ج م لا

 

مدونة في وداع الله يا امي/يا الله /جاري جاري / مدونات لا شرك لا شرك /قانون الحق الالهي/نوتة الصلاة //في وداع الله يااماي/تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست/اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا/حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين/قانون الحق الالهي اا./قانون الحق الالهي/قانون العدل الالهي/قانون ثبات سنة الله في الخلق/كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين/مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27/المدونة التعليمية المساعدة/مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية/أمي الحنون الغالية/الكشكول الأبيض2ثانوي/الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم /ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة} /ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد //الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث //الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي //الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي //الخلاصة الحثيثة في الفيزياء //الديوان الشامل لاحكام الطلاق //السيرة النبوية //الطلاق المختلف عليه//الفيزياء الثالث الثانوي روابط //اللغة الفرنسية 2ثانوي //الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول//المنهج في الطلاق //النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 //النخبة في شرعة الطلاق //الهندسة بأفرعها //بيت المعرفة العامة //ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. //تفوق وانطلق للعلا //ثالثة ثانوي مدونة//ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني //روابط المواقع التعليمية //روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام//رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني //عبد الواحد ترم أول2ثانوي //عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2.//علم المناعة //فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول//فيزياء ثاني ثانوي ترم أول //فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني //كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري //كتاب الزكاة //كتب ثاني ثانوي ترم1و2 //كشكول //كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني //كيمياء ثاني ثانوي ترم أول //لغة انجليزية2ث.ترم أول //مدونة الأميرة الصغيرة//أسماء صلاح التعليمية 3ث //مدونة الإختصارات //مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة/الطلاق7/5هـ//مدونة اللغة الإيطالية //مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية //مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني//مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول //منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام //ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول //نهاية البداية

 

ممـــــ

برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد/برامج كتابة سيجما/الخلود ورؤية الناس /من مات لا يشرك بالله شيئا// كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ثم هو جل وعلا يقول../كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ...///فإذا تبين لنا أن الشرك مقدارا هو مادونه العدم.../الشِّيئةُ تعريف معني شيئ في كتاب الله ومعجم لسان/عرض منسق لحديث /صاحب البطاقة يوم القيامة/التعقيب علي مقال إزالة الاشكال حول معني الخلود /التعقيب علي مقال.إزالة الإشكال حول معنى (الخلود) /المحكم والمتشابه في حديث /صاحب البطاقة وأخطاء أصحاب.../النصوص الظنيَّه التي اعتمد عليها النووي في صنع شرع موازيا/ من مات لا يشرك بالله شيئا /كيف يري الناس قول الله تعالي (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَ.../حديث أبي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا../*الخلود خلودان مقولة ومصطلح مؤلف ليس من الاسلام في.../النار .. في القرآن الكريم/✿معني الخلود مجازا بنسبة قرينته وأبدا بنسبة أبدية .../✿>✿ لا خلود في لآخرة إلا بمدلول واحد هو الأبد ومن.../المأوي هو لفط دال عل الخلود في الآخرة إما إلي الجن.../مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عباده.../شروط الحكم بانتهاء عقد الاسلام /تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تخريج حديث مسلم الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر وا.../تحقيق حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَح.../تحميل القران كلة برابط واحد الشيخ عبد الباسط/كيف يخالط الشيطان أو النفس أو الهوي إيمان المؤمني./ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ.../الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بظل/كتاب الجامعة المانعة /نظام الطلاق في الإسلام الطلاق/حديث البطاقة (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق /الادلة المستيقنة علي بطلان تأويلات نصوص الزجر وقطع.../شروط الشفاعة كما جاءت بكتاب الله تعالي /جديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ما هي الشفاعة ولمن تستحقفي مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه٢.الإعراض عن يقين ونور المحكم من الحجج واللجوء الفهرست مدونة قانون الحق الالهيسمات النووي التي اتصف بها في معترك قلبه لنصوص الإيإن الميت علي المعصية عياذا بالله مات غير مستجيبا لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل/ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةتابع قانون الحق الجزء [۳] إلي بيان ما هو الحقالشواهد والطرق التي تبين صحة قول ابن الصلاح الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَد// الرواية الناقصة من حديث مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَ... أقوال النووي في المتأولات*النووي وقواعده الفجة في التأويل في كتابه: الم.نصوص الشفاعة كيف فهمها الناس وكيف تربصوا بها وحادولتوبة هي كل الاسلامفاستبدلوا اشارة الشرع الي الكلام عن ذات المؤمن بإ الشئ هو أقل مخلوق في الوجود (مثقال الذرة التوبة فرض وتكليف لا يقوم الإسلام إلا بها*التوبة هي كل الإسلامهل من قال لا اله الا الله الشواهد علي صحة من قاللماذا قالوا أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فهرست مدونة قانون الحق الالهيمن قانون الحق الالهي عرض آخر لمصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه.الفرق بين التعامل بين المسلمين وبعضهم وبين الله وا../ .........................

.........................

دليل المدونات العلمية

مدونة في وداع الله يا امي /يا الله /جاري جاري /مدونات لا شرك لا شرك / قانون الحق الالهي /نوتة الصلاة /في وداع الله يااماي /تعلم التفوق بالثانوية /السيرة النبوية /الفهرست /اللهم ارحم ابي وامي /المضبطة /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /قانون الحق الالهي اا. /قانون الحق الالهي /قانون العدل الالهي /قانون ثبات سنة الله في الخلق /كتاب الفتن علامات الساعة ويوم القيامة /مدونات لا شين /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها /وصف الحور العين /مامي 27 . المدونة التعليمية المساعدة /مدونة الاميرة اسماء صلاح التعليمية /أمي الحنون الغالية /الكشكول الأبيض2ثانوي /(الأم)منهج الصف الثاني الثانوي علمي رياضة وعلوم / 2ثانوي {الحاسب الآلي - والمواطنة / 2ثاني ثانوي لغة عربية /أمي الحنون الغالية /احياء ثاني ثانوي ترم أول /الأمراض الخطرة والوقاية منها /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /التاريخ 2ث /التجويد /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /الديوان الشامل لاحكام الطلاق /السيرة النبوية /الطلاق المختلف عليه /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /اللغة الفرنسية 2ثانوي /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /المنهج في الطلاق /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /النخبة في شرعة الطلاق /الهندسة بأفرعها /بيت المعرفة العامة /ترم ثاني ثاني ثانوي علمي ورياضة وادبي.. /تفوق وانطلق للعلا /ثالثة ثانوي مدونة /ثاني ثانوي ترم اول وثاني الماني /روابط المواقع التعليمية /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /رياضيات بحتة وتطبيقية تاني ثانوي ترم ثاني /عبد الواحد ترم أول2ثانوي /عبدالواحد ثاني ثانوي ترم1و2. /علم المناعة /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /فيزياء ثاني ثانوي ترم أول /فيزياء ثاني ثانوي ترم ثاني /كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري /كتاب الزكاة /كتب ثاني ثانوي ترم1و2 /كشكول /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /كيمياء ثاني ثانوي ترم أول /لغة انجليزية2ث.ترم أول /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة الإختصارات /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /مدونة اللغة الإيطالية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /مكتبة روابط ثاني ثانوي ترم اول /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /نهاية البداية

الخميس، 22 أكتوبر 2020

النهاية 6




نفخة البعث

قال الله تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون". وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا".

وقال تعالى: "فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق، وقيام الخلائق كلها، وبقاء الحي الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السموات والأرض، فيما بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت فى حياتها في هذه الدنيا من غير أرواح ثم يقول الله تعالى: "ليحيى حملة العرش: فيحيون، ويأمر إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيى جبريل وميكائيل: فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها، تتوهج أرواح المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، فيلقيها في الصور، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ، فتخرج الأرواح كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: "وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره في الدنيا، فتقبل الأرواح على الأجساد، فتدخل في الخياشم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم قال رسول الله ﷺ: "وأنا أول من تنشق الأرض عنه". فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطيعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر حفاة عراة غرلا. وقد قال الله تعالى: "يوم يخرحون من الأحداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون".

وقال تعالى: "واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير".

قال تعالى: "فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرحون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر".

وقال تعالى: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى".

وقال تعالى: "فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون".

قال تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعر، عن عبد الله بن مسعود قال: "ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا تذر على الآرض مؤمنا إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق من خلق السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الري ثم قرأ ابن مسعود: "كذلك النشور". ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه ويقومون قياما لرب العالمين.

وعن وهب بن منبه قال: يبلون في القبور فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان والمفاصل، بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية ذهب القوم قياما على أرجلهم، ينفضون التراب عن رؤوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
ذكر أحاديث في البعث

وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه لا يبقى خلق في السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: "والله الذي أرسل الرياح فتثيرسحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور". ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون فيجيئون قياما لرب العالمين.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدي، عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: "يا أبا رزين: أما مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به نهرا أخضر؟ قلت: بلى: قال: فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه".

وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وغندر كلاهما عن شعبة، عن يحيى بن عطاء به، نحوه أو مثله.

وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: مررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ قال: قلت: نعم: قال: كذلك النشور: قال: قلت: يا رسول الله: ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق في النار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله، فإن كنت كذلك، فقد أدخل حب الإيمان في قلبك كما أدخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ قلت: يا رسول الله: كيف بأن أعلم أني مؤمن" قال: "ما من أمتي أو من الأمة عبد يعمل حسنة، فيعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيرا، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة، ويستغفر الله، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو، إلا وهو مؤمن".

قال الوليد بن مسلم: وقد جمع أحاديث وأثارا تشهد لحديث الصور في متفرقاته، أخبرنا سعيد بن بشير: عن قتادة، في قوله تعالى: "واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب". قال: يقوم ملك على صخرة بيت المقدس، ينادي: "أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء. وعن قتادة قال: "لا يغيرعن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث". فلذلك يقول الكافر حين يبعث: "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" يعني تلك الفترة فيقول له المؤمن: "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين حدثني صدقة بن بكر السعدي: حدثني معدي بن سليمان. قال: كان أبو محكم الجسري يجتمع إليه إخوانه وكان حكيما وكان إذا تلا هذه الآية: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا". بكى ثم قال: إن القيامة ذهبت فطاعتها بأوهام العقول، أما والله لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم، لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض، ولا مسألة إلا وقد عاينوا خطرا عظيما، وحقت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولكن كانوا في طول الإقامة في البرزخ يألمون ويعذبون في قبورهم، وما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم، إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقادا، وإن في القرآن لدليلا على ذلك. "فإذا جاءت الطامة الكبرى". قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته.

وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بشر عن عبد الله الحضرمي: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى مشايخ، بين العراق والشام في الجاهلية، فقام فيهم شيخ فقال: أيها الناس: إنكم ميتون، ثم مبعثون إلى الإدانة والحساب، فقام رجل، فقال: والله لقد رأيت رجلا لا يبعثه الله أبدا، وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها حتى رم فلم تبق منه أنملة.... فقال له الشيخ: إنكم من قوم سجينة أحلامهم، ضعيف يقينهم، قليل عملهم، لو أن الضبع أخذت تلك الرمة، فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم عدت عليها الكلاب وأكلتها، وبعرتها، ثم عدت عليها الجلالة، ثم أوقدتها تحت قدر أهلها، ثم نسفت الريح رمادها لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئا أن يرده فرده، ثم بعثه للإدانة والثواب.

وقال الوليد: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن شيخا من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد: ثلاث بلغني، أنك تقولهن لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول إن العرب تاركة ما كانت تعبد هي وآباؤها، وأنا نظهر على كنوز كسرى وقيصر، ولنموتن ولنبعثن " فقال له الرسول عليه السلام: "ثم لآخذن بيدك يوم القيامة، فلأذكرنك مقالتك هذه" قال: ولا تضلني في الموتى؟ ولا تنساني قال: ولا أضلك في الموتى، ولا أنساك، قال فبقي الشيخ حتى قبض رسول الله ﷺ ورأى ظهور المسلمين على كسرى وقيصر، فأسلم وحسن إسلامه، وكان كثيرا ما يسمع عمر بن الخطاب يحييه في مسجد رسول الله ﷺ، لإعظامه ما كان واجه به رسول الله ﷺ وكان عمر يأتيه ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله ﷺ أنه يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله ﷺ بيد أحد إلا أفلح وسعد إن شاء الله.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، أخبرنا هشيم، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله ﷺ بعظم قد رم وقال: يا محمد: يبعث الله هذا؟ قال: نعم، يميتك والله، ثم يحييك، ثم يدخلك النار ونزلت: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم".

وقال تعالى في قوله: "ولقد علمتم النشأة الأولى". قال خلق آدم، وخلقكم، قال: فلا تصدقون؟

وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال: عجبا لمن يكذب بالنشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى يا عجبا كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة، ورواه ابن أبي الدنيا.

وقال أبو العالية في قوله: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه". قال: إعادته أهون عليه من ابتدائه وكل يسير، رواه ابن أبي الدنيا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "قال الله عز وجل كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله: فليعدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد". وهو ثابت في الصحيحين.

وفيهما قصة الذي أوصى إلى نبيه إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا نصف رماده في البر، ونصفه في البحر، وقال: لئن قدر الله علي، ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، وذلك أنه لم يدخر عند الله حسنة واحدة، فلما مات، فعل ذلك بنوه، كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا رجل قائم، فقال له ربه: ما حملك على هذا قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله ﷺ فغفر له.

وعن صالح المزي قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنها قوم صموت، فقلت: سبحان الله: من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفريا صالح: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون". قال: فخررت والله مغشيا علي.
ذكر أن يوم القيامة وهو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها يكون يوم الجمعة

وقد وردت في ذلك أحاديث: قال الإمام مالك بن أنس: عن يزيد بن عبد الهادي، عن محمد بن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقام الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه".

ورواه أبو داود واللفظ له، والترمذي من حديث مالك، وأخرجه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر عن أبي الهادية نحوه وهو أتم.
لحظة قيام الساعة

وقد رواه الطبراني في معجمه الكبير، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر، مرفوعا: "ولا الساعة تقوم إلا في الأذان".

قال الطبراني: يعني في أذان الفجر.

وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله بن عمر: أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل بمرآة بيضاء متلألئة إلى النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: "ما هذه قال: الجمعة. فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن، يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي ﷺ: "يا جبريل وما يوم المزيد فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل ما شاء من ملائكته، وحوله منابرمن نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بمنابر من الذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم، ولكن ما تمنيتم ولدي مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة، لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة".

ثم رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد أيضا، حدثني أبوعمر، عن إبراهيم بن الجعد، عن أنس شبيها به قال: وزاد فيه أشياء.

قلت: وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله المستعان.
أجساد الأنبياء لا تبليها الأرض

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الأنصاري، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعق، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي"، قالوا يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- يعني بليت- قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله، وفي رواية لابن ماجه، عن شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم.

وقال أيضا: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي أمامة بن عبد المنذر، أن رسول الله ﷺ قال: "سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهو يشفق من يوم الجمعة".

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهر به.

وقد روى الطبراني عن ابن عمر مرفوعا: "أن القيامة تقوم وقت الأذان للفجر من يوم الجمعة".

وقد حكى أبو عبد الله القرطبي في التذكرة أن ذلك هو من يوم جمعة، للنصف من شهر رمضان، وهذا يحتاج إلى دليل.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن، ليلة الميت مع أهل القبور، ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله، إما بالجنة، وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك، وإما بشمالك.

وهكذا روي عن عبد قيس وهرم بن حيان وغيرهما، أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صباحها عن يوم القيامة.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك ابن مغول، عن حميد، قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو يمص ماءها، ثم يمجه، إذ تنفس تنفسا شديدا، ثم بكى، حتى أرعد متكأه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة! لوأن بالقلوب صلاحا! يا ويلكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة! أي ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر عورة بادية، ولا عينا باكية من يوم القيامة.
ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا معقل يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار: حدثني عبيدالله بن مرواح: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع".

وقال هشيم: عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثم، أخبرنا حجير بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : "ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يبعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي". وفي الصحيح ما يقرب من هذا السياق، والحديث في صحيح مسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور". فذكرموسى في هذا السياق، ولعله من بعض الرواة، دخل عليه حديث في حديث فإن الترديد هاهنا لا يظهر وجهه لا سيما قوله: "أم جوزي بصعقة الطور".

وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة عن عمرو، وهو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر ويهودي منازعة، فقال: والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه أبو بكر، فأتى رسول الله ﷺ فقال: "يا يهودي: أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري، هل كان قبلي أو جوزي بالصعقة"؟.

وهذا مرسل من هذا الوجه. والحديث في الصحيحين من غير وجه بألفاظ مختلفة، وفي بعضها أن المقاول لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق رضي الله عنه فالله أعلم.

ومن أحسنها سياقا: "إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يصعق فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"؟.

وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القران، وكان سبب هذا الصعق في هذا الحديث لتجلي الرب تعالى، إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس، كما خر موسى صعقا يوم الطور، والله تعالى أعلم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ: "كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري أهو ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة؟ أو بعث قبلي". وهذا مرسل أيضا وهو أضعف.
الرسول عليه السلام أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عمرو بن الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد، حتى آدم فمن دونه" لم يخرجوه وإسناده لا بأس به.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أخبرنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال: عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة، فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين".

وقال أيضا: أخبرنا سعيد بن سلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله ﷺ المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكىء عليهما، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث، عن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن منبه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: "ما من فجر يطلع، إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبي ﷺ حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم، وصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض، خرج رسول الله ﷺ في سبعين ألفا من الملائكة، يوقرونه ﷺ".

وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرنا مروان بن سالم: عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر الناس رجالا، وأحشر راكبا على البراق، وبلال بين يدي على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس، نادى بلال بالأذان، فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، صدقه الأولون والآخرون". وهذا مرسل من هذا الوجه.
ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا وذكر أول من يكسى من الناس يومئذ

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قال: فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات فقال: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وأخرجاه في الصحيحين، من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبا مليكة، عن القاسم، عن عائشة بنحوه.

أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الله عليه السلام

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان شيخ من النخع. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة، عراة غرلا": "كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينا إنا كنا فاعلين". "ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيحيا ناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. وليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم". فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة.

ورواه أحمد: عن سفيان بن عيينة، وهو في الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: "إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا".

ورواه البيهقي من حديث هلال بن حيان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: "تحشرون عراة حفاة، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى. قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدلاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: "يحشر الناس حفاة عراة غرلا، قياما أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال فيلجمهم الله العرق من شدة الكرب، ثم يقال اكسوا إبراهيم، فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة، قال: ثم ينادي لمحمد ﷺ فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة، قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش، ثم قال: قال رسول الله ﷺ: "فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن أو على يمين الكرسي، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع، فقام رجل فقال أترجو لوالديك شيئا فقال: إني شافع لهما أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئا" قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول الوحي بالنهي عن الاستغفار للمشركين والصلاة على المنافقين.

قال القرطبي: وروى ابن مبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد عليه السلام حلة، عن يمين العرش.

وقال أبو عبد الله القرظي في كتاب التذكرة، وروى أبو نعيم الحافظ يعني الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله ﷺ قال: "أول من يكسى إبراهيم، يقول الله اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون".

قال القرطبي: وقال الحليمي في منهاج الدين له، وروى عباد بن كثير عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة يؤذن المؤذن ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون ثم المؤذنون" وذكر تمامه. ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذلك فقال: من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، أو أنه جرد يوم ألقي في النار فالله أعلم.

وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: قال النبي ﷺ: "يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الأذان، فقلت يا رسول الله واسوءتاه!! ينظر بعضنا إلى بعض قال يشغل الناس عن ذلك لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه". إسناده جيد وليس هو في المسند ولا في الكتب.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلا كما بدئوا، قالت أم سلمة يا رسول الله ينظر بعضنا إلى بعض؟ قال: يشغل الناس: قلت: وما شغلهم؟ قال نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، مثاقيل الخردل".

وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان يعني الثوري عن زبيدة، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا".

قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه فدخل عليه حديث من إسناد علي حديث من إسناد آخر، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، حديث مسند، وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة به مثله، وزاد: "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عابد بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله: كيف يحشر الرجال؟ فقال: "حفاة عراة: قالت: واسوءتاه من يوم القيامة!! قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي أنه لا يضرك. كان عليك ثياب أم لا. قالت: وأي آية يا رسول الله قال: "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هيثم، عن كرز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ "يحشر الناس كما ولدتهم أمهم، حفاة عراة غرلا". فقالت عائشة: النساء والرجال؟ بأبي أنت وأمي فقال: نعم، فقالت: واسوءتاه! فقال: ومن أي شيء تعجبين يا بنت أبي بكر؟ قالت: عجبت من حديثك: يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا، ينظر بعضهم الى بعض؟ قال: فضرب على منكبها وقال يا بنت أبي قحافة: شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم موقوفين، لا يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق من طول الوقوف، ثم يرحم الله من بعد ذلك العباد، فيأمر الله الملائكة المقربين فيحملون عرشه من السموات إلى الأرض، حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك أول يوم نظرت عين إلى الله، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان من الجن والإنس، أين فلان فلان بن فلان بن فلان؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادي من الموقف، فيعرفه الله للناس ثم يقال تخرج معه حسناته، يعرف الله أهل الموقف بتلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل أين أصحاب المظالم فيجيبون رجلا، فيقال لكل واحد منهم أظلمت فلانا لكذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسنات الظالم فتدفع إلى من ظلمه، ثم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسنات الظالم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا فيقولون: ما بال غيرنا استوفى ومنعنا فيقال لهم: لا تعجلوا، فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حساب الظالم قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك، ولا نبي مرسل، ولا صديق، ولا شهيد، إلا ظن لما رآه من شدة الحساب أنه لا ينجو، إلا من عصمه الله عز وجل".

هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في الصحيح كما سيأتي بيانه قريبا، إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.
الإنسان يبعث يوم القيامة في ثياب عمله من خير أو شر

قال الحافظ: فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد عبد الله بن إسحاق بن الخرساني المعدل، حدثنا محمد بن القاسم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت دعا بثياب جديدة فلبسها، ثم قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها".

فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب السنن، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.

ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا بثلاثة أجوبة: أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يلبسون من ثياب الجنة. الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة. الثالث: أن المراد بالثياب هاهنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر قال الله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير". وقال: "وثيابك فطهر". قال قتادة: عملك فأخلصه. ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة".

وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانىء، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته وخرج، فماتت، فدفناها، فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها فقال: في أي شيء هيأتموها؟ قلنا: في ثيابها، فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يحشرون فيها".

وقال أيضا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم، وكذا روي عن أبي العالية، وعن أبي صالح المزي، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان ذميمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رؤوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم مأواهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فيصرف بهم إلى الجنة، أو يصرف بهم إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: واسوء منصرفاه إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة!! لقد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.
ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

بعض ما ورد من آيات الكتاب المبين

قال الله تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير، يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير".

وقال تعالى: "إن لدينا أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا" إلى قوله: "فكيفت تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا" وقال تعالى: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين".

وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا".

وقال تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضتة يوم القيامة والسموات مطويات بيمينيه سبحانه وتعالى عما يشركون ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظزون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون".

وقال تعالى: "يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى".

وقال تعالى: "فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة".

وقال تعالى: "فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثئوا إلا عشية أو ضحاها".

وقال تعالى: "كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

قال تعالى: "هل أتاك حديث الغاشية وجوة يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ووجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت".

وقال تعالى: "إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم".
ثم ذكر جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة عند احتضارهم

كما ذكرنا في تفسيرآخر هذه السور الكريمة.

وقال تعالى: "فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر".

وقال تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات و برزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب".

وقال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرثس يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ليذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن لملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب".

وقال تعالى: "وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير".

وقال تعالى: "إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما، كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا، خالدين فيها وساء لهم يوم القيامة حملا، يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما، ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما".

وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون".

وقال تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس، ما كسبت وهم لا يظلمون". وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون".

وقال تعالى: "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

وقال تعالى: "ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين".

وقال تعالى: "ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون،وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون، وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون، وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون، الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون".

وقال تعالى: "الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا".

وقال تعالى: "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون".

وقال تعالى: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب".

وقال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون".

وقال تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وماعملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد".

وقال تعالى: "حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون".

وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا يعبدون، فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين، هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وقال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه".

وقال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".

وقال تعالى: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال، وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم".

وقال تعالى: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا، الملك يؤمئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا، ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذث مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا".

وقال تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ماكان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا".

وقال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون".

وقال تعالى: "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شئركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين كلم فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون".

وقال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين".

أي لا ينطقون بحجة تنفعهم.

وقوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين، انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".

وكذلك قوله: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".

فهذا يكون في حال آخر، كما قال ابن عباس في جواب ذلك في رواية البخاري عنه لمن سأله عن مثل ذلك. وهكذا قوله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون " إنا كذلك نفعل بالمجرمين، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويقوولن أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين".

وقال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينطرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون، قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون، فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون". وقال تعالى: "فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون".

قال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون، وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون، فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون".

وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولد ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور".

وقال تعالى: "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ".

وقال تعالى: "إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواكب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينطر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا

وقال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم: إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سئجرت وإذا النفوش زوجت وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت".

وقال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم: إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله".

وقال تعالى: "إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن يحيى الصنعاني القاضي أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره: أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ": "إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت" وأحسب أنه قال: وسورة هود.

وكذا رواه الترمذي، عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق به، ثم رواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الرحمن بن يزيد من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه، عن ابن عمر فذكر نحوه.

وفي الحديث الآخر: "شيبتني هود وأخواتها". والآيات في هذا كثيرة جدا في أكثر سور القرآن العظيم.

وقد ذكرنا في كتابنا التفسير ما عند كل آية من هذه الآيات الدالة على صفة يوم القيامة من الحديث والآيات المفسرة لذلك، ونحن نورد هاهنا ما يسره الله تعالى بحول الله وقوته وعونه وحسن توفيقه.
ذكر الأحاديث والآيات الدالة على أهوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأمور الكبار

قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال: رسول الله ﷺ: "يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم".

انفرد به أحمد وإسناده لابأس به، وفي معنى قوله عليه الصلاة والسملام تطش عليهم احتمالان، أحدهما: أن يكون ذلك من المطر يقال أصابهم طش من مطر وهو الخفيف منه، والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، والله أعلم.

وقد قال الله تعالى: "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين".

وقد ثبت في الصحيح أنهم يقومون في الرشح إلى أنصاف آذانهم، وفي الحديث الآخر أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم.

وفي حديث الشفاعة كما سيأتي: "إن الشمس تدنو من العباد يوم القيامة فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرفون بحسب الأعمال".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور: عن أبي الغيث، عنأبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين عاما، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم". شك ثور أيهما قال.

وكذا رواه مسلم، عن قتيبة، وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم بن الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ مثله. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر وأبي سعيد فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعته من رسول الله ﷺ يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته، وقال الآخر: يلجمه، فخط ابن عمر وأشار أبو سعيد بأصبعه: من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أدري ذلك إلا سواء. تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليمان بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين". قال سليم: لا أدري أي الميلين؟ أمسافة الأرض؟ أم الميل الذي تكحل به العين؟ قال: قال فتغمرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما. قال: فرأيت رسول الله ﷺ يشير بيده إلى فيه قال: "يلجمه إلجاما". وكذا رواه الترمذي، عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وقال: حسن صحيح، وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن أبي جابر نحوه.

وقال ابن المبارك: عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العرار، قال: "إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدميه موضعا يضعهما وإن الشمس لتدني من رؤوسهم حتى يكون بينها وبين رؤوسهم إما قال ميل أو ميلان، ويزاد في حرها تسعة وتسعين ضعفا".

وقال الوليد بن مسلم: عن أبي بكر بن سعيد عن مغيث بن سمي قال: "تركد الشمس فوق رؤوسهم على أذرع وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم رياحها وسمومها، وتجري عليهم نفحاتها حتى تجري الأنهار من عرقهم، أنتن من الجيف والصائمون في خيامهم في ظل العرش.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: "إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب". إسناده ضعيف.
بعض من سيستظلون بظل الله يوم القيامة

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي رواية إلا ظل عرشه، إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، واثنان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا على ذلك، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".
السابقون إلى ظل الله يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن ويحيى بن إسحاق قالا: حدثنا ابن لهيعة: قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم".

تفرد به أحمد وإسناده فيه ابن لهيعة، وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالمشهور.

هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق، حرج، شديد، صعب، إلا على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم، أن يهون علينا ذلك، وأن يوسع علينا، قال الله تعالى: "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا".وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الأصبغ هو ابن يزيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني زمعة: هو ابن عمرو الحرسي الشامي، قال: سألت عائشة فقلت ما كان رسول الله ﷺ يقول: إذا قام من الليل؟ وبم كان يستفتح؟. فقالت: كان يكبر عشر ويحمد عشرا ويهلل عشرا ويستغفر عشرا أو يقول: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني". ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم القيامة".

وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن أبي داود الحراني عن يزيد ابن هارون بإسناد مثله وعنده: "من ضيق المقام يوم القيامة".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: "يخرجون من قبورهم فيبقون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ دكاء، إن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدميه موضعا".

وقال: حدثني هارون بن سفيان: أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي، قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم، كان شعارهم لا إله إلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا".

وحدثنا حمزة بن العباس: أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان: عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى".

وحدثني عصمة بن الفضل: حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، سمعت الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون فينادي مناد: "يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون".

فيطمع فيها الخلق، فيتبعها: "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين". فييأس منها الخلق غير الإسلام.
بشارة نبوية عظيمة للمؤمنين

وروي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن".

قلت: وله شاهد من القرآن العظيم:

قال الله تعالى: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين".

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، أخبرنا إبراهيم بن عيسى اليشكري: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره، تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة، فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط البرد بالمسك، فرشه عليه، وصب له الآخر شربة فيتناوله إياها، فيشربها، فلا يظمأ بعدها أبدا، حتى يدخل الجنة، فأما الأشقياء والعياذ بالله تعالى فقد قال الله تعالى في شأنهم: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشركون".

وذكرنا في التفسير: أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، فيلزمه ولا يفارقه حتى يرمى بهما إلى النار، وقال تعالى: "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد".أي ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله، وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه، "لقد كنت في غفلة من هذا" يعني أيها الإنسان "فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" أي نافذ قوي. "وقال قرينه هذا ما لدي عتيد" أي هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى للسائق والشهيد: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد".
بعض جزاء المتكبرين يوم القيامة

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجنا من جهنم يقال له مويس، فتعلوهم نار الإسار، فيسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار".

ورواه الترمذي والنسائي جميعا، عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان به، قال الترمذي: حسن.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر المتكبرون في صور من الذر يوم القيامة".

ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد: عن هشام، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ كان في بعض أسفاره، وقد تقارب بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

فلما سمع ذلك أصحابه، حثوا المطي وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما باتوا حوله قال أتدرون أي يوم ذاك؟ يوم ينادي آدم: يناديه ربه يقول: يا آدم: ابعث بعث النار قال: يا رب: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأبلس أصحابه ما ترى لأحدهم سن ضاحكة، فلما رأى ذلك، قال: اعلموا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس، قال: فسري عنهم ثم قال: اعلموا وابشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير والرقمة في ذراع الدابة".

وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا، عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

فصل

فإذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض على غير صفة الأرض التي فارقوها قد دكت جبالها، و زالت قلالها وتغيرت أحوالها، وانقطعت أنهارها، و بارت أشجارها، وسجرت بحارها، وتساوت مهادها ورباها، وخربت مدائنها وقراها، وقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الإنسان ما لها، وكذلك السموات، ونواحيها، قد تشققت، وأرجاؤها قد تفطرت، والملائكة على أرجائها قد أحدقت وشمسها وقمرها مكسوفان، بل مخسوفان وفي مكان واحد مجموعان، ثم يكوران بعد ذلك، ثم يلقيان كما جاء في الحديث الذي سنورده في النيران كأنهما ثوران عقرا.

قال أبو بكر بن عياش: قال ابن عباس: يخرجون فينظرون إلى الأرض فيرونها غير الأرض التي عهدوا، وإلى الناس فيرونهم غير الناس الذين عهدوا، ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:

فما الناس بالناس الذين عهدتهم........ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار".وقال تعالى: "فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقال تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا يخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت".

النهاية 5

 

قرب الساعة

ذكر طرق حديث رسول الله ﷺ "بعثت أنا والساعة كهاتين"

رواية عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله يعني بن أبي المهاجر الدمشقي قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله ﷺ من كلام يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أنتم والساعة كهاتين". تفرد به أحمد من هذا الوجه.

طريق أخرى عنه

قال أحمد: حدثنا هاشم عن شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي ﷺ "بعثت أنا والساعة هكذا". وأشار بالسبابة والوسطى. وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي، هذا وأبي التياح، كلاهما عن أنس به.

روى الإمام أحمد: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين". ومد إصبعيه السبابة والوسطى. تفرد به أحمد.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يروي أن رسول الله ﷺ قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وبسط إصبعيه السبابة والوسطى.

وأخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، وزاد مسلم، وحمزة الضبي، عن أنس به.

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وأشار بالوسطى والسبابة.

وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، من حديث شعبة به.

وفي رواية لمسلم، عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

قال مسلم في صحيحه، حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن بلال العزى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". تفرد به مسلم.

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله ﷺ فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

ثم يرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه، إذ ذكر الساعة، كأنه منذر جيش، ثم يقول: "أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا". وأشار بإصبعه السبابة والوسطى. "صبحتكم الساعة ومستكم". وقد رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد به، وعند مسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".

رواية سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه

قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، واللفظ حدثنا يعقوب، عن ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلا يقول: رأيت النبي ﷺ يشير بإصبعيه اللتين تليان الإبهام، وهما السبابة والوسطى، وهو يقول: "بعثت أنا والساعة هكذا". تفرد به مسلم.

رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن حصين، عن ابن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضم أصابعه.

وقد روى البخاري: عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عباس، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".

ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل: ورواه ابن ماجة عن هناد بن السري، وأبو هاشم الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش. به، وقال: وجمع بين إصبعيه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: "بعثت في قسم الساعة".

يقول: حين بدت في أول وقتها، وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روي لأبي جبيرة حديث آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.

حديث في قرب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو قائم على المنبر يقول: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطى أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا، ثم أعطى أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل التوراة والإنجيل، ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا، فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوليه من أشاء". وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان.

وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى". فذكر الحديث بتمامه وطوله.

طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا شريك، قال: سمعت سلمة بن كهيل يحدث عن مجاهد، قال: كنا جلوسا عند النبي ﷺ والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه" تفرد به أحمد، وهذا إسناد حسن لا بأس به.

طريق أخرى عنه

قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفا بعرفات، فنظر إلى الشمس حتى نزلت مثل الترس للغروب، فبكى، واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟ فقال: "أيها الناس لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". تفرد به أحمد.

طريق أخرى عن ابن عمر

قال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن حماد، يعني ابن عمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس".

ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به نحوه بأبسط منه.

وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، بنحو ذلك، وهذا كله يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا الله عز وجل. ولم يجىء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون أحد من خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

إشارة نبوية إلى أنه لن يبقى بعد مائة سنة أحد من الموجودين على ظهر الأرض وقتذاك

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده قائلا، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله ﷺ صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة النبي ﷺ تلك إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي ﷺ: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدا، يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن".

وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم، عن نافع، عن شعيب به، فقد فسر الصحابي المراد من الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد، من أنه ﷺ يريد أنه يخرم قرنه ذلك فلا يبقى ممن هو كائن على وجه الأرض من ذلك الزمان أحد إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء هل ذلك خاص بذلك القرن أو عام في كل قرن لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة. على قولين، والتخصيص بذلك القرن المبين الأول أولى، فإنه قد شوهد بعض الناس جاوز مائة سنة، وذلك في طائفة من المعمرين، كما أوردنا في التاريخ، ولكنه قليل في الناس فالله أعلم، ولهذا الحديث طرق أخر عن النبي ﷺ تسليما.

رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه

قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك: حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر فقال: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، والذي نفسي بيده ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة".

تفرد به أحمد: وهذا إسناد حسن جيد. رجاله ثقات، أبو النضر هاشم بن قاسم من رجال الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.

طريق أخرى عن جابر

قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج: قال ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بشهر يقول: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".

وكذلك رواه مسلم، عن هارون بن عبد ا لله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، عن محمد بن حاتم، عن محمد بن أبي بكرة، كلاهما عن ابن جريج عنه.

باب قرب قيام الساعة

وقال مسلم في الصحيح: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله ﷺ سألوه عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم". تفرد به مسلم رحمه الله.

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله ﷺ متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله ﷺ: " إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". تفرد به مسلم من هذا الوجه.

قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد، حدثنا معبد بن بلال العربي، عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي ﷺ قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي ﷺ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال: "إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه.

قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي ﷺ: "إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام به.

وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال والجواب، وليس المراد تحديد وقت الساعة العظمى، إلى وقت هرم ذاك المشار إليه، وإنما المراد أن ساعتهم وهو انقراض قرنهم وعصرهم قصاراه أنهى إلى مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم. وفي الحديث: "تسألوني عن الساعة، فإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".

ويؤيد ذلك رواية عائشة: "قامت عليكم ساعتكم".

وذلك أن من مات فقد دخل في حكم القيامة فعالم البروج قريب من عالم يوم القيامة، وفيه من الدنيا أيضا، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام الساعة، فيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة وبالله المستعان.

ذكر الساعة واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها وأنها لا تأتي إلا بغتة ولا يعلم وقتها على التعيين إلا الله تعالى

قال الله تعالى: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".

وقال تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه".

وقال تعالى: "يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا".

وقال تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم".

وقال تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر".

وقال تعالى: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا مساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين".

وقال تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما".

وقال تعالى: "قل كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون".

وقال تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

وقال تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها".

وقال تعالى: "إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى".

وقال تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون".

وقال تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".

ولهذا لما سأل جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ، عن الساعة وهو في صورة أعرابي قال له ﷺ: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل".

يعني قد استوى فيها علم كل مسؤول وسائل، لأنه إن كانت الألف واللام في المسؤول والسائل للعهد عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأخرى، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ والله سبحانه وتعالى أعلم قال:

ذكر شيء من أشراطها

"في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إن الله عنده علم الساعة".

وقال تعالى: "ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين".

وقال تعالى: "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم".

وقال تعالى: "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير".

فهذه ثلاث آيات، يأمر الله فيها رسوله أن يقسم بالله على العباد وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير. قال الله تعالى: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه ولبيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون".

وقال تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير".

وقال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكزون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".

وقال تعالى: "أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم".

وقال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما و رفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا".

وقال تعالى: "أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا".

وقال تعالى: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون".

وقال تعالى: "أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير".

وقال تعالى: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون".

وقال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".

وقال تعالى: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم".

وقال تعالى: "ومن آياته أنك الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير".

وقال تعالى: { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقاكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وانه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور }.

وقال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين".

فيستدل بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد فنائها وتمزقها وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا، وكذلك يستدل ببدء الخلق على الإعادة كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم".

وقال تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير".

وقال تعالى: "والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون".

وقال تعالى: "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور".

وقال تعلى: "فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا".

وقال تعالى: "وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون".

وقال تعالى إخبارا عن الكافرين أنهم قالوا: "أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ".

وقال تعالى: "أفرأيتم ما تمنون أ أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون".

وقال تعالى: "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا".

وقال تعالى: "كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين".

وقال تعالى: "وقالوا أئذا كنا عظاما و رفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا".

وقال تعالى: "يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقد ذكر تعالى إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع في قصة بني إسرائيل في قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل قال الله تعالى: "ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون".

وفي قصة البقرة: "فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون".

وفي قصة البقرة: "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون".

وفي قصة العزيز أو غيره حيث قال تعالى: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير".

والخامسة قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم".

وذكرتعالى قصة أهل الكهف، وكيف كان إيقاظهم من نومهم الذي دام ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين بالقمرية وقال فيها: "وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها".

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فينظر لها فلا يبقى أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى يستمع هذا الأمر العظيم، الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، وفي وقوع هذا الأمر العظيم قال الله تعالى: "ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون".

وقال تعالى: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق".

وقال تعالى: "فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير".

وقال تعالى: "قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير".

ثم بعد ذلك بمدة، يأمره تعالى فينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم يأمره، فينفخ فيه أخرى، فيقوم الناس لرب العالمين.

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون".

وقال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".

وقال تعالى: "فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة".

وقال تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".

وقال تعالى: "ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا".

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن سفيان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه"

توقع قيام الساعة بين لحظة وأخرى

ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التميمي، به. وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، به.

وقال الترمذي حسن ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس. في قوله: "فإذا نقر في الناقور" قال: قال رسول الله ﷺ: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمرفينفخ؟". فقال أصحاب محمد: يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: قولوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". انفرد به أحمد.

وقد رواه أبو كدينة عن يحيى بن المهلب، عن مطرف به، وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر، متى يؤمر؟ قال المسلمون: يا رسول الله: فما نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا".

وأخرجه الترمذي، عن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن.

ثم رواه من حديث خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد به، وحسنه أيضا، وقال شيخنا أبو حجاج المزي في الأطراف، ورواه إسماعيل بن إبراهيم، أبو يحيى التميمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كذا قال رحمه الله.

وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول ﷺ: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ." قلنا: يا رسول الله: ما نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل".

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة: روى أبو صالح، عن أبي هريرة، وعن عمران، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "كيف أنعم أو كيف أنتم- شك أبو صالح- وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر، فينفخ" قالوا: يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا".

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله ﷺ صاحب الصور فقال: "عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل، عليهم الصلاة والسلام".

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن صاحبي الصور بأيدهما أو في أيديهما قرنان: يلاحظان متى يؤمران"؟.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي ﷺ، وعن عبد الله بن عمر، عن النبي ﷺ قال: "النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق، ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور فينفخان".

تفرد به أحمد. وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما هو إسرافيل وهو الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والاخر هو الذي ينقر في الناقور، وقد يكون الصور، والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرين، والألف واللام فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع، يفعلون كفعله، والله أعلم بالصواب.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل: أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم، أخبرنا يزيد بن الأصم، قال: قال ابن عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظرتجاه العرش مخافة أن يؤمرأن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الله بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "ما أطرق صاحب الصور منذ وكل به، ينظرنحو العرش مخافة أن يؤمرقبل أن يرتد إليه طرفه، كأنه عينيه كوكبان دريان".

حديث الصور بطوله تصوير لمشاهد القيامة أو لبعض مشاهدها

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو في طائفة من أصحابه قال: "إن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصا إلى العرش ببصره، ينتظرمتى يؤمر؟ قال: قلت: يا رسول الله ﷺ ما الصور؟ قال: قرن. قال: كيف هو؟ قال: عظيم. قال: والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه لعرض السموات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والأرض، إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله فيها: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق". فتسير الجبال سير السحاب، فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا، فتكون كالسفينة في البحر، تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجه الأرواح، ألا وهو الذي يقول الله تعالى فيه: "يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة". فتميد الأرض بأهلها، وتذهل المراضع، وتضع كل الحوامل، وتشيب الولدان، ويطير الناس هاربين من الفزع، فتلقاهم الملائكة، فتضرب وجوههم فيرجعون، ثم يولون مدبرين، ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض بصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، نظروا في السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء، فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها، وقمرها، قال رسول الله ﷺ: "الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك".

قال أبو هريرة: من استثناه الله حين يقول: "ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء، عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله، يبعثه على شرار خلقه هو الذي يقول الله فيه يايها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الصعق؟ فيصعق أهل السموات والأرض؟ إلا من شاء الله؟ فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبارة فيقول: يا رب: مات أهل السموات والأرض إلا من شئت، فيقول الله: وهو أعلم بمن بقي؟ فمن بقي؟ فيقول: يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكاثيل، وبقيت أنا؟ فيقول الله: ليمت جبريل وميكائيل، فينطق الله العرش فيقول: يا رب يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل فيقول: يا رب: قد مات جبريل وميكائيل؟ وبقيت أنا وحملة العرش فيقول الله: فليمت حملة عرشي فيموتون، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك فيقول: وهو أعلم بمن بقي، فمن بقي؟ فيقول يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت فمت، فيموت، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد كان آخرا كما كان أولا، طوى السموات والأرض كطي السجل للكتاب ثم دحاها ثم لفها ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار ثلاثا. ثم هتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: لله الواحد القهار، ويبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في مثل ما كانوا فيه في الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عليكم من ماء من تحت العرش ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، فتنبت كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت، قال الله: "ليحيي جبريل وميكائيل، فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله: "وعزتي وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون. "مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسير". حفاة، عراة، غلفا غرلا، ثم تقفون موقفا واحدا، مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دماء وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون، وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون إليه ذلك، فيأبى، فيقول: حفاة عراة غلفا غرلا ثم تقفون موقفا واحدا، مقدار سبعين عاما. ما أنا صاحب ذلك، ثم يسعون للأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم.

قال رسول الله ﷺ: "حتى تأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجدا. قال أبو هريرة: يا رسول الله: ما الفحص قال: موضع قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، فيقول لي: يا محمد: فأقول: نعم لبيك يا رب، فيقول ما شأنك؟- وهو أعلم- فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول شفعتك، أنا آتيكم، فأقضي بينكم"، قال رسول الله ﷺ: "فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذا سمعنا حسا من السماء شديدا، فينزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والأرض والسموات إلى حجرهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول: يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم، وصحفكم، تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم". ثم يقول: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون". "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون". فيميز الله الناس، وينادي الأمم داعيا لكل أمة إلى كتابها، والأمم جاثية من الهول قال الله تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون".

فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين، الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى أنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا، ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضى فيه الدماء، فيأتي كل قتيل في سبيل الله، ويأمر الله من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول: يا رب فيم قتلني هذا؟ فيقول الله تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: قتلته يا رب لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت، فيجعل الله وجهه مثل نور السموات، ثم تسبقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان يقتل على غير ذلك ويأمر من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول يا رب فيم قتلني هذا؟ فيقول الله وهو أعلم: فيم قتلته فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لي، فيقول الله: تعست، ثم ما تبقى نفس قتلها قاتل إلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه، ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء أن يخلص اللبن من الماء، فإذا فرغ الله من ذلك، نادى مناد يسمع الخلائق كلهم، فقال: ليلحق كل قوم بآلهتهم وماكانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحد عبد من دون الله شيئا إلا مثلت له الهيئة بين يديه، فيجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى ثم قادتهم آلهتهم إلى النار فهذا الذي يقول الله تعالى: "لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون".

فإذا لم يبق إلا المؤمنون، فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، ما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم- وهو الله- فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به أنه ربهم، فيخرون سجدا على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رؤوسهم، ويضرب الله بالسراط بين ظهراني جهنم، كقد الشعر، أو كعقد الشعر، وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، ودونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوح على وجهه في جهنم، فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فيدخلنا الجنة فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ إنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسله إلى خلقه، فيؤتى نوح، فيطلبون ذلك إليه فيذكر شيئا ويقول: ما أنا بصاحبكم، عليكم بموسى، فيطلبون ذلك إليه فيذكر ذنبا، ويقول لست بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم، فيطلبون ذلك إليه، فيقول ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد ﷺ. قال رسول الله ﷺ: "فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدتهن، فانطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيي ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده ومجده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول لي الله: أرفع رأسك يا محمد واشفع تشفع، وسل تعط، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله ﷺ يقول: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم". فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة كما ينشئهن الله، واثنتين آدميتين، لهما فضل على من شاء الله بعبادتهما الله في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سريرمن ذهب مكلل باللؤلؤ، له سبعون درجة من سندس واستبرق، ويضع يده بين كتفيها، ثم ينظر من صدرها ما وراء ثيابها من جلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى لحم ساقها، كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مراة وكبدها له مرآة، فبينما هو عندها، لا يملها ولا تمله إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل، ولا تمل، إلا أن لك أزواجا غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك، قال: وإذا وقع أهل النار في النار، وقع فيها خلق من خلق ربك، أوبقتهم أعمالهم، فمنهم من تأخذه إلى قدميه لا يجاوز ذلك منهم، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله، إلا وجهه قد حرم الله صوره عليها، قال رسول الله ﷺ: فأقول: "يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن الله لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع، فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يشفع الله فيقول أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار، ثم يقول: وثلث دينار، ثم يقول: قيراطا، ثم يقول: حبة من خردل، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط، وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له، ثم يقول الله: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، فيدخل يده في جهنم، فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، كأنهم حب فيبثهم الله على نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، مما يلي الشمس أخضر، ومما يلي الظل منها أصفر، فينبتون حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوبا في رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن عز وجل يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا الله خيرا قط، فيبقون في الجنة.

إلى هنا كان في أصل أبي بكر العربي، عن أبي يعلى رحمه الله، وهو حديث مشهور، رواه جماعات من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات، والحافظ البيهقي في كتابه: البعث والنشور، والحافظ أبي موسى المديني في المطولات أيضا من طرق متعددة عن إسماعيل ابن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه وفي بعض سياقه نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء منفرد.

قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس في الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، فجمعه وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ورواه عنه جماعة من الكبار كأبي عاصم النبيل والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن سابور، وعبده بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه، فتارة يقول: عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، وتارة يسقط الرجل، وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبده بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زيد، عن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بطوله: ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي، وهذا أقرب، قال: وقد رواه عن إسماعيل بن رافع عن الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف، بين شواهده من الأحاديث الصحيحة، وقال الحافظ ابن موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه فعامة ما فيه يروى مفرقا من أسانيد ثابتة ثم تكلم على غريبه.

قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا وبالله المستعان.

فصل نفخات الصور لا يبقي من الإنسان بعد موته إلا عجب ذنبه

النفخات في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله.

وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "ما بين النفختين أربعون يوما، قال: أبيت. قال: أربعون شهرا. قال: أبيت. قال: أربعون سنة. قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة".

ورواه البخاري من حديث الأعمش، وحديث عجب الذنب وأنه لا يبلى وأن الخلق بدؤوا منه ومنه يركبون يوم القيامة، ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة.

ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق.

ورواه أحمد، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "كل ابن آدم يبلى ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب". انفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.

ورواه أحمد أيضا من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.

وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: "يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، قيل وما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل، منه ينبتون".

والمقصود هنا ذكر النفختين، وأن بينهما إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما والله أعلم، نفخة، الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان ومنه يركب عند بعثه يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الصعق، ونفخة الفزع وهو الذي يريد ذكره في هذا المقام، وعلى كل تقدير، فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق، وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام.

من أهوال يوم القيامة

من ذلك زلزلة الأرض، وارتجاجها وميدانها، بأهلها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: "إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها".

وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

وقال تعالى: "إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة".

ولما كانت هذه النفخة، أعني نفخة الفزع أولى مبادىء القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله.

كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها".

وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.

وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومهما تتناثر، وتخسف شمسها وقمرها، والظاهر- والله أعلم- أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق.

قال تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار".

وقال تعالى: "إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت".

وقال تعالى: "فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره".

وسيأتي تقرير أن هذا كله كائن، بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض، وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها، وأرجائها، فمناسب أن يكون بعد نفخة الفزع وقبل الصعق، قال الله تعالى إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم".

وقال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان".

وقد تقدم الحديث، في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد، أن رسول الله ﷺ قال: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات" فذكرها إلى أن قال: "وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر". وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان من سائر أقصار الأرض إلى أرض الشام منها وهي بقعة المحشر والنشر.

ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام

ثبت في الصحيحين، من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر الناس على ثلاث طرائق، راغبين، وراهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، فتقتل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث أمسوا". وروى أحمد، عن عفان، عن ثابت بن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله ﷺ عن أول أشراط الساعة فقال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بطوله وهو في الصحيح.

يحشر الناس يوم القيامة أصنافا ثلاثة

وروى الإمام أحمد، عن حسن وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم، قالوا يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك".

وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن حماد بن سلمة بنحو من هذا السياق.

وقال الإمام أحمد: عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف".

ورواه الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو بنحوه.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الخرقي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان: حدثنا زيد بن الحباب: أخبرني الوليد بن جميع القرشي، قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو الوليد، عن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد الغفاري، سمعت أبا ذر الغفاري وقد تلا هذه الآية: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما".

يقول: حدثني الصادق المصدوق ﷺ: "إن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: يلقي الله الآفة على الظهر، حتى تبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالممارن ذات القتب" لفظ الحاكم.

وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر الآية وزاد في آخره فلا يقدر عليها.

وفي مسند الإمام أحمد، من حديث بهز، وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حميدة القشيري، عن رسول الله ﷺ أنه قال: "يحشرون هاهنا- وأومأ بيده إلى نحو الشام- مشاة وركبانا، ويمرون على وجوههم ويعرضون على الله، وعلى أفواههم الفدام".

وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه. وقال: حسن صحيح.

فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا، من أقطار محلة الحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة، فقسم يحشرون طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، يعني يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم، كما جاء مفسرا في الحديث الآخر، وتحشر بقيتهم النار، وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم تسوقهم من كل جانب، إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته النار، وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الدنيا، حيث الأكل والشرب، والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث، لم يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات، والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث، حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصحح ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما قاله بقوله تعالى: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا".

يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا

وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديت وفيه: "إن منهم اثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير" وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر. هذا لا يلتثم مع هذا، والله أعلم، تلك نجائب من الجنة يركبها المؤمنون من العرصات إلى الجنات، على غير هذه الصفة كما سيأتي تقرير ذلك في موضعه.

فأما الحديث الآخر، الوارد من طرق أخر، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم. "إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا": "كما بدأنا أول خلق نعيده".

فذلك حشر غير هذا، هذا يوم القيامة، بعد نفخة البعث، يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، أي غير مختنين، وكذلك يحشر الكافرون إلى جهنم وردا أي عطاشا وقوله: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا".

فذلك حين يؤمر بهم إلى النار، من مقام الحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

وقد ذكر في حديث الصور أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع، مما ذكر، بسبب نفخة الفزع، وإن الذين استثنى الله فيها، إنما هم الشهداء، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها، ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.

وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال، أحدها: كما جاء مصرحا به، أنهم الشهداء، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، قيل: وحملة العرش أيضا، قيل: وغير ذلك، فالله أعلم.

وقد ذكر في هذا الحديت، أعني حديث الصور، أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام، فيموت بسبب ذلك جميع الموجودين، من أهل السموات، ومن في الأرض، من الإنس والجن، والملائكة، إلا من شاء الله، فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرا فيل، وقيل: هم الشهداء، وقيل: غير ذلك قال الله تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون".

وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربئك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

تقدم في حديث الصور: "إن الله تعالى يقول لإسرافيل: انفخ نفخة الصعق، فينفخ فيصعق من في السموات والأرض، إلا من شاء الله، فيقول الله لملك الموت: وهو أعلم بمن بقي فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل، فيأمره الله أن يقبض روح جبريل وميكائيل، ثم يأمر الله سبحانه وتعالى بقبض حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق".

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: "إن الله تعالى يقول لملك الموت: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت ثم لا تحيا".

وقال محمد بن كعب فيما بلغه فيقول له: مت موتا لا تحيا بعده أبدا فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السموات والأرض لماتوا فزعا.

قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة، قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: مت موتا لا تحيا بعده أبدا، يعني ثم لا يكون بعد هذا ملك موت أبدا، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في الصحيح: "يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل النار خلود ولا موت". ويا أهل الجنة خلود ولا موت".

وسيأتي الحديث،.... فملك الموت فان حتى لا يكون بعد ذلك ملك موت أبدا، والله أعلم. وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي ﷺ فظاهر ذلك أنه لا يحيى بعد ذلك أبدا، وهذا التأويل بعيد بتقدير صحة الحديث، والله أعلم بالصواب.

فصل في حديث الصور

قال في حديث الصور: فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كان اخرا كما كان أولا، طوى السموات والأرض، كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم لفهما ثلاث مرات، وقال: "أنا الجبار" ثلاثا ثم ينادي: لمن الملك اليوم. ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول مجيبا لنفسه: لله الواحد القهار وقد قال الله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضتة يوم القيامة والسموات مطويات بيمييه سبحانه وتعالى عما يشركون".

وقال تعالى: "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيد وعدا علينا إنا كنا فاعلين".

وقال تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم".

وقال تعالى: "رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب".

وثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.

وفيهما أيضا من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يقبض السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك". وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون". ورسول الله ﷺ يقول كذا بيده، يحركها، يقبل بها ويدير، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله ﷺ المنبر حيث قلنا ليخرن به وهذا لفظ أحمد.

وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة بهذا المقام عند هذه الآية من كتابنا التفسير بأسانيدها وألفاظها بما فيه كفاية ولله الحمد.

فصل قال في حديث الصور ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي

قال تعالى: "لا ترى فيها عوجا ولا أمتا".

ثم يزجر الله الخلائق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة وقد قال الله تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات و برزوا لله الواحد القهار".

وفي صحيح مسلم، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ، سئل: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسموات. فقال: "في الظلمة دون الجسر".

وقد يكون المراد بذلك تبديل اخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين، نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال، وتميد الأرض، ويبقى الجميع صعيدا واحدا، لا اعوجاج فيها ولا روابي ولا أودية قال الله تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا "فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا". أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.

وقال تعالى: "وسيرت الجبال فكانت سرابا".

وقال تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش".

وقال تعالى: "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة".

وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وتر ى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا".

فصل قال في حديث الصور ثم ينزل الله من تحت العرش ماء

فتمطرالسماء أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، كنبات الطراثيت وهو صغار القثاء أو كنبات البقل.

وتقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد، ومسلم، من حديث يعقوب بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله ﷺ قال: "ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه، فيصعق، ولا يسمعه أحد إلا صعق، ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل، أو الظل، فينبت منه أجساد الخلائق، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم".

وقال البخاري: حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "بين النفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهرا قال: أبيت قالوا: أربعون سنة قال: أبيت. ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب منه يركب الخلق.

ورواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مثله، وزاد بعد قوله في الثالثة أبيت قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب أهوال يوم القيامة: حدثنا أبو عمار الحسين بن حبيب المروزي، أخبرنا أبو الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني أبي بن كعب: قال: "ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت، واختلطت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والوحش والطير، فماج بعضهم في بعض، "وإذا الوحوش حشرت" قال: انطلقت. "وإذا العشار عطلت" وقال أهملها أهلها."وإذا البحار سجرت" قال الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر، فانطلق إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك، اذ جاءتهم ريح فأماتتهم".

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عمرو القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عطاء بن يزيد السكسكي، قال: "يبعث الله ريحا طيبة بعد قبض عيسى ابن مريم، وعند دنو من الساعة، فيقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس، يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله على أهل الأرض الرجف فرجفت بهم أقدامهم ومساكنهم، فيخرج الإنس والجن والشياطين، كل يلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب فيجدونه قد سد، وعليه الحفظة ثم يرجعون إلى الناس، فبينما هم كذلك، إذ شرقت عليهم الساعة، ويسمعون مناديا ينادي: يا أيها الناس: أتى أمر الله فلا تستعجلوه، قال: فما المرأة بأشد استماعا من الوليد في حجرها، ثم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله".

وقال أيضا: حدثنا هارون بن شيبان: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبي ﷺ وحدث هشام بن سعيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حجرة، عن عقبة بن عامر، عن النبي ﷺ قال: "تطلع عليكم سحابة سوداء مثل الترس من قبل المغرب، فما تزال ترتفع وترتفع حتى تملأ السحاب، وينادي مناد: أيها الناس إن أمر الله قد أتى، فوالذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليلوط حوضه فما يشرب منه، وإن الرجل ليحلب لقحته فما يشرب منها شيئا".

وقال محارب بن دثار: "إن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي ما في حواصلها من هول ما ترى وليس عندها طلبة".

رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحر، سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: "إذا الشمس كورت" "وإذا السماء انفطرت". "وإذا السماء انشقت". ورواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن بجير.

نفخة البعث