوم القيامة

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقري، حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه وخطاياه، فتوضع في كفة، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فتوضع في كفة أخرى، فترجح بخطاياه".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا حجاج، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر فقال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة

وقال أحمد: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دنيا، عن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن".

وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها كما فى صحيح مسلم من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".

فقوله والحمد لله تملأ الميزان، فيه دلالة على أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتا يوضع في الميزان، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا. حدثنا أبوخيثمة ومحمد بن سليمان وغيرهما قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن".

وكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو به ورواه أحمد عن غندر ويحيى بن سعيد، عن شعبة عن القاسم، عن أبي مرة، عن عطاء الكيخاراني، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن رسول الله ﷺ قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن".

وقد رواه أحمد أيضا من حديث الحسن بن مسلم، عن عطاء، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة به، والترمذي من حديث مطرف، عن عطاء بن نافع الكيخاراني به، وقال أحمد. حدثنا عفان، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن مولى لرسول الله ﷺ قال: "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان؟ لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح، يتوفى فيحتسبه والده".

وقال: "بخ بخ لخمس: من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة، يؤمن بالله، وباليوم الآخر، وبالجنة، وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب". انفرد به أحمد.

وكما ثبت في الحديث الآخر: "تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان من طير يحاجان عن صاحبهما".

والمراد من ذلك أن ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك.

الأمر الثاني يوضع الصحيفة التي كتب فيها كما تقدم في حديث البطاقة والله أعلم، وقد جاء أن العامل يوزن كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني المغيرة، حدثني أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة". وقال: "اقرأوا إن شئتم: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا".

قال البخاري: وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله، وقد أسند مسلم ما علقه البخاري، عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، فذكره.

وقد روى وجه آخر عن أبي هريرة فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التومة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة، فلا يزنها".

قال: ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن ابن الصلت، عن أبي الزناد، عن صالح، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ البخاري سواء.

وقد قال البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله ﷺ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة ما، فلما قام على النبي ﷺ قال: "يا أبا بريدة هذا ممن قال الله فيهم: فلا نقيم له يوم القيامة وزنا". ثم قال: تفرد به عن عمارة، وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وحسن بن موسى، حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان دقيق الساقين فجعلت الريح تلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله ﷺ: "مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه. قال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد"، تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.

فقد جاءت الروايات بهذه الصفات، وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل من طريق ابن لهيعة في حديث البطاقة، أنه يوزن مع عمله في الكتاب، وهذه الرواية تجمع الأقوال كلها بتقدير صحتها، والله تعالى أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل قال: قال الحسن: قالت عائشة يا رسول الله: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة. قال: "أما في مواطن ثلاث فلا: الكتاب، والميزان، والصراط".

فقوله الكتاب يحتمل أن يكون حين يوضع كتاب الأعمال ليشهد على الأمم بأعمالها، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحف حين تطاير، والناس بين من أخذ بيمينه، وأخذ بشماله.

قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المعري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة بكت، فقال لها رسول الله ﷺ: "ما يبكيك يا عائشة؟ قالت: ذكرت أهل النار فبكيت، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاثة فلا يذكر أحد أحدا، حيث يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وحيث يقول هاؤم اقرءوا كتابيه، حيث تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم". قال يونس أشك الحسن قال: خافيته كلاليب وحسك، ويحبس الله به من يشاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟

ثم قال البيهقي: أنبأنا الروزباري، أنبأنا ابن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب، عن إبراهيم وحميد بن مسعدة، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت، وذكر الحديت بنحوه إلا أنه قال: "وعند الكتاب، حين يقال: هاؤم اقروا كتابيه: حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه؟ أم في شماله من وراء ظهره؟ وعند الصراط، إذا وضع بين ظهراني جهنم"، قال يعقوب عن يونس: وهذا لفظ حديثه.

طريق أخرى عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: أيا عائشة: أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأما عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه، أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار، فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر، وكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، وكلت برجل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم، ويرمى بهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، رب سلم فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه".

وتقدم من رواية حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، أنه قال: أتشفع لي يا رسول الله؟ قال: "أنا فاعل: قال: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الحوض. قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الميزان قال: فإني لا أخطىء هذه المواطن يوم القيامة". رواه أحمد والترمذي.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا داود بن المحمر، حدثنا صالح المزي، عن جعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ قال: "يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خفت موازينه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا"، ثم قال: إسناده ضعيف.

وقد روى الحافظان البزار وابن أبي الدنيا، عن إسماعيل بن أبي الحارث وداود بن المحمر: حدثنا صالح المزي، عن علي بن ثابت البناني، وجعفر بن زيد، زاد البزار ومنصور بن زاذان، عن أنس بن مالك يرفعه بنحوه، وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن أبي الغرار قال: عند الميزان ملك، إذا وزن العبد نادى: ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يوسف بن صهيب، حدثنا موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: صاحب الميزان يوم القيامة جبريل، يرد بعضهم على بعض، ولا ذهب يومئذ ولا فضة قال: فيؤخذ من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات المظلوم، فردت على الظالم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤتى بالميزان، فإن ثقلت موازيني فأنا كريم، لكني وإن خفت فأنا لئيم.

قال أبو الأحوص: أتدري من أي شيء نجا؟ إذا ثقل ميزان عبد، نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإذا خف ميزانه نودي: ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقا، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أيوب بن محمد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب في حديث الإيمان، قال يا محمد ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة، والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فإذا فعلت هذا فأنت مؤمن قال: نعم. أو قال: قال صدقت".

وقال شعبة: عن الأعمش، عن سمرة بن عطية، عن أبي الأخوص، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: "للناس عند الميزان تجادل وزحام".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان المدني، عن سلمان الفارسي قال: يوضع الميزان وله كفتان، لو وضع في إحداهما السموات والأرض وما فيهما لوسعتهما، فتقول الملائكة: يا ربنا من يوزن بهذا؟ فيقول: من شئت من خلقي فيقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن إبراهيم في قوله تعالى: "ونضغ الموازين القسط ليوم القيامة".

قال: يجاء بعمل رجل فيوضع في كفة ميزانه، ويجاء بشيء مثل الغمامة أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه، فترجح فيقال: أتدري ما هذا؟ هذا العلم الذي تعلمته، وعلمته الناس، فعلموه، وعملوا به بعدك.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك؟ عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدثه ذاك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم تلا: قول الله تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون". ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة خردل أو يرجح.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا السهمي، حدثنا عمار بن شيبة، عن سعيد بن أنس، عن الحسن، قال: يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير يقول: "يا آدم: لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والحلف، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم منهم أجمعين، ويا آدم: اعلم أني لم أعذب بالنار أحدا من ذريتك ولم أدخل النار أحدا إلا من قد سبق في علمي أنه لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه، ولن يرجع، ويا آدم: أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فقم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى يعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبى عبد الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كنور الشمس، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البدر، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى فيقول: "هذا لك مني يا محمد، وهذا لك مني يا محمد، ثم يوضع الميزان ويؤخذ في الحساب".
فصل أقوال العلماء في تفسير الميزان الذي يكون يوم القيامة

نقل القرطبي عن بعضهم أن الميزان له كفتان عظيمتان، لو وضعت السموات والأرض في واحدة لوسعتهما، فأما كفة الحسنات فنور، وأما الأخرى فظلمة، وهو منصوب بين يدي العرش، وعن يمينه الجنة، وكفة النور من ناحيتها، وعن يساره جهنم، وكفة الظلمة من ناحيتها، قال: وقد أنكرت المعتزلة الميزان وقالوا: الأعمال عراض لا جرم لها فكيف توزن؟ قال: وقد روي عن ابن عباس: أن الله يخلق الأعراض أجساما فتوزن قال: والصحيح أنه توزن كتب الأعمال. قلت: وقد تقدم ما يدل على الأول وعلى الثاني وعلى أن العامل نفسه يوزن. قال القرطبي: وقد روى مجاهد، والضحاك، والأعمش، أن الميزان هاهنا العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل كما يقال: هذا الكلام في وزن هذا، قلت: لعل هؤلاء إنما فسروا هذا عند قوله: "والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان".

فالميزان في قوله: ووضع الميزان، أي العدل، أمر الله عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم، فأما الميزان المذكور في زنة القيمة، فقد تواترت بذكره الأحاديث كما رأيت، وهو ظاهر القرآن. فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه، وهذا إنما يكون للشيء المحسوس.
ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامة

قال القرطبي: فالميزان حق، وليس هو في حق كل أحد بدليل قوله تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام".

وقوله ﷺ فيقول الله: "يا محمد: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سواه".

قلت: وقد تواترت الأحاديث في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكن يلزم من هذا أن لا توزن أعمالهم، وفي هذا نظر والله أعلم، وقد توزن أعمال السعداء وإن كانت راجحة، لإظهار شرفهم على رؤوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم، يقابل بها كفرهم، لإظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق، وقد جاء في الحديث: "أن الله لا يظلم أحدا حسنة" أما الكافر فيطعمه بحسناته في الدنيا، حتى يوافي الله وليس له حسنة يجزى بها، وقد اختار القرطبي في التذكرة أن الكافر قد يوافي بصدقة وصلة رحم فيخفف بها عنه من العذاب، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعل في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه، وفي هذا نظر، وقد يكون هذا خاصا به خلصه رسول الله ﷺ بسبب نصرته له، وقد استدل القرطبي على ذلك بقوله تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

قلت: وقصارى هذه الآية العموم فيخص من ذلك الكافرون، وقد سئل رسول الله ﷺ عن عبد الله بن جدعان، وذكر أنه كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويعتق، فهل ينفعه ذلك؟ قال: لا، إنه لم يقل يوما من الدهر لا إله إلا الله، وقال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا".

وقال: "حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب".

وقال: "مثل الذين كفزوا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف".

وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبة الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب".

فصل

قال القرطبي وغيره من ثقلت حسناته على سيئاته ولو بزوانة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أثقل ولو بزوانة دخل النار، إلا أن يغفر الله، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.

وروي مثل هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.

قلت: يشهد لذلك قوله تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما".

لكن ما أعلم: من ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات، هل يدخل الجنة ويرتفع في درجاتها بجميع حسناته. ويكون قد أحبطت السيئات التي قابلتها؟ أو يدخلها مما يبقي له من الحسنات الراجحة على السيئات وتكون الحسنات قد أسقطت ما وراءها من السيئات؟
ذكر العرض على الله عز وجل وتطاير الصحف ومحاسبة الرب تعالى عباده

قال الله تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

وقال تعالى: "قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم".

وقال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون".

والآيات في هذا كثيرة جدا، وسيأتي في كل موطن ما يتعلق به من آيات القرآن.

وتقدم في صحيح البخاري، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده".

وعن عائشة وأم سلمة، وغيرهما نحو ما تقدم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا عقبة الأصم، عن الحسن. قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله ﷺ: "يعرض الناس ثلاث عرضات، فعرضتان جدال ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابا يسيرا، ودخل الجنة، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار".

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا علي بن علي بن رفاعة، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ﷺ: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تطير الصحف إلى الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله".

وكذا رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، والعجب أن الترمذي روى هذا الحديث عن أبي كريب، عن وكيع، عن علي بن علي، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فذكر مثله ثم قال الترمذي: ولا يصح هذا من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة قال: وقد رواه بعضهم عن علي بن علي، عن الحسن بن أبي موسى. عن النبي ﷺ.

قلت: الحسن قد روى له البخاري عن أبي هريرة، وقد وقع في مسند أحمد التصريح بسماعه منه والله أعلم، وقد يكون الحديث عنده عن أبي موسى وأبي هريرة، والله أعلم، وأما الحافظ البيهقي فرواه من طريق مروان الأصفر، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، من قوله مثله سواء، وقد روى ابن أبي الدنيا، عن ابن المبارك أنه أنشد في ذلك شعرا:

وطارت الصحف في الأيدي منشرة..........فيها السرائر والأبصار تطلع

فكيف سهوك والأنباء واقعة..........عما قليل ولا تدري بما يقع

أفي الجنان ونور لا انقطاع له..........أم الجحيم فلا يبقى ولا يدع

تهوى بساكنها طورا وترفعهم..........إذا رجوا مخرجا من عمقها قمعوا

طال البكاء فلم يرحم تضرعهم..........فيها ولا رقة تغني ولا جزع

لينفع العلم قبل الموت عامله..........قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أؤتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا".
من نوقش الحساب هلك

قال البخاري في صحيحه: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حاتم بن أبي صفرة، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، حدثني القاسم بن محمد، حدثتني عائشة: أن رسول الله ﷺ قال: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك" فقلت يا رسول الله. أليس قد قال الله تعالى: "فأما من أؤتي كتابة بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا"؟ فقال رسول الله ﷺ: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب".

يعني أنه تعالى إذا ناقش في حسابه عبيده عذبهم، وهو غير ظالم لهم، ولكنه تعالى يعفو، ويغفر، ويستر في الدنيا والآخرة، كما سيأتي في حديث ابن عمر: "يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم".

قال الله تعالى: "وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم". الآيات. فإذا نصب كرسي فصل القضاء إنماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال، وبقي المؤمنون عن يمين العرش، ومنهم من يكون بين يديه، قال الله تعالى: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون".

وقال تعالى: "ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاءكم فزيلنا بينهم".

وقال تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

فالخلق قيام لرب العالمين، بين يديه، والعرق غمر أكثرهم، وبلغ منهم كل مبلغ، والناس فيه بحسب الأعمال كما تقدم في الأحاديث، خاضعين، صامتين، لا يتكلم أحد إلا بإذنه تعالى، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، والأنبياء حول أممهم، وكتاب الأعمال قد اشتمل على أعمال الأولين والآخرين، موضوع لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ذلك ما كانت تعمل الخلائق، وتكتبه عليهم الحفظة في قديم الدهر وحديثه، قال الله تعالى: "ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر".

وقال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".

قال البصري: لقد أنصفك يا ابن آدم من جعلك حسيب نفسك، والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر فيه كما تقدم، والصراط قد مد على متن جهنم، والملائكة محدقون ببني آدم والجن، وقد برزت الجحيم، وأزلفت دار النعيم، وتجلى الرب تعالى لفصل القضاء بين عباده، وأشرقت الأرض بنور ربها، وقرئت الصحف، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا، والأرض بما وقع على ظهرها، فمن اعترف منهم وإلا ختم على فيه، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله من ليل أو نهار قال الله تعالى: "يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها".

وقال تعالى: "حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين".

وقال تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله ذو الحق المبين".

وقال تعالى: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون".

وقال تعالى: "وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما".

أي لا ينقص من حسناته شيء، وهو الهضم، ولا يحمل عليه شيء من عمل غيره، وهو الظلم.
فصل فأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات

غير الإنس والجن وهما الثقلان، والدليل على حشر بقية الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون".

وقال تعالى: "وإذا الوحوش حشرت".

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار قالا: حدثنا حجاج بننصر، حدثنا شعبة، عن العوام بن مزاح بن قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن شعبة، سمعت العلاء يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء، من الشاة القرناء بنطحها".

هذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "يقتص للخلق بعضهم من بعض، حتى للجماء من القرناء، وحتى للذرة من الذرة". تفرد به أحمد.

وقال عبد الله بن أحمد: وحدث هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ليث، عن عبد الرحمن بن مروان، عن الهذيل بن شرحبيل، عن أبي ذر، أن رسول الله ﷺ كان جالسا، وشاتان تعتلفان فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله ﷺ، فقيل له: مايضحكك يا رسول الله؟ فقال: عجبت لها؟ والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان هو الأعمش، عن منذر بن يعلى الثوري، عن أشياخ لهم، عن معاوية، حدثنا الأعمش، عن منذر بن يعلى عن أشياخه، عن أبي ذر: فذكر ما معناه أن رسول الله ﷺ رأى شاتين تنتطحان فقال: "يا أبا ذر: هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا. قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما".

وإسناده جيد حسن، قال القرطبي: ورواه عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي ﷺ بمثله. قال القرطبي: ورواه الليث بن سليم، عن إبراهيم بن مروان، عن الهذيل، عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ مر بشاتين تنتطحان فقال: "ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجماء من هذه القرناء".

قال: وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، أن أبا سالم الحساني حدثه: أن ثابت بن ظريف استأذن على أبي ذر، فسمعه رافعا صوته يقول: أما والله لولا يوم الخصومة لسؤتك، فدخلت، فقلت: ما شأنك يا أبا ذر؟ وما عليك أن يضربها؟ فقال: أما والذي نفسي بيده أو قال: والذي نفس محمد بيده، لتسألن الشاة فيما نطحت صاحبتها، وليسألن الجماد فيما. نكب إصبع الرجل.

وقال أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، أخبرنا أبوحيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله ﷺ يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يارسول الله أغثني: فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك".

وأخرجاه من حديث أبي حيان، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي به، وتقدم في حديث أبي هر يرة: "ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها". وذكر تمام الحديث في البقر والغنم. فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها..

وقد تقدم في حديث الصور: "فيقضي الله بين خلقه، إلا الثقلين الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، حتى إذا فرغ من ذلك، فلم يبق لواحدة عند أخرى حق، قال الله لها: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا".

وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، أخبرنا جعفر بن سليمان، سمعت أبا عمران الجوني يقول، إن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله صنفا إلى الجنة، وصنفا إلى النار، نادت: الحمد لله يا بني آدم الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم، فلا جنة مرجوة، ولا عقاب يخاف.

وذكر القرطبي عن أبي القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى عند قوله المقسط الجامع قال: وفي خبر: أن الوحوش والبهائم تحشر يوم القيامة، فتسجد لله سجدة، فتقول الملائكة: ليس هذا يوم سجود، هذا يوم الثواب والعقاب، فتقول للبهائم أن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم، وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم قال وذلك قوله: "ووجوه يومئذ عليها غبرة".
فصل أول ما يقضي فيه يوم القيامة الدماء

قال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، وهذا هو الواقع يوم القيامة، وهو أنه بعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم، يشرع في القضاء بين العباد كما قال الله تعالى: "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون". ويكون أول الأمم.
أمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم حسابا يوم القيامة

ثم يقضي بين هذه الأمة، لشرف نبيها، كما أنهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" وفي رواية: "المقضي لهم قبل الخلائق".

وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو سلمة، حدثنا عمار بن سلمة، عن سعيد بن أياس الحريري، عن أبي نصرة، عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: "نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون" والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر أول ما يقضي بين الناس فيه يوم القيامة ومن يناقش الحساب، ومن يسامح فيه

قد تقدم في الحديث: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء".

وفي رواية يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة: "حتى للذرة من الذرة" والمراد بالذرة هاهنا النملة، والله أعلم.

وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة، فتخليص الحقوق من الآدميين، وإنصاف بعضهم من بعض، أولى وأحرى.

وقد ثبت في الصحيحن، ومسند أحمد، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث سليمان بن مهران، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: "أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء".

وقد تقدم في حديث الصور "أن المقتول يأتي يوم القيامة تشخب أوداجه دماء، وفي بعض الأحاديث ورأسه في يده فيتعلق بالقاتل حتى ولو كان قتله في سبيل الله فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلت هذا؟ فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت. ويقول المقتول ظلما: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلته. فيقول: لتكون العزة لي، وفي رواية لفلان فيقول الله: تعست، ثم يقتص منه لكل من قتله ظلما، ثم يبقى في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه.

وهذا دليل على أن القاتل لا يتعين عذابه في نار جهنم، كما ينقل عن ابن عباس وغيره من السلف، حتى نقل بعضهم: إن القاتل لا توبة له، وهذا إذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة صحيح، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم، بدليل حديث الذي قتل تسعة وتسعين، ثم أكمل المائة، ثم سأل عالما من بني إسرائيل: هل له من توبة. فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ إيت بلد كذا وكذا فإنه يعبد الله فيها، فلما توجه نحوها، وتوسط بينها وبين التي خرج منها، أدركه الموت فمات، فتوفته ملائكة الرحمة الحديث بطوله.

وفي سورة الفرقان نص على قبول توبة القاتل، قال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب". الآية والتي بعدها، وموضع تقرير هذا في كتاب الأحكام وبالله المستعان وقال الأعمش: عن شهر ابن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء قال: يجيء المقتول يوم القيامة، فيجلس على الجادة، فإذا مر به القاتل قام إليه، فأخذ بتلابيبه فقال: يا رب: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: أمرني فلان، فيؤخذ الأمر والقاتل فيلقيان في النار.

قال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين خلقه حتى لا يبقى مظلمة لأحد عند أحد حتى أنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء.

وقد قال الله تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

من ظلم قطعة أرض طوق بها من سبع أرضين يوم القيامة

وفي الصحيحين، عن سعد بن زيد، وغيره، عن النبي ﷺ أنه قال: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين"
عذاب المصورين المجسمين يوم القيامة

وفي الصحيحين: "من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" وفي رواية: "يعذبون، يقال أحيوا ما خلقتم".

وفي الصحيح: من تحلم بحلم لم يره كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين، وليس يفعل، تقدم حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة في تعظيم أمر الغلول، وقوله ﷺ: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، وعلى رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، أو فرس له حمحمة، فيقول: يا محمد، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك"، وهو في الصحيحين بطوله.
خمس لا تزول قدما العبد عن أرض المحشر يوم القيامة حتى يسأل عنها

النهاية 7.




بعض جزاء المتكبرين يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجنا من جهنم يقال له مويس، فتعلوهم نار الإسار، فيسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار".

ورواه الترمذي والنسائي جميعا، عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان به، قال الترمذي: حسن.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر المتكبرون في صور من الذر يوم القيامة".

ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد: عن هشام، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ كان في بعض أسفاره، وقد تقارب بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

فلما سمع ذلك أصحابه، حثوا المطي وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما باتوا حوله قال أتدرون أي يوم ذاك؟ يوم ينادي آدم: يناديه ربه يقول: يا آدم: ابعث بعث النار قال: يا رب: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأبلس أصحابه ما ترى لأحدهم سن ضاحكة، فلما رأى ذلك، قال: اعلموا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس، قال: فسري عنهم ثم قال: اعلموا وابشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير والرقمة في ذراع الدابة".

وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا، عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

فصل

فإذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض على غير صفة الأرض التي فارقوها قد دكت جبالها، و زالت قلالها وتغيرت أحوالها، وانقطعت أنهارها، و بارت أشجارها، وسجرت بحارها، وتساوت مهادها ورباها، وخربت مدائنها وقراها، وقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الإنسان ما لها، وكذلك السموات، ونواحيها، قد تشققت، وأرجاؤها قد تفطرت، والملائكة على أرجائها قد أحدقت وشمسها وقمرها مكسوفان، بل مخسوفان وفي مكان واحد مجموعان، ثم يكوران بعد ذلك، ثم يلقيان كما جاء في الحديث الذي سنورده في النيران كأنهما ثوران عقرا.

قال أبو بكر بن عياش: قال ابن عباس: يخرجون فينظرون إلى الأرض فيرونها غير الأرض التي عهدوا، وإلى الناس فيرونهم غير الناس الذين عهدوا، ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:

فما الناس بالناس الذين عهدتهم........ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار".وقال تعالى: "فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقال تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا يخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت".

وقال: "إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت".

وثبت في الصحيح، من حديث أم حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي ﷺ قال: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد".

وقال محمد بن قيس: وسعيد بن جبير: "إنه تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه".

وقال الأعمش: عن خيثمة عن ابن مسعود، قال: "الأرض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها، ترى كواعبها، وأكوابها، ويلجمهم العرق، ويبلغ أفواههم، ولم يبلغوا الحساب".

وكذا رواه الأعمش، عن المنهال بن. قيس بن سليمان، عن ابن مسعود فذكره وقال اسرائيل، وشعبة: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قال: "يوم تبدل الأرض غير الأرض". قال: أرض كالفضة، نقية لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، يضمهم المحشر، ويناديهم الداعي، حفاة، عراة، كما خلقوا، أراه قال: قياما حتى يلجمهم العرق، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائشة: يا رسول الله: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات أين الناس؟" قال: "إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك، الناس على الصراط".

تفرد به أحمد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا القاسم بن الفضل: سمعت الحسن قال: قالت عائشة: فذكره ورواه قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة، بمثل هذا سواء.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير العتكي، قال: حدثني محمد بن بكار الصيرفي، أخبرنا الفضل بن معروف القطيعي، أخبرنا بشر بن حرب، عن أبي سعيد، عن عائشة، قالت: بينما النبي ﷺ واضع رأسه في حجري بكيت، فرفع رأسه، فقال: ما أبكاك قلت: بأبي أنت وأمي: ذكرت قول الله عز وجل: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار". فقال النبي ﷺ: "الناس يومئذ على جسر جهنم والملائكة وقوف تقول: رب سلم: رب سلم: فمن بين زال وزالة". هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من الستة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله ﷺ عن هذه الآية: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار" قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على الصراط".

وأخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه، والترمذي، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هند، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن وهب، عن داود، عن الشعبي عنها، ولم يذكر مسروقا.

وروى أحمد أيضا من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عائشة، أنها سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآية، ثم قالت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "هم على متن جهنم".

وروى مسلم من حديث أبي سلام، عن أسماء الرحبي، عن ثوبان، أن حبرا من اليهود سأل رسول الله ﷺ عن هذه الآية: أين نكون يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فقال رسول الله ﷺ: "في الظلمة دون الجسر".

وقال ابن جرير: حدثني ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سعد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: تأتى النبي ﷺ حبر من اليهود، فقال أرأيت إذ يقول الله في كتابه: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات" فأين الخلق عند ذلك فقال: "أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه".

وكذا رواه ابن أبي حاتم: من حديث أبي بكر بن أبي مريم.

وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر، ويكون تبديلا ثانيا إلى صفة أخرى بعد أولى، والله تعالى أعلم.

قال ابن أبي الدنيا: أخبرنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن مالك، عن رجل من بني مجاشع يقال له عبد الكريم، أو يكنى بأبي عبد الكريم، قال: أقمت عند رجل بخراسان، فحدثني أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات". قال: "ذكر لنا أن الأرض تبدل فضة والسموات تبدل ذهبا".

وكذا روى ابن عباس وأنس بن مالك ومجاهد بن جبير وغيرهم.
ذكر طول يوم القيامة وما ورد في تعداده

قال الله تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون".

قال بعض المفسرين هو يوم القيامة وقال تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله في المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا".

وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: "هو بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة" قال ابن عباس: وقوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: هو بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة. قال ابن عباس وقوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".

يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض وصعوده من الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضا، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور، قال الحليمي: والملك يقطع هذه المسافة فى بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن أن تقطع لم يتمكن أحد من مسيرها إلا في مقدار خمسين ألف سنة، قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، ورجح الحليمي هذا بقوله: "من الله ذي المعارج" يعني العلو والعظمة كما قال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرش".

ثم فسر ذلك بقوله: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم" أي في مسافة "كان مقداره خمسين ألف سنة"، أي بعدها واتساعها هذه المدة.

فعلى هذا القول، المراد بذلك مسافة المكان، هذا قول والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة الدنيا.

قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: "كان مقداره خمسين ألف سنة". قال: الدنيا عمرها خمسون ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها تعالى يوما. فقال: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم" قال: اليوم الدنيا.

وقال عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل، وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر به، وهذا قول غريب جدا لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة والله أعلم.

القول الثالث: المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة، رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي وهو غريب أيضا.

القول الرابع: أن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، قال: يوم القيامة إسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك، عن عكرمة من قوله وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، أخبرنا الحسن بن رافع أخبرنا ضمرة، عن شوذب، عن زيد الرشد، قال: يقوم الناس يوم القيامة ألف سنة ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.

وقال الكلبي في تفسيره: وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: "لو ولي محاسبة العباد غير الله لم يفرغ في خمسين ألف سنة".

قال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى تقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا ثم انصرف بهم بعد ذلك إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرها واشتد نضجها وقد ورد هذا في أحاديث متعددة والله أعلم.
يوم القيامة على طوله وشدته أخف على المؤمن من أداء صلاة مكتوبة

قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله ﷺ: "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم، فقال رسول الله ﷺ: "والذي نفسي بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".

ورواه ابن جرير في تفسيره عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العيواري ضعيفان. على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، وكان رجلا من الخائفين قال: سمعت دراجا أبا السمح يخبر من يحدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله ﷺ فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى فيه: "يوم يقوم الناس لرب العالمين". فقال ﷺ: "يخفف على المؤمن حتى يكون عليه كالصلاة المكتوبة".

وقال عبد الله بن عمرو: "إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار أو كأحد طرفيه". رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.
بعض ما أعد من العذاب لمانعي الزكاة

وقال أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه، إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".

وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم والإبل أنه ينطح لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر نحوه، وأخرجه مسلم، من حديث روح بن القاسم وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله، وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم.

وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن ابن عمر الغداني، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي ﷺ يقول: "من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدها ورسلها يعني في عسرها ويسرها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وأسره حتى ينطح لها بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله، وإن كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغد ما كانت، وأكبره، وأسمنه، وأسره وأكثره وأنشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطأه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، إذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله".قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون والله أعلم.
يوم القيامة طويل عسير على العصاة وهو على أهل التقوى غير طويل ولا عسير

ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن محمد بن حكيم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر إلى العصر" ثم قال: هذا هو المحفوظ.

وقد روي مرفوعا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن عمر، ابن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن سويد بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعا.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانىء، عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عبد الله بن عمرو قال: "تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: "يوم يقوم الناس لرب العالمين". فقال: "كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم"؟ وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: "إن مقيلهم لإلى الجحيم". قال ابن المبارك هكذا في قراءة ابن مسعود.

ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة الهندي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خيز مستقرا وأحسن مقيلا". قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء.
ذكر المقام المحمود الذي يخص به رسول الله صلى الله عليه وسلم

من بين سائر الأنبياء ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف ليجيء الرب عز وجل فيفصل بينهم ويريح المؤمنين من تلك الحال إلى حسن المآل قال الله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا".

قال البخاري: حدثنا علي بن عباس، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال: "من قال حين يسمع النداء: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة". انفرد به مسلم.
الشفاعة هي المقام المحمود

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". قال: الشفاعة" إسناده حسن. أعطي الرسول عليه الصلاة والسلام خمسا لم يعطهن أحد من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم أجمعين.

وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وغيره، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهرا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي ﷺ يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة".

فقوله وأعطيت الشفاعة. يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك، ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، ويرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد ﷺ فيقول: "أنا لها أنا لها".

وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة في إخراج العصاة من النار وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بطوله عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية الكريمة من كتابنا التفسير بما فيه كفاية.
الرسول عليه السلام سيد ولد آدم يوم القيامة

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع".

ولمسلم أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنه، في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله ﷺ فقلت: "اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلى الخلائق حتى إبراهيم".
الرسول إمام الأنبياء يوم القيامة

وقال أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي: حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر".

ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: "يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود".

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن خبر، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه، فأنظر من بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله كيف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ فقال ﷺ: هم غر محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم بأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم يسعى بين أيديهم ذريتهم".

وقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس قال: حدثني نبي الله ﷺ قال: "إني لقائم أنتظر أمتي بعد الصراط، إذا جاءني عيسى عليه الصلاة والسلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد، يسألونك، أو قال: يجتمعون إليك، يدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث شاء الله. فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت فيه، فقال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله ﷺ فقام تحت العرش، فيلقى ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فتشفعت في أمتي، فأخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، فما زلت أتردد إلى ربي، فلا أقوم فيه مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من قال: أشهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك".

وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود فذكر حديثا طويلا وفيه أن رسول الله ﷺ قال: "وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة".

فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: وما ذاك المقام المحمود قال: "ذاك إذا جيء بكم حفاة، عراة، غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله سبحانه: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون" قال: "ويفتح لهم من الكوثر إلى الحوض". وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن مسلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: "يطول على الناس يوم القيامة فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا، فيأتون إليه فيقولون اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين فيأتونه فيقولون يا نوح: اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إنا لست هناكم ولكن ائتوا ابراهيم نبي الله وخليله، قال: فيأتونه فيقولون يا إبراهيم إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا موسى كليم الله الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه فيأتونه فيقولون يا موسى: إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا محمدا، فإنه خاتم النبيين وإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه هل كان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم فيقولون: لا فيقول إن محمدا خاتم النبيين قال رسول الله ﷺ: "فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول: نعم فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد فيفتح لي فأخر ساجدا فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد يكون بعدي، فيقول: ارفع رأسك وقل يسمع منك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثم أخر ساجدا".

وقد رواه البخاري ومسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.

رواية أبي هريرة رضي الله عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حيان حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله ﷺ بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقدهم البصير وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه وما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة ليسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت المرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لي دعوة على قومي: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى عليه السلام فيقولون يا موسى: أنت رسول الله اصطفاك برسالاته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها. نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون يا عيسى: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قال هكذا هو وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا. فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتوني، فيقولون يا محمد: أنت رسول الله وخاتم النبيين غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاشفع لنا الى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فأقوم فأقف تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال: يا محمد إرفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي يارب أمتي أمتي فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من أبواب، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة. لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى". أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن حبان يحيى بن سعيد بن حبان به، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمار بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فذكر الحديث بطوله، وزاد في السياق: "وإني أخاف أن يطرحني في النار انطلقوا إلى غيري في قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى" وهي زيادة غريبة جدا ليست في الصحيحين ولا في أحدهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نصرة المنذر بن مالك بن قطعة قال: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهم على منبر البصرة فقال: قال رسول الله ﷺ: "إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد استجيبت في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر. آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ويطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا فيشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم أني قد خرجت من الجنة وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين فذكر الحديث كنحو ما تقدم إلى أن قال: فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا الى ربك فليقض بيننا فيقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون الأولون آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم طريقا فنمضي غرا محجلين من الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها فآتي باب الجنة".

وذكر تمام الحديث في الشفاعة في عصاة هذه الأمة، وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث أن الناس إنما يستغيثون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء طمعا في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحشر فإنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكان مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها يذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى، ثم يأتون رسول الله ﷺ فيذهب فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له الفحص فيقول الله ما شأنك؟ وهو أعلم قال رسول الله ﷺ: "فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول الله: قد شفعتك، قال: فأرفع رأسي فأقف مع الناس ثم ذكر انشقاق السموات وتنزل الملائكة والغمام ثم مجيء الرب تعالى لفصل القضاء والكروبيون والملائكة المقربون يسبحون بأنواع التسبيح قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرض ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد منكم خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسن زين العابدين، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه". قال رسول الله ﷺ: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها فأقول أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته لي فيقول الله: صدق ثم اشفع، فأقول يا رب عبادك الذين عبدوك والذين لم يعبدوك في أطراف الأرض أي وقوف في أطراف الأرض أي الناس مجتمعون في صعيد واحد مؤمنهم وكافرهم فيشفع عند الله ليأتي فصل القضاء بين عباده ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير وفي الحال والمآل" ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل في قوله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". هو المقام الذي يقومه رسول الله ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يسيرون يوم القيامة حثيثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ﷺ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.

قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي ﷺ
سؤال الناس يسبب سقوط لحم وجه السائل يوم القيامة

وقد أسند ما علقه هاهنا في موضع آخر من الصحيح فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعمة لحم" وقال: "إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الآذان فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد". زاد عبد الله ابن يوسف، حدثني الليث، عن أبي جعفر. "فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم".

وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه به نحوه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر ما ورد في الحوض المحمدي

سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المشهورة المتعددة من الطرق المأثورة الكثيرة المتضافرة وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده المنكرين لوجوده وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها، ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها.
بعض الصحابة الكرام الذين صدقوا بالحوض وآمنوا بكونه يوم القيامة ورووا الأحاديث فيه

روي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم أبي بن كعب، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعقبة بن عامر الجهمي، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعاد علينا من بركاتهم، وامرأة حمزة عم رسول الله ﷺ، وهم من بني النجار.

رواية أبي بن كعب الأنصاري سيد الفقراء رضي الله تعالى عنه من شرب من الحوض روي فلم يظمأ أبدا ومن حرم الشرب منه حرم الري أبدا

قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي. حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب أن رسول الله ﷺ ذكر الحوض فقال أبي بن كعب: يا رسول الله ما الحوض؟ فقال: "أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ومن صرف عنه لم يرو أبدا".

ورواه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكر بإسناده نحوه. ولفظه: قيل يا رسول الله وما الحوض؟ قال: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك وآنيته أكثر عددا من النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا".

لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ولا الإمام أحمد أيضا.

رواية أنس بن مالك رضي الله عنه الأنصاري خادم النبي ﷺ

قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".

وكذا رواه مسلم أيضا عن حرملة بن وهب رضي الله تعالى عنه.

طريق أخرى هن أنس بن مالك رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: "ليردن علي الناس من أصحابي، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

ورواه مسلم: عن محمد بن حاتم عن عفان، عن وهيب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.

الكوثر نهر في الجنة أعطيه رسول الله ﷺ، طريق أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أغفى رسول الله ﷺ إغفاءة فرفع رسول الله ﷺ رأسه مبتسما إما قال هو، وإما قالوا له: "لم ضحكت، فقال رسول الله ﷺ: "إنه أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر". حتى ختمها ثم قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

وهذا ثلاثي الإسناد، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس به.

ولفظ مسلم: "هو نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة". والباقي مثله.

ومعنى ذلك أنه يشخب من الكوثر ميزابان إلى الحوض، والحوض في العرصات، قبل الصراط، لأنه يختلج عنه ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ومثل هؤلاء لا يجازون الصراط، كما سيرد من طرق متعددة، وقد جاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا، إن شاء الله تعالى.

طريق أخرى عن أنس رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشيم، عن قتادة، أن رسول الله ﷺ قال: "مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، ومثل ما بين المدينة وعمان".

ورواه مسلم: عن أبي عامر، عن عبد الملك بن عمرو، وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بنحوه.

طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله ﷺ

قال أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة رضي الله عنه، ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زياد، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره وقال: ما الحوض فبلغ ذلك أنسا رضي الله عنه، فقال: لا جرم والله لأفعلن فأتاه فقال: ذكرتم الحوض فقال عبيد الله: سمعت رسول الله ﷺ يذكره، فقال: نعم سمعت رسول الله ﷺ أكثر من كذا وكذا مرة يقول: "إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة، أو ما بين صنعاء ومكة، وإن آنيته لأكثر من عدد نجوم السماء" انفرد به أحمد.

وقد رواد يحيى بن محمد بن ساعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الله الحمراني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: "حوضي ما بين كذا إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب لم يرو أبدا".

طريق أخرى عن أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ

قال الحافظ أبو يعلى: حدثني عبد الرحمن هو ابن سلام، حدثنا أحمد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن عبد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة: هل سمعت رسول الله ﷺ يذكر الحوض فقال: "لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد ﷺ".

طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله ﷺ

قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي قال: قلت يا أبا حمزة: "إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك، فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة، قلت: ويكذبون بالحوض: فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن لي حوضا كما بين إيلياء إلى الكعبة أو قال: صنعاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل فيه آنية عدد نجوم السماء ينبعث فيه عدة ميزابات من الجنة من كذب به لم يصب منه الشرب". صدق رسول الله ﷺ.

طريق أخرى عنه رضي الله عنه

قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: "حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآية عدد النجوم، أطيب ريحا من المسك، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا".

ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس رضي الله عنه سواه، ولا رواه إلا المسعودي، وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

طريق أخرى عن أنس أيضا خادم رسول الله ﷺ

قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "رأيت حوضي، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء، فأدخلت يدي فإذا هو عنبر أذفر".

رواية بريدة رضي الله تعالى عنه ابن الخصيب الأسلمي

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن بشر البجلي، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "حوضي كما بين عمان إلى اليمن، فيه آنية عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

وهكذا رواه ابن صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن وضاح الأزدي اللؤلؤي، عن يحيى بن يمان به.. ولفظه: "حوضي ما بين عمان واليمن فيه آنية عدد النجوم، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، واللبن من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا". لم يخرجوه.

رواية ثوبان رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم بن معدان، عن ثوبان رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "أنا بعقر حوضي يوم القيامة، أذود عنه الناس لأهل اليمن وأضربهم بعصاي، حتى يرفض عنهم قال: قيل: يا رسول الله، ما سعته؟ قال: من مقامي إلى عمان يغت فيه ميزابان يمدانه".

ورواه أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة، وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به فسئل رسول الله ﷺ عن عرضه فقال: "من مقامي هذا إلى عمان".

وقال عبد الرزاق: "ما بين بصرى وصنعاء أو ما بين أيلة ومكة". أو قال: "من مقامي هذا إلى عمان".

وسئل عن شرابه فقال: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، ينبعث فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق".

وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر، هو ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان رضي، لله عنه، أن نبي الله ﷺ قال: "أنا عند عقر حوضي، أذود عنه الناس لأهل اليمن، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفضوا". قال: وسئل نبي الله ﷺ عن سعة الحوض فقال: "من مقامي هذا إلى عمان، ما بينهما شهر أو نحو ذلك". فسئل رسول الله ﷺ عن شرابه فقال: "أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، بعث فيه ميزابان، مداده أو مدادهما من الجنة، أحدهما ورق والآخر ذهب".

وهكذا رواه مسلم عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار ثلاثتهم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بنحوه.
من مظاهر خشية عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه

طريق أخرى عن ثوبان أيضا رضي الله تعالى عنه وأرضاه

قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، يسأله عن الحوض فحمل إليه على البريد، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين"، فقال عمر بن الخطاب من هم يا رسول الله؟ قال: "هم الشعث رؤوسا الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات المتمتعات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات وفتحت لي السدد إلا أن يرحمني الله والله لا أدهن رأسي حتى تشعث ولا أغسل ثوبي الذي بلى جسدي حتى يتسخ".

ورواه أيضا الترمذي في الزهد عن أنس بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم عن أبي سلام به قال: شيخنا المزي في أطرافه، ورواه اليزيد بن مسلم عن يحيى بن الحارث وشيبة بن الأحنف وغيرهما عن أبي سلام، وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة. حدثنا زيد بن واقد، حدثني بشر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "حوضي بين عدن إلى عمان أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك أكاويبه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأكثر الناس عليه ورودا فقراء المهاجرين قلنا: ومن هم؟ قال: الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتمتعات ولا تفتح لهم أبواب السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم" وهذه طريق جيدة أيضا، والله الحمد، والمنة.

رواية جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه الرسول ﷺ فرط لأمته يوم القيامة على الحوض المورود

قال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: "إني فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيها النجوم" وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: "أنا فرط لكم على الحوض". والباقي مثله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية جابر بن سمرة أيضا رضي الله سبحانه وتعالى عنه

قال مسلم: وحدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت الى جابر بن سمرة مع غلامي نافع، أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ﷺ قال: فكتب إلي إني سمعته يقول: "أنا الفرط على الحوض".

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله ﷺ: "أنا على الحوض، أنظر من يرد علي، قال: فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب هؤلاء مني ومن أمتي، قال: يقال: وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم.

قال جابر رضي الله عنه: قال رسول الله ﷺ: "الحوض مسيرة شهر، وزواياه يعني عرضه مثل طوله، وكيزانه مثل نجوم السماء، أطيب ريحا من المسك، وأشد بياضا من اللبن، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا".

هذا إسناد صحيح، على شرط مسلم، ولم يروه، وقد روي من طريق زكريا عن أبي الزبير، عن جابر، بستة أحاديث ليس هذا منها.

الرسول ﷺ مكاثر بأمته يوم القيامة، وهو يأمرهم ألا يرجعوا كفارا بعده يقتل بعضهم بعضا

طريق أخرى عن جابر أيضا رضي الله تعالى عنه وأرضاه

قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرجي، حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن عامر هو الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: "إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم فلا ترجعوا بعدي كفارا، يقتل بعضكم بعضا، فقال رجل: يا رسول الله ما عرضه؟ قال: ما بين أيلة أحسبه قال: إلى مكة، فيه مكايل أكثر من عدد النجوم، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناوله أخوه".

ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ورواه ابن أبي الدنيا، عن أبي عبد الرحمن القرشي، عن عبيدة بن الأسود به.

رواية جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك قال: سمعت جندبا يقول: سمعت النبي ﷺ يقول: "أنا فرطكم على الحوض".

ورواه مسلم، من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن عمر به.

ورواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة ثم قال: قال سفيان: الفرط الذي يسبق.

رواية جارية بن وهب الخزاعي رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عمارة، حدثنا شعبة عن معبد بن خالد، أنه سمع جارية بن وهب يقول سمعت النبي ﷺ يقول وذكر الحوض فقال: "كما بين المدينة وصنعاء". وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن جارية بن وهب سمع النبي ﷺ وقال: "حوضه ما بين صنعاء والمدينة".

فقال له المستورد: "ألم تسمعه؟ قال: ألا وإني، قال: لا، فقال المستورد: نرى فيه: "الآنية مثل الكواكب".

وقال: رواه مسلم، عن محمد بن عرعرة، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة، كما ساقه البخاري، ورواه عن محمد بن عبد الله، وهو ابن أبي عدي، عن شعبة كما ذكره البخاري سواء، والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري، صحابي جليل، علق له البخاري، وأسند ذلك مسلم، وروى له أهل السنن الأربعة، وله أحاديث.

رواية حذيفة بن أسيد رضي الله عنه

عن أبي شريحة الغفاري، أنبأنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض: أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها: أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه وهو حاضر، أخبرنا أحمد بن عبد الله يعني أبا نعيم الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زيد بن الحسن، حدثنا معروف بن خربوذ، حدثنا أبو الطفيل، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: لما صدر النبي ﷺ عن حجة الوداع قال: "أيها الناس إني فرطكم على الحوض، إنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى، وصنعاء فيه أكواب عدد النجوم" لم يروه من أصحاب الكتب أحد ولا أحمد أيضا.

رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه العبسي

قال أبو القاسم البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن سعد بن طارق، عن ربع بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، وهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال، كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه، قال قيل: يا رسول الله: تعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، تردونه علي غرا محجلين من آثار الوضوء، وليست لأحد غيركم".

رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة، بنحوه، وعلقه البخاري فقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه

قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال عمرو بن مرة، أخبرني قال: سمعت أبا حمزة يقول: إنه سمع زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزل منزلا فسمعته يقول: "ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي". قلت لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.

وكذا رواه عن أبي هاشم، عن شعبة، ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة، قلت: وأبو حمزة هذا هو طلحة بن يزيد الأنصاري مولى قرظة بن كعب، والله سبحانه وتعالى أعلم.

النار جزاء من يتعمد الكذب على رسول الله ﷺ رواية أخرى عن زيد بن أرقم أيضا رضي الله عنه

قال الحافظ البيهقي: أخبرنا عبد الله الحافظ أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا حفص بن عون، أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب، حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت ابن أرقم وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد فقال: ما أحاديث بلغني عنك أنك تحدث بها عن رسول الله ﷺ تزعم أن له حوضا في الجنة فقال: حدثنا ذاك رسول الله ﷺ ووعدناه، فقال: كذبت، لكنك شيخ قد خرفت، قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله ﷺ وسمعته يقول: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وما كذبت على رسول الله ﷺ.

وأما رواية سلمان الفارسي رضي الله عنه، فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله، من حديث زيد بن علي بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله ﷺ آخر يوم من شعبان فقال: "يا أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم مبارك".

وذكر تمام الحديث بطوله في فضل شهر رمضان إلى أن قال: "من أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة".
فصل لكل نبي حوض يوم القيامة يتباهون أيهم أكثر ورادا

رواية سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- الفزاري

قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا إبراهيم بن المعتمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد هو ابن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي ﷺ قال: "لكل نبي حوض، يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة".

وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب، والله سبحانه وتعالى أعلم.

رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي ﷺ: "إني فرطكم على الحوض، من مر علي يشرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم".

قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم، فقلت: أشهد على أبي سعيد الخدري أننا نسمعه وهو يزيد فيها: فأقول: إنهم مني، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي".

فقال ابن عياش: سحقا بعدا، ويقال: سحيق، بعيد، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه والله أعلم.

رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المدني

ثبت في الصحيحين عنه أن رسول الله ﷺ لما قسم غنائم حنين فأعطى من أعطى من صناديد قريش والعرب فغضب بعض الأنصار فخطب قال لهم فيما قال: "إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا الليث بن أبي سليم البزاز، عن عبد الملك بن صعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "إني آخذ بحجزكم، أقول: إياكم وجهنم، وإياكم والحدود، ثلاث مرات، وإن أنا مت تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بقوم فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب، أحسبه قال: فيقال إنهم ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم".

ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير.

وقال البخاري: في باب الحوض من صحيحه: حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "الكوثر هو الخير الكثير الذي أعطاه الله للرسول عليه الصلاة والسلام".

قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال: من الكوثر إلى الحوض ميزابان من ذهب وفضة".

طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما

قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الواهب الحارثي، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي اله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، وأكوابه عدد نجوم السماء ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب يعني ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: "والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردن حياض الأنبياء ويبعث الله بسبعين ألف ملك في أيديهم عصى من نار، يذودن الكفار عن حياض الأنبياء".

رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع: عن بن عمر، عن النبي ﷺ قال: "إن أمامكن حوضا كما بين جرباء وأذرح".

ورواه أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم من حديث عبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع، وفي بعض الروايات: "أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح، وهما قريتان بالشام فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا".

طريق أخرى عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أو عثمان بن عمرو الأحموسي، حدثنا المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر، أنه سمعه يقول: إن النبي ﷺ قال: "حوضي كما بين عدن وعمان، أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين، قال قائل: ومن هم يا رسول الله قال: الشعثة رؤوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا تفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المنعمات، الذي يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم". تفرد به أحمد.

طريق أخرى عنه رضي الله تعالى عنه

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب قال: قال محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت: "إنا أعطيناك الكوثر" قال لنا رسول الله ﷺ: "هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضا من الثلج".

ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

قال البخاري: حدثنا شعبة بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد الله بن عمرو: قال النبي ﷺ: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا".

ورواه مسلم عن داود بن عمر، عن نافع، عن عمر، به.

طريق أخرى أيضا عنه رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة، واسمه سالم بن سبرة، قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض، حوض محمد ﷺ، وكان يكذب به بعدما سأل أبا بريدة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمر، ورجلا آخر، وكان يكذب فقال أبو سبرة: أما أحدثك بحديث فيه شفاء هذا إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله ﷺ قال: "إن الله لا يحب الفحش والتفاحش، أو يبغض الفحش والمتفحش، ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وقال: ألا إن موعدكم حوضي عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضا من الفضة، من شرب منه شرابا لم يظمأ بعده أبدأ". قال: فقال عبيد الله:ما سمعت في الحوض، حديثا أثبت من هذا وأصدق وأخذ الصحيفة فحبسها عنده.

طريق أخرى عنه

قال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمود بن بكر، عن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن عمر الليثي، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن لي حوضا في الجنة، مسيرته شهر، وزواياه سواء، ريحه أطيب من المسك، ماؤه كالورق، أقداحه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا".

ثم قال: يعلم بما روى عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.

طريق أخرى أيضا

رواها الطبراني عن أبي برزة رضي الله عنه من رواية أبى الوازع جابر ابن عمرو عن أبي برزة، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة الى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه مرزابان ينبعثان من الجنة من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، فيه أباريق عدد نجوم السماء".

رواها الطبراني وابن حيان في صحيحه من رواية أبي الوازع واسمه جابر بن عمرو عن أبي برزة.

رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: "أنا فرطكم على الحوض".

قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن المعتمر، سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم يحتجزون دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

تابعة عن أبي وائل وقال: حصين عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ.

طريق أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه في الحوض وغيره

قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي ﷺ فقالا: "إن أمنا تكرم الزوج، وتعطف على الولد قال: وتقري الضيف، غير أنها ماتت في الجاهلية فقالا: أمكما في النار، قال: فأدبرا والسوء في وجوههما، فأمر بهما فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما، رجيا أن يكون قد حدث شيء فقال: أمي مع أمكما، فقال رجل من المنافقين: ما يغني هذا عن أمه شيئا ونحن نطأ عقبيه، فقال رجل من الأنصار، ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه. يا رسول الله: هل وعدك ربك فيها أو فيهما؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة، فقال الأنصاري: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم حفاة، غراة، غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقول الله: اكسوا خليلي: فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد فيستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأولون والأخرون، قال: ويفتح من الكوثر إلى الحوض، فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض، فقال الأنصاري: يا رسول الله ﷺ: على حال أو رضراض فقال رسول الله ﷺ: "حاله المسك ورضراضه التوم فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبته، فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ فقال: نعم. قضبان الذهب، فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر، فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر قال: نعم ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، إن من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده، وإن من حرمه لم يرو بعده". تفرد به أحمد وهو غريب جدا.

رواية عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام: أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: ما حوضك الذي تحدث عنه فقال: "كما بين البيضاء إلى بصرى، لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه".
من رغب عن سنة الرسول عليه السلام ضربت الملائكة وجهه عن الحوض يوم القيامة

قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي يعني الحكيم في نوادر الأصول من حديث عثمان بن مظعون عن النبي ﷺ أنه قال: "يا عثمان لا ترغب عن سنتي، فإنه من رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة".

خشية الرسول ﷺ على أمته من التنافس في الدنيا رواية عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه

قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله ﷺ خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف، فصعد على المنبر، فقال: "إني فرط لكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".

ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث من حديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به، وعنده: "إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم". قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله ﷺ.
ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك

أسند البيهقي من طريق علي بن المديني: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن رسول الله ﷺ رحم، ورحم أبو بكر، ورحمت، وسيكون قوم يكذبون بالرحم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار".

رواية النواس بن سفيان العلابي رضي الله عنه أول من يرد الحوض يوم القيامة من يسقي العطاش في الدنيا

قال عمر بن محمد بن بحر البحيري: حدثنا سليمان بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سفيان، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان، فيه أقداح كنجوم السماء، أول من يرده من أمتي من يسقط كل عطشان".

أورده الضياء من هذا الوجه ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البحيري والله أعلم.
من شرب من الحوض المورود حيل بينه وبين الظمأ وحفظ وجهه فلم يسود

رواية أبي إمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه

قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهورني، عن أبي أمامة أبي يزيد بن الأخنس: أنه سأل رسول الله ﷺ فقال: ما سعة حوضك؟ فقال: "كما بين عدن إلى عمان- وأشار بيده وأوسع- فيه ضفتان من ذهب وفضة، قال: فما شراب حوضك؟ قال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ولم يسود وجهه".

طريق أخرى عن أبي أمامة

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي إمامة الباهلي قال: قيل يا رسول الله ما سعة حوضك؟ قال: ما بين عدن وعمان- وأشار بيده وأوسع- وفيه ضفتان من ذهب وفضة، قيل: يا رسول الله: فما شرابه؟ قال أبيض من اللبن وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، ولم يسود وجهه بعدها أبدا.

رواية أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبابرزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان- سماه- مسلم، وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محدثكم هذا الدحداح ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أهان في قوم يعيروني بصحبة محمد ﷺ!! فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين: ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله ﷺ يذكر فيه شيئا. قال أبو برزة: نعم. لا مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربع، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه ثم خرج مغضبا.
لا يسقى من الحوض من كذب به

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهرم العبدي، عن أبي طالوت العنزي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لي الحوض، فمن كذب به فلا سقاه الله منه".

وقد رواه البيهقي من طريق أخرى، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة في دخوله على عبيد الله بن زياد بنحو ما تقدم.

طريق أخرى عن أبي برزة

قال أبو بكر بن عاصم: حدثنا عبده بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد قال: سمعت أبا الوازع وهو جابر يزعم أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه ميزابان يعبان من الجنة، من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، فيه أباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، ومن كذب به فلا سقاه الله" يعني منه.

رواية أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه

قال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله ﷺ قال: "أنا فرطكم على الحوض".

رواية أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه

قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي، واللفظ لأبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد: عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال: "والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة لا المصحية، من آنية الجنة، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل" هذا لفظه إسنادا ومتنا.
الرسول ﷺ أكثر أنبياء الله تابعين يوم القيامة